"العنوسة" أو العزوبية الدائمة ظاهرة اجتماعية واقعية باتت تعدّ إشكالية في حياة الشباب، وهي تحمل بين تفاصيلها الكثير من الأسئلة عن أسبابها ومسبباتها ومراحلها ونتائجها وخطورتها على بنية المجتمع.

حول "العنوسة" وإشكالياتها الاجتماعية، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 3 أيلول 2017، التقت الباحث الاجتماعي "أدهم البربور"، الذي بيّن قائلاً: «منذ مدة زمنية قليلة باتت "العنوسة" أو العزوبة الدائمة ظاهرة اجتماعية ذات إشكاليات متعددة، وأخذت تهدد البنية التركيبية للمجتمع، حيث بلغت نسبتها في "السويداء" نحو 35%، وهذه النسبة مرتفعة قياساً مع الوعي الثقافي والاجتماعي والأعمال التكافلية والجمعيات الأهلية الساعية إلى تذليل صعوبات "العنوسة"؛ ذلك لأن المجتمع أدرك أنه أمام مرحلة واقعية يحتاج بها إلى تنازلات عديدة في تفاصيل الزواج، لكن بالحقيقة لم يستطع المجتمع كبح جماح ذلك لطغيان المدنية المفرطة والوسائل التقنية على فرض عادات وتقاليد باهظة التكاليف، الأمر الذي تسبب في زيادة نسبتها وهي بارتفاع. إذاً، نحن أمام إشكالية وظاهرة اجتماعية لا بد بها من تكاثف جهود المجتمع الأهلي، مع انتشار ثقافة ووعي لدى الجنسين للتوصل إلى قاسم مشترك تفاعلي يهدف إلى تذليل هذه الظاهرة والتخفيف من نسبتها وانعكاسها على المجتمع».

منذ مدة زمنية قليلة باتت "العنوسة" أو العزوبة الدائمة ظاهرة اجتماعية ذات إشكاليات متعددة، وأخذت تهدد البنية التركيبية للمجتمع، حيث بلغت نسبتها في "السويداء" نحو 35%، وهذه النسبة مرتفعة قياساً مع الوعي الثقافي والاجتماعي والأعمال التكافلية والجمعيات الأهلية الساعية إلى تذليل صعوبات "العنوسة"؛ ذلك لأن المجتمع أدرك أنه أمام مرحلة واقعية يحتاج بها إلى تنازلات عديدة في تفاصيل الزواج، لكن بالحقيقة لم يستطع المجتمع كبح جماح ذلك لطغيان المدنية المفرطة والوسائل التقنية على فرض عادات وتقاليد باهظة التكاليف، الأمر الذي تسبب في زيادة نسبتها وهي بارتفاع. إذاً، نحن أمام إشكالية وظاهرة اجتماعية لا بد بها من تكاثف جهود المجتمع الأهلي، مع انتشار ثقافة ووعي لدى الجنسين للتوصل إلى قاسم مشترك تفاعلي يهدف إلى تذليل هذه الظاهرة والتخفيف من نسبتها وانعكاسها على المجتمع

الباحثة الاجتماعية الدكتورة "ريما الحجار"، الأستاذة الجامعية في جامعة "دمشق" فرع "السويداء"، بينت الإشكاليات الاجتماعية للعنوسة، قائلة: «يستخدم مصطلح العزوبية أو "أعزب" للشاب، وعزباء للشابة في كثير من المجتمعات لمن هم في سن مناسب للزواج ومازالوا خارج إطاره، وإذا طالت هذه المدة ووصلوا سناً أصبح الزواج بعده فرصة نادرة أو غير واردة يطلق عليهم المجتمع مصطلح "العنوسة"، وهو يشمل الذكور والإناث، وهو مصطلح لا يفضل أغلب النساء استخدامه لأنه أصبح حكراً عليهن دون الرجال، حيث تستمر تسمية المرأة بالعانس، والرجل بالأعزب. ويحمل مصطلح العنوسة في معناه ومقصده دلالات الاكتئاب والحزن والوحدة وفقدان الأمومة والأسرة، وشعور النقص لدى المرأة مقابل الأخريات المتزوجات، لذلك سنحاول استبداله بمصطلح "العزوبية الدائمة" أو تأخر سن الزواج، مع أنني شخصياً لا أعول على تغيير المصطلحات، وإنما على تغيير نظرة المجتمع إلى أصحاب المصطلح المقصود، وتغيير الثقافة بالتعامل معهم على أنهم غير مختلفين عن الآخرين وليسوا أقل منهم، وبالذات الفتاة غير المتزوجة وقد تجاوزت سن الزواج المتعارف ضمن مجتمعها، ليس بالضرورة أن تكون مرغمة على ذلك أو فقدت الفرصة لنقص بصفاتها أو جمالها أو أخلاقها، بل قد يكون خياراً شخصياً تتبناه وتدافع عنه، ويختلف السن المتعارف للزواج من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة زمنية إلى أخرى، وكذلك من بيئة إلى بيئة اجتماعية واقتصادية ضمن المجتمع نفسه، حيث يختلف بين بلد وآخر، وكذلك بين البيئة الحضرية والريفية والبدوية، ففي البداوة قد لا يتجاوز العشرين سنة للفتاة، وبعدها تدخل في دائرة احتمال العزوبية الدائمة وفقدان فرصة الزواج، أما في المدن، فقد تصل إلى الثلاثين سنة حتى تنهي الفتاة تعليمها الجامعي على الأغلب».

الأستاذ أدهم البربور

وتابعت: «على الرغم من ارتفاع سن الزواج حالياً في مجتمعنا للذكور من 26 إلى 37 سنة، وللإناث من 23 إلى 32 سنة، وهو رقم تقريبي يشمل الشريحة الأكبر من شباب مجتمعنا، فإننا نجد الكثير من الحالات التي لا تنطبق عليه تماماً. وقد لا تعدّ أسباب ظاهرة العزوبية الدائمة خافية على أحد، وتتلخص بالمستوى الاقتصادي والمعيشي المتدني لأفراد مجتمعنا، وارتفاع تكاليف الزواج التي أصبحت تسجل أرقاماً خيالية، وكذلك عدم القدرة على تأمين المسكن والمتطلبات اليومية للحياة الأسرية، وبعض العادات والتقاليد التي تحكم أفراد المجتمع وتوجه خياراتهم للشريك؛ كالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وكذلك الفئة العمرية، وارتفاع معدلات التعليم بين الإناث، وعمل المرأة واستقلالها المادي، كذلك اختلاف التوزع الديمغرافي في مجتمعاتنا حيث يعدّ عدد الإناث أكبر من عدد الذكور، وهو ما يسمى بمعدل الجنس، حيث يبلغ في "سورية" مثلاً وقبل الأزمة 100/103؛ أي كل 100 ذكر تقابل 103 أنثى في المجتمع نفسه، وأيضاً هجرة الشباب أو سفرهم وزواجهم من أجنبيات، وارتفاع معدلات البطالة، وأسعار العقارات، النظرة غير الإيجابية لمؤسسة الزواج والأسرة، واعتبارها في نظر بعضهم من جيل الشباب مؤسسة فاشلة في الوقت الراهن، وقد يعزف بعضهم عن خوض هذه التجربة والمغامرة في نتائج غير مضمونة، ورغبة الكثيرين من الشباب بالارتباط بفتاة ليس لديها تجارب سابقة قبل الزواج بصرف النظر عن تجاربهم، التي يعدّونها حقاً طبيعياً لهم. هذه بالعموم أسباب الظاهرة التي أدت إلى خروج نسبة كبيرة من شباب وشابات مجتمعنا من دائرة الزواج وتكوين الأسرة».

وأضافت د. "الحجار": «إن التغير الاجتماعي الحاصل على تركيبة وبنية مجتمعنا، وارتفاع معدلات التعليم والعمل، عامل إيجابي وسلبي في هذه الظاهرة بالذات، ويمكن أن نعدّ عمل المرأة واستقلالها أحد العوامل الإيجابية التي تدعم حقوقها وتقلل من استغلالها وخضوعها لسلطة الرجل في المجتمع الذكوري، وقد أدى أيضاً إلى ارتفاع سن الزواج، حيث أصبح من الطبيعي أن لا تتزوج الفتاة حتى تنهي تعليمها المتوسط أو الجامعي، وحتى الدراسات العليا للكثيرات منهن، وعندها قد تعاني الفتاة مشكلة اختيار الشريك الذي يتوافق مع مستواها التعليمي وموقعها الاجتماعي والعلمي، وقد لا ترضى بشخص أقل منها علمياً، بالمقابل يفضل الشاب في مجتمعنا الفتاة الأصغر سناً أو الأقل تعليماً منه حتى لا تتفوق عليه ويشعر بنقص تجاهها، أو يخشى أن تهتز صورة رجولته المعهودة في الأسرة، لذلك تصبح الخيارات صعبة للطرفين، وكذلك الفتاة العاملة والمستقلة مادياً تؤجل الزواج حتى لا يؤخرها عن تحقيق ذاتها واستقلاليتها وتأمين مستقبلها، وتتأنى في الخيار، وقد لا تجد الشريك المناسب، فتقرر عدم الزواج نهائياً مكتفيةٍ باستقلاليتها وحريتها الشخصية».

الدكتورة ريما الحجار