إذا كانت الظروف خلف خيار الاغتراب، فالنجاح قرار اتخذه "وليم أبو خير" لينتقل إلى حالة الاستقرار والعطاء من خلال التطوع؛ ليبادر المجتمع الألماني بخلقه الإنساني وإخلاصه بالعمل.

رحلة قصيرة حاول من خلالها تقديم ما لديه في إطار اختبار تجارب حياتية فرضتها الظروف التي جعلت اغترابه ضرورة لحل مشكلته المادية، وتحسين ظروف عائلته، لينتقل عبر عدة مراحل كان آخرها في "ألمانيا"، حيث وصل إلى مرحلة تناولت الصحف الألمانية تجربته بمزيد من الاحترام لهذه التجربة؛ كما تحدث عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 أيلول 2018، وقال: «كانت رحلتي الأولى بسبب لقمة العيش لأنتقل إلى "لبنان"، عملي في مطعم هناك حقق لي الكفاية المادية، لكنني لم أتمكن من إحضار عائلتي والاستقرار، ولم يكن أمامي خيار إلا السفر إلى "ألمانيا" مع العلم بالتكلفة المالية العالية لذلك، لأعمل عامين متواصلين لأجمع تكاليف السفر لرحلة بدأت عام 2015 عبرت فيها مع مجموعة أصدقاء عدة دول خلال 25 يوماً تحملناها لنحول مشقة الطريق إلى تجربة واستكشاف على الرغم من الصعوبات ومرارة السفر المحفوف بمخاطر لم نكن نتوقعها.

في البلدة التي أقيم فيها مسبح صغير تتردد إليه العائلات، ومعظمها من الأسر العربية، وقد أعجبتني حالة التنظيم وعلمت من القائمين عليه أنهم بحاجة إلى منقذ يتابع المتدربين على السباحة ويساعدهم، فاقترحت العمل كمتطوع، وقد بقيت مدة تحت الاختبار، وحالياً أتابع العمل بعد إنجاز عملي في شركتي والدراسة وفي أيام العطل، وأصبحت أسرتي تساعدني بهذا العمل؛ زوجتي وابنتي وابني؛ وهذا ما جعل إحدى الصحف تسلط الضوء على تجربتي وكيف تحول اللاجئ من طالب للمساعدة إلى متطوع ومساعد؛ وهذا نموذج أقدمه لكل من رغب في الاغتراب أو أرغمته الظروف ليستثمر طاقته ويؤسس لإبداعه الخاص في أي مجتمع وجد فيه وأي مكان، ولنبادر الشعوب التي احتضنتنا بذات الخلق ونحاول ردّ الجميل

وعليه الوصول إلى هذا البلد كان بثمن باهظ وتعب كبير، لكن هنا بدأت الرحلة من وجهة نظري لأباشر بمساعدة أصدقاء الإجراءات القانونية التي احتاجت مدة ستة أشهر في المنزل، حيث تحدد الأنظمة في هذا البلد المنظم والجميل حدود التنقل، لكنني لم أبقَ يوماً واحداً في السكن من دون الخروج، وقد استثمرت الوقت بممارسة رياضة المشي وركوب الدراجة الهوائية، لأستكشف الغابات والمنطقة، وأختصر الوقت وأحاول بناء صلات مع المحيط.

وليم أبو خير

كنت أزور الكنيسة لاتباع دروس أولية تقدم مفردات بسيطة في اللغة لتسهل على اللاجئ الاندماج، ففي هذه البقعة من العالم تجد أصحاب البلد لطفاء ولديهم حماسة لمساعدة الغريب إلى درجة أننا تمكنا من التعرف إلى أصدقاء والتواصل معهم، وهذا ساعدني كثيراً، لكن يبقى الوقت طويلاً ومرهقاً لمن يسعى إلى اختصار مدة ابتعاده عن عائلته، ويسعى بكل طاقته إلى اكتساب خطوة إلى الأمام، وفي هذا الإطار حاولت السعي للالتحاق بدورة لغة مع العلم أن مكتب العمل لا يتكفل بالنفقات للمعهد قبل الحصول على إقامة، لذا تحملت النفقات لأتعلم اللغة، واستطعت خلال مدة قصيرة التطور واجتياز عدة مستويات لأتقن اللغة الألمانية جيداً».

الحصول على عمل والدراسة مراحل أنجزها ضمن مسارات اندماج مع الشعب الألماني، وقال: «طورت تواصلي مع عدد من الأصدقاء الألمان، وفي إحدى المرات وأثناء المحادثة أخبرني صديق ألماني بتعطل جهاز الحاسوب لديه؛ وهذا تخصصي الذي كنت أعمل به في وطني، وقد حاولت إصلاحه ونجحت في ذلك؛ لأجده يعرض علي مبلغاً من المال لم أقبله وشكرته، فقال: "أنت غريب وتحتاج المبلغ". فأخبرته إنني بحاجة إلى صديق أكثر من المال، وهذا كان شعوري الحقيقي لأنني رغبت بالتأسيس لحياتي في هذا البلد وفق رقي علاقات هذا الشعب، وتقبله للاجئ بكل رحابة صدر.

عمر نحاس

وبعد مدة أخبرني أنه رشحني للعمل في شركة لأحد أصدقائه، وبالفعل تقدمت لهذه الشركة، وبعدها تقدمت إلى شركة ثانية، وحاولت أن أختبر الشركتين لأجد في الأولى ظروفاً أفضل خاصة بعد إعجاب الإدارة بعملي وتشجيعهم لي لإكمال الدراسة، وتابعت مع الشركة المتخصصة في صناعة أجهزة إلكترونية للمعالجة الفيزيائية في قسم الصيانة وخدمة الزبائن وكانت البداية، لكن الاستمرار تطلب مني دراسة هذا التخصص قبل الحصول على تعديل الشهادة السورية، وبدأت الدراسة والعمل لأنجز بوقت قصير عدة خطوات أكدت الثقة بعملي وحصلت على عمل دائم بتخصص أتقنه، وأنجزت فروض اللغة ووصلت إلى المستوى B1؛ فقد كنت أذهب الساعة السادسة إلى العمل في الشركة وأعود مسافة 18كم على الدراجة الهوائية، وأعود الساعة الثانية عشرة لأنتقل بالقطار إلى دورة اللغة حتى الخامسة وبعدها إلى المكتبة المركزية في المدينة لمدة ساعتين، حيث أمضيت ثلاثة أشهر على هذا الحال، وبعدها باشرت الدراسة ليكون الدوام لمدة أسبوع، وباقي الشهر في الشركة لكون الدراسة تأمنت من خلال الشركة، وخلال مدة قياسية وجدت نفسي أتحدث الألمانية بطريقة جيدة، وأتابع مسيرة التعلم والعمل وأحضر أسرتي لنحصل على الاستقرار الذي طال انتظاره، وأحصل على سكن خاص بنا، إلى جانب تأكيد حضوري في الشركة وتقديم اقتراحات برمجية وتطبيقها بما يساهم في تطوير العمل».

التطوع عمل إضافي حقق له السعادة ليقدم خدماته للمحيط، وقال: «في البلدة التي أقيم فيها مسبح صغير تتردد إليه العائلات، ومعظمها من الأسر العربية، وقد أعجبتني حالة التنظيم وعلمت من القائمين عليه أنهم بحاجة إلى منقذ يتابع المتدربين على السباحة ويساعدهم، فاقترحت العمل كمتطوع، وقد بقيت مدة تحت الاختبار، وحالياً أتابع العمل بعد إنجاز عملي في شركتي والدراسة وفي أيام العطل، وأصبحت أسرتي تساعدني بهذا العمل؛ زوجتي وابنتي وابني؛ وهذا ما جعل إحدى الصحف تسلط الضوء على تجربتي وكيف تحول اللاجئ من طالب للمساعدة إلى متطوع ومساعد؛ وهذا نموذج أقدمه لكل من رغب في الاغتراب أو أرغمته الظروف ليستثمر طاقته ويؤسس لإبداعه الخاص في أي مجتمع وجد فيه وأي مكان، ولنبادر الشعوب التي احتضنتنا بذات الخلق ونحاول ردّ الجميل».

وليم مع أسرته

عن "وليم" تحدث صديقه الذي رافقه في رحلة الاغتراب "عمر نحاس" ويعمل في شركة إلكترونيات، وقال: «شخص مثابر لم يضيّع الوقت لكي يتمكن من تعديل شهادته السورية؛ لأن الموضوع يحتاج إلى وقت طويل ليحصل على الموافقة، والتحق بشركة كي يتمكن من دراسة ذات الاختصاص ومع ذلك قدم أوراق تعديل الشهادة، هو شخص طموح وذكي في اختصاصه وفي حياته، أنا شخصياً كان يساعدني في أشياء كثيرة وفي اختصاص الإلكترون، وقد أثبت وجوده في المدرسة وعلاماته في الامتحانات كانت جيدة على الرغم من المعاناة وبعد ما يقارب السنة حصل على تعديل شهادته السورية في "ألمانيا"، ومجرد حصول الشخص على تعديل الشهادة تجعله غير مضطر لإكمال الدراسة؛ لأنه بعد سبعة أشهر في الشركة بدوام كامل يحصل على الشهادة التي في الأوضاع العادية يحتاج الشخص ليدرسها إلى ثلاث سنوات ونصف السنة، أخيراً نجح واقترح الموضوع على الشركة التي أعطته فرصة الدراسة والعمل، ووافقوا على إلغاء عقد الدراسة وإعطائه عقد عمل دائماً في الشركة لأنه وضع بصمته في الشركة كشخص محترم وخلوق بفضل عمله واجتهاده، حتى إنه اقترح موضوعاً على الشركة في مجال البرمجة الإلكترونية ووافقت عليه، وحالياً دخل الموضوع ضمن التنفيذ، إلى جانب كونه اليوم متطوعاً ومنقذاً.

محبوب من المحيط الألماني، وحقق درجة اندماج متقدمة تؤكد نجاح رحلته الاغترابية التي لم تتجاوز ثلاث سنوات».

الجدير بالذكر، أن "وليم مشهور أبو خير" من مواليد عام 1978 في "قنوات"، درس معهد متوسط بالصناعات الإلكترونية، عمل ما بين عامي 2002-2010 في وزارة التربية مديرية المعلوماتية دائرة صيانة الحاسوب، وحالياً في شركة "physiomed" الألمانية لصناعة أجهزة إلكترونية للمعالجة الفيزيائية في قسم الصيانة وخدمة الزبائن.