"عدنان عزام" فارس عبر العالم على صهوة جواده خلال 1300 يوم دون توقف، ليكون بذلك أول رحالة بالتاريخ يعبر العالم على صهوة حصان قاطعاً المسافة بين سورية وتركيا وأوروبا بأغلب مدنها ومجتازا أمريكا الشمالية، عائدا من اسبانيا عبر دول الوطن العربي إلى حيث بدأت الرحلة، ليتفرد بتجربة أعادت إلى أذهان الناس حكايات العرب القدماء مع خيولهم، التي كانوا يعتبرونها جزءاً لا ينفصل عن حياتهم ومروءتهم وأخلاقهم.

eSuweda التقى الفارس "عزام" في 3/5/2011، وحاوره حول هذه الرحلة فكان الحديث التالي:

*للخيل العربية الجزء الأهم في قصتك فمتى وكيف بدأت علاقتك بها؟

والدة "عدنان" المرحومة "أم كمال كيوان" أثناء وداعه في بدايةالرحلة

**تعود قصتي مع الخيل إلى سنوات عمري الأولى، وتنقسم إلى مرحلتين الأولى منذ كان عمري 4 سنوات، حيث كنت أرى والدي وكان موظفا بالدرك السوري في مدينة "حلب" في عام 1961، وهو على صهوة جواده بكل عزة وشموخ، وكان الدرك في ذلك الوقت يمتطون ظهور الخيل، فكنت أنتظر عودته كل يوم عند باب بيتنا ليقوم هو عندما يراني بالانحناء من على صهوة جواده ممسكا بيدي اليمنى ليرفعني ويردفني أمامه، أما المرحلة الثانية التي أكملت علاقتي بالخيل فهي حكايات أمي السيدة "أم كمال كيوان" التي كانت تسرد لي قصص الثوار في جبل العرب وهم على خيولهم، وخاصة قصة ابن عمها الفارس "محمود كيوان" وهو قائد معركة "الفالوج" في "الغوطة"، وقصة والدها المجاهد "أحمد كيوان" الذي تركها وذهب مع قائد الثورة المجاهد "سلطان باشا الأطرش"، وهنا بدأت القصة مع الصورة تكتمل لدي في عشق الخيل العربية.

*تقول في مذكراتك أن هاجس الرحلة بدأ في عمر الطفولة.. فكيف لطفل أن يحمل هذا التفكير؟

الفرسان "فرح ومطيرة" على الحدود الفرنسيةالاسبانية

**هذا الكلام صحيح، فعندما كنت في الصف السادس الابتدائي في عام 1969 كنت أقرأ في كتاب التاريخ المخصص لهذه المرحلة، وبالتحديد في الصفحة التي تتحدث عن الأمير "فخر الدين" المعني الثاني، فقرأت العبارة التالية "وقد كان أميرا مستنيرا جعل بلاده غنية بالحرير والعسل والزيت وأوفد الطلاب إلى أوروبا لكي يتعلموا ويعودوا للمساهمة بنهضة بلدهم"، وأحسست كأن حالة من الوحي جعلتني أعتقد بأن علي أن أساهم بتقديم وطني للآخر عبر رحلة أجول فيها العالم، واستمر هذا الهاجس يكبر معي حتى سنة 1980، عندما قررت القيام بالرحلة، فبدأت بالإعداد لها، وكان الأمر صعباً، لأنه توجب علي الحصول على معلومات كثيرة في الجغرافيا وخارطة الطرق، وخاصة أن العالم في ذلك الوقت لم يكن منفتحاً كما هو الآن، فقت بزيارة لمدينة "باريس" على متن الطائرة وعدت منها باتجاه سورية براً عبر ركوب الحافلات أو سيراً على الأقدام، وذلك بهدف استطلاع الطريق، حيث قطعت ايطاليا ويوغسلافيا وتركيا وصولاً إلى سورية، وفي عام 1982، اشتريت فرساً أصيلة من قرية "المجدل" اسمها "المطيرة" من المطر، وبعد تجهيز هذه الفرس ببعض المعدات البسيطة من خرج وبعض الكتب من قاموس عربي انكليزي وقاموس عربي فرنسي وخريطة للعالم وبعض الثياب ومصباح صغير ومطرقة وقليل من المسامير وما تبقى من طعام لي وللخيل تركته لكرم الطريق.

*بدأت الرحلة في 6/10/1982، الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة.. فلماذا هذا التوقيت؟

**كان هذا هو توقيت حرب تشرين التحريرية في عام 1973، وهذا نصر عربي له دلالته، ولأنني قررت أن أحمل الشموخ العربي معي في الرحلة، وبدأت الرحلة من قريتي قرية "الدويرة" باتجاه مدينة "السويداء" التي وصلتها في نفس اليوم ليلاً، وتم لي في اليوم التالي وداع رسمي من قبل المحافظ آنذاك السيد "علي زيود"، وسرت باتجاه "دمشق" حيث تشرفت بلقاء الرئيس الخالد "حافظ الأسد"، الذي سجل لي كلمات لازلت اعتز بها وهي تقول "لقد سترتني محاولتك أيها الفارس الشاب، أرجو لك رحلة سعيدة وناجحة مع التوفيق والمحبة"، وبعدها توجهت نحو مدينة "حلب" مرورا "بحمص وحماة وادلب"، وعند وصولي إلى "حلب" اشتريت فرسا ثانية اسمها "فرح" لأخفف عن فرسي الأولى وحدة وتعب الطريق، وكان قد مضى على الرحلة شهر وأربعة أيام وفي 11/11/1982، غادرت مدينة "حلب" قاطعا الحدود السورية التركية من منطقة "باب الهوى"، ودخلت آسيا الصغرى عبر مدينة "إنطاكيا" و"لواء الاسكندرون"، حيث كان السوريون باستقبالي بفرح هائل لرؤيتهم فارس عربي من وطنهم الأم سورية، ومع أنني كنت أواجه الصعوبات الكثيرة من عوامل الطبيعة والطقس ومن العواصف الرملية والغبار والثلج، ولكن هذه الصعوبات لم تثن من عزيمي بل شكلت لدي تحدياً كبيراً جعلني أصمم على المتابعة لإيماني بالرحلة وهدفي منها، وهو وصولي على صهوة جوادي إلى قوس النصر في "باريس"، لأنشد هناك إحدى أغانينا الشعبية التي يقول مطلعها "ديغول خبر دولتك باريس مربط خيلنا" ولكي أرد على الجنرال غوروا قائلا ها نحن قادمون بعد أن قال هو على قبر "صلاح الدين" في "دمشق" ها نحن عائدون.

*بعد مغادرتك تركيا بقيت في اليونان ستة أشهر.. فلماذا طالت هذه الإقامة؟

**في الحقيقة بعد أن غادرت مدينة "اسطنبول"، إلى مدينة "اكساندرو بولي" اليونانية، وجدت في الشعب اليوناني سحراً من نوع خاص فهم أيضا يفتخرون بالخيل كما يفتخر العرب، وكانوا يرددون عندما يرونني أن الاسكندر قد عاد على فرسه من جديد، لذلك سررت جداً بتلك الإقامة التي رغبت بها أن تطول، وتعلمت على أثر ذلك اللغة اليونانية، ومن أجمل ما حدث معي هناك كان في مدينة "اسيرو بيرغو" غرب مدينة "أثينا"، حيث استقبلني الناس على خيولهم وحميرهم كما يستقبلون الفاتحين، وكتبت إحدى الصحف اليونانية واسمها "افغي" عنوان في صفحته الأولى تقول:

«رحالة سوري يشبه "الاسكندر المقدوني" في اليونان»، وشاركت بعدها بمهرجان تراثي اسمه مهرجان " باترا" حيث يعرض فيه كل ما يتعلق بالحياة اليونانية التراثية، وهنا تأكدت من عظمة مكانه الخيل، ورحت أردد الحديث الشريف الذي يقول "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة".

*منعت من دخول ايطاليا بعدها على ظهر خيلك لمدة ثلاثة أشهر فما هي أسباب ذلك؟

**منعت من قبل السلطات الإيطالية خوفاً من نقل بعض الأمراض المعدية من الخيل القادمة من بلاد الشرق إلى خيولهم على حسب زعمهم، وفعلاً بقيت ثلاثة أشهر أحاول الدخول إلى ايطاليا وأواجه بالرفض، ولكن في النهاية جاءت الموافقة مع إجباري على وضع خيلي داخل عربة وعبوري للأراضي الايطالية دون التوقف بها، ولكني توقفت يوما واحدا في مدينة روما لكي أسلم على الإمبراطور فيليب العربي..؟

*بعد ايطاليا دخلت فرنسا وهي البلد الأهم في رحلتك كما ذكرت.. فهل شعرت بأنك وصلت إلى هدفك المنشود؟

**عندما دخلت فرنسا من جنوبها الشرقي وتحديدا من مدينة "مونتون"، غمرني شعور عارم بأنني بدأت أحقق ما أصبو إليه، ولكن هدفي كان الوصول إلى "باريس"، وبعد أن قطعت مسافة 300 كم وصلت مدينة "كان" وهناك التقيت شريكة حياتي السيدة "برجيت فان لير"، و وصلت إلى "باريس" في شهر تشرين أول عام 1983، وتوجهت مباشرة إلى منطقة "قوس النصر"، وهناك عشت كل هواجس الرحلة منذ بدايتها وشعرت أن الرحلة قد نجحت، ولكنني تابعت رحلتي باتجاه اسبانيا التي وصلتها في بداية عام 1984، وبقيت أربعة أشهر زرت فيها معظم المدن الاسبانية، وفي متابعتي للرحلة تركت خيلي هناك، وتوجهت بالطائرة نحو الولايات المتحدة الاميريكية، حيث التقيت برجل عربي لبناني اسمه "إبراهيم هندي"، قدم لي حصاناً اسمه "سلطان" وبغلة اسمها "غزالة"، قطعت معهما الولايات المتحدة خلال 14 شهراً، وتخلل ذلك حضوري الألعاب الاولمبية في مدينة "لوس انجلوس"، لأعود بعدها إلى اسبانيا، متوجهاً مع خيلي "فرح ومطيرة"، باتجاه المغرب العربي عبر مضيق جبل "طارق"، حيث قطعت في باخرة صغيرة مع خيولي، وجلت في المغرب ثم الجزائر ثم تونس ثم توجهت بباخرة إلى مدينة "جدة" حيث كانت الحدود مقفلة مع ليبيا ومصر، و في السعودية قمت بزيارة مدينة "مكة" المكرمة ثم اتجهت باتجاه اليمن ثم عدت إلى السعودية ثم الأردن ودخلت بلدي سورية، حيث استقبلني الأهل في شهر حزيران من عام 1986، لتنتهي رحلتي أمام مبنى محافظة "السويداء"، وأنا أردد مع الحضور الذي جاء لاستقبالي أغنية بالروح نفدي وطننا.

يذكر أن الفارس "عزام" من مواليد قرية "الدويرة" محافظة "السويداء" عام 1957، وقد وصل في دراسته حتى السنة الرابعة في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، وهو حاصل على ماجستير في الصحافة من المدرسة العليا للصحافة في "باريس"، وقد كرم من قبل الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" بأعلى وسام في الجمهورية الفرنسية وهو وسام الاستحقاق بدرجة فارس، وهو متزوج ولديه والدان "مهدي وثريا".