من عجين الأم رسم عصافير الحلم الذي رافقه بين دول وقارات، متنقلاً يزرع في كل بلد شجرة كأنها في "سورية"، وفناً يخلد حضور "فؤاد الورهاني" نحاتاً عالج باقة من المواد، فأنتجت مسيرة غنية بالعطاء.

بين تفاصيل الطفولة والاغتراب التي يتحفظ على تسميتها، لأنها من وجهة نظره رحلة طموح إلى الأفضل بحثاً عن الفن كرسالة إنسانية عابرة للمكان الجغرافي، وبين الوجود الزمني مكرساً عمله بالمواد الصلبة والأخشاب وغيرها من المواد لتعبير عميق عن روح الفنان الباحثة عن فكرة أعمق من تزيين السطح، حل هذا الفنان المقيم حالياً في "أستراليا" ضيف مدونة وطن "eSyria" التي حاورته بتاريخ 17 آذار 2018، عن مشاريع وأعمال وتجربة فنية نحتها بصبر وتفانٍ وغربة، تظهر ملامحها بوسائل هذا الفنان وأفكار أعماله المتنوعة، كما قال: «الفن ليس سكة قطار وعليها نسير، الفن فرصة الخروج عن السكة إلى جميع الاتجاهات، وعليه، أنا عملت في شتى المهن، وقد لا تُلائم عملي كلمة اغتراب، وأسميها طموحاً؛ فهذا الطموح لم يجد ما يلجمه عن القفز إلى الأفضل، ومنه إلى الأفضل، كلما سنحت الفرصة لذلك، والسبب لأنني في كل مكان أستقر فيه أشعر بالاندماج مع المحيط والبيئة إلى حدٍ ما، خاصة الطبيعة، وعندما أزرع شجرة في أي مكان بالعالم أشعر برابط القُربى مع هذه النبتة، وأبقى أذكرها لو غبت عنها.

تتميز أعمال "فؤاد الورهاني" النحتية بالإتقان والدقة، وتحمل كلاسيكيتُها أبعاداً تتجاوز النمط الكلاسيكي التقليدي، إلى عوالم تلامس مشاعر حقيقية وتعبر بصدق عن أفكاره، وإنْ أردنا اختصار العنوان الأساسي لهذه الأعمال الذي يجمعها عبر مسيرة عمله الطويلة التي بدأت من "لبنان" وشملت عدداً كبيراً من الدول في عدة قارات، يمكن القول إنه "الإنسانية" بكل ما تحمله الكلمة من قيم وأحلام ورجاء ومعاناة وآلام ومحبة. و"فؤاد الورهاني"، المعروف كنحات، هو أيضاً رسّام تشكيلي بامتياز، وتحمل رسوماته التشكيلية العنوان الأساسي ذاته لأعماله النحتية؛ هي رسالته التي طاف بها وأعطاها الكثير من الجهد والتعب لتصل وتعبر عنه؛ حيث لا يوجد انفصام بين شخصية الفنان وشخصية الإنسان، فهو يعيش الفن والإنسانية في حياته اليومية كما ينحتهما ويرسمهما في أعماله الفنية، لتجد لكل مرحلة جمالها وتعبيرها المنسجم مع هذه الفكرة

فأسرتنا كباقي الأسر في "جبل العرب"، بل "سورية" الطبيعية، هاجرت أو تهجّرت لأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية، وعائلتي بالذات قدَّمت إلى "سورية" من "لبنان"، كما حدث للعديد من العائلات وأصحاب المهن التي كان لها صدى في ذلك الزمن، وشاءت الظروف أن نعيش بين "لبنان وسورية" تجربة صقلت موهبة كانت بدايتها مع أمي، ومشاركتها بتشكيل العجين بأشكال العصافير التي تراها عين الطفل، واستمرت سنوات الطفولة الجميلة، وساعد على اتجاهي إلى النحت النقوش والزخرفات على المباني الرومانية في قرى المنطقة وبيتنا بالذات، الذي بُني على أنقاض كنيسة "دير مار مكاريوس". لتكون في مرحلة الشباب تفاصيل أكثر ملامسة للعمل والسير على طريق الفن بالاعتماد على التجربة الذاتية».

من أعماله في قصر موسى

بين قصر "موسى" والإخوة "بصبوص" و"إيطاليا" جذور كرسها بالعمل، وقال: «عملت في قصر "موسى المعماري" في "لبنان" مع والدي "شاهر الورهاني" وشقيقي الفنان النحات "غالب الورهاني"، وأنا بصدد تأليف كتاب عن العمل مدعوم بالحجج التي لا تقبل الشك، فقد أعطينا من دون مقابل، وهذا يعود إلى تربيتنا الجبلية ومضافاتها التي تعلم الشهامة والكرم والشرف وحب الخير، وهي نقيض الجشع والتجارة والاستغلال.

وقد التحقت بالإخوة "بصبوص" في بلدة "راشانا" بـ"لبنان" للاطلاع والدراسة لمدة ثلاث سنوات، وكانت زيارتي إلى "إيطاليا" عام 1990 من القرن الماضي قبل الهجرة إلى "أستراليا"، من أجل الاطلاع على الطرائق الحديثة للنحت، ثم دورة عن تنعيم وصقل المادة، (الرخام خاصة)، لأنطلق بعمل يحتاج إلى كثير من الجهد، وفيه كثير من المتعة جعلني أختبر النحت على "البرونز والخشب والرخام والغرانيت والبازلت الساندستون والفايبر غلاش"، إلى جانب إدخال تجربة الحفر الفني على أثاث البيوت، كما عملت في الديكور وخاصة بالكنائس والمساجد، وبمهمة مهندس بناء في "نيجيريا" لمدة ثماني سنوات إلى جانب عملي.

من أعماله العالمية

وبقي للبيئة أثرها العميق، أما تعاملي مع الأشجار، فهو ناتج الحب للحياة؛ أي بدل الفناء أعمل على البقاء، فأنا بإمكاني بربع ساعة أن أحرق هذه الشجرة حتى الرماد، وأستطيع بالعمل أن أصنع منها شكلاً جميلاً يعيش ويستمر بالصيانة، كالأخشاب التي وصلتنا منذ حضارة الفراعنة، ومن خلال التجربة أعرف جيداً أن الشعوب تبرع بالمادة المحلية، فعندما كنت في "سورية ولبنان" نفذت أعمالي بالصخر الوطني، وفي "إيطاليا" بالرخام، وفي "نيجيريا" بالخشب لتوفره، وفي "أستراليا" بالأخشاب والصخر الرملي الوطني والبرونز ثم "فايبرغلاس"، وأيضاً نعرف جميعاً أن البدو في الصحراء يبرعون بالوبر والصوف والشعر ونقشها، والإنسان في الأدغال والغابة، أستعمل الريش وأوراق الشجر وآلياف الغابة وقشورها».

أعمال نحتية كبيرة عرفت عنه في أماكن بارزة في الدول التي عمل بها ليتابع تجاربه ويطور خبرته، وقال: «عملت في الديكور وخاصة الحفر على الخشب للعديد من المباني في "نيجيريا" و"ليبيا" و"أستراليا"، وصممت ونفذت في "سيدني" العديد من الحدائق المنزلية، كالأسوار، ومداخل الأبنية والقصور، ونوافير المياه من الصخر المحلي والرخام، والعديد من المعارض الفردية والجماعية السنوية في "أستراليا"، والعديد من التماثيل في الساحات العامة في بلدة "باتلو"، ثم "أفاكليد غاردن" "في "لورا" في الجبل الأزرق، وأحد تماثيل "أفاكليد" تم بيعه وشحنه إلى "اليابان"، وللرياضة الأولمبية "سيدني" 2000 بتمثال كرة السلة، وهو بارتفاع أربعة أمتار ونصف المتر، ويستقر اليوم أمام المسبح الأولمبي في جامعة "مكوري"، وتمثال يمثل الشعلة الأولمبية بارتفاع أربعة أمتار في بلدية "مانلي" أيضاً.

الشاعر وديع سعادة

ونلت الجوائز التقديرية، ومنها الجائزة التقديرية لـ"يوم أستراليا" من بلدية "تيموت نيو ساوث ولز" عن تمثال صحن فواكه بارتفاع مترين ونصف المتر، ثم الجائزة الأولى لتسعة معارض سنوية جماعية في "سيدني"، وجائزة أولى في "نورث بردج غاليري"، وجائزة الشاعر "شربل بعيني" الأولى عن قسم النحت، والجائزة الأولى في معرض "جمعية المبرات الخيرية"، وكرمت من جمعية إنماء الشعر والتراث في المهجر، وجامعة "ستراد فورد" ولاية "فرجينيا" في أميركا الشمالية، وبرلمان ولاية "نيو ساوث ولز" والحكومة المحلية، كل هذه الأعمال أعدّها تجربة قابلة للتجدد والتطوير بوجه دائم، ولدي الكثير لأقدمه لأكون ممثلاً حقيقياً للفن السوري ودوره الحضاري أينما حل».

يكفي للمهتم الاطلاع على أعماله ليلامس رسائل صافية المنهل، نقية الفكرة، صفتها الإنسانية، كما تحدث الشاعر "وديع سعادة" وقال: «تتميز أعمال "فؤاد الورهاني" النحتية بالإتقان والدقة، وتحمل كلاسيكيتُها أبعاداً تتجاوز النمط الكلاسيكي التقليدي، إلى عوالم تلامس مشاعر حقيقية وتعبر بصدق عن أفكاره، وإنْ أردنا اختصار العنوان الأساسي لهذه الأعمال الذي يجمعها عبر مسيرة عمله الطويلة التي بدأت من "لبنان" وشملت عدداً كبيراً من الدول في عدة قارات، يمكن القول إنه "الإنسانية" بكل ما تحمله الكلمة من قيم وأحلام ورجاء ومعاناة وآلام ومحبة. و"فؤاد الورهاني"، المعروف كنحات، هو أيضاً رسّام تشكيلي بامتياز، وتحمل رسوماته التشكيلية العنوان الأساسي ذاته لأعماله النحتية؛ هي رسالته التي طاف بها وأعطاها الكثير من الجهد والتعب لتصل وتعبر عنه؛ حيث لا يوجد انفصام بين شخصية الفنان وشخصية الإنسان، فهو يعيش الفن والإنسانية في حياته اليومية كما ينحتهما ويرسمهما في أعماله الفنية، لتجد لكل مرحلة جمالها وتعبيرها المنسجم مع هذه الفكرة».

الجدير بالذكر، أن الفنان "فؤاد الورهاني" من مواليد قرية "الكارس" بمحافظة "السويداء" عام 1949، مقيم في "أستراليا"، وقد أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية في "الشرق الأوسط"، وشمال وغرب "أفريقيا". عضو في جمعية النحاتين لولاية "نيو ساوث ولز"، وعضو في الجمعية الفنية للأعمال الخشبية في الولاية، وعضو في جمعية الفنون للنحت والرسم في منطقة "بلكم هل" "سدني"، وعضو في جمعية "أركاديا" للفنون المتنوعة ومحاضر في الجمعيات المذكورة، له العديد من المقالات والمقابلات في الصحف النيجيرية سابقاً، والصحف الأسترالية المحلية، والصحف العربية في "أستراليا"، والعديد من المقابلات بالإذاعات المرئية والمسموعة، و"تلفزيون الغربة"، والعديد من أعماله مقتناة في "أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأستراليا"، عن طريق المعارض والغاليريات، والتجار، والنحاتين، وأصدر ثلاث طبعات من ديوان "ضيعتي"، وألّف كتاباً قيد الطبع عن الحياة في "أستراليا".