اكتسب الطبيب الجرّاح "منيف منذر" سمعة عطرة طوال سنوات عمله التي قضاها في تطوير مهاراته الجراحية، وخدمة مرضاه بضمير حيّ بعيداً عن الإعلان، فحافظ على قناعاته في ظل الأزمة، موازناً بين عمله الخيري وتأمين حياة لائقة لعائلته.

في عيادته التي تتطور كل يوم بمدينة "شهبا"، يعلم "منذر" حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، نظراً لاختصاصه الواسع والمتشعب، ومحاولة التوازن بين حاجته كإنسان يحاول تطوير أدواته وخبرته، ويبني عائلة فاعلة في المجتمع مع كل متطلباتها، وفي الوقت نفسه يحافظ على القسم الطبي في تأمين الراحة للمريض، وتسكين أوجاعه بعيداً عن أي تفكير آخر. فالرجل المولود في قرية "عراجة" عام 1975، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 كانون الثاني 2018، عن سبب اختياره لمهنته بالقول: «هي هدف سعيت إلى إنجازه مبكراً من خلال التفوق بالدراسة والابتعاد عن كل مغريات اللعب وإضاعة الوقت. فبعد أن تفوقت في المرحلة الإعدادية بمدرسة "دوما"، انتقلت إلى مدينة "شهبا" بعيداً عن القرية، لأستأجر غرفة صغيرة فيها، وأتابع دراستي في مدارسها، حتى حصلت على ما أريد. كانت هوايتي الوحيدة لعبة الشطرنج، فتركيزي كان منصباً على تحقيق حلمي في دخول كلية الطب؛ وهو ما كان، حيث كنت من المتفوقين في الشهادة الثانوية، وتابعت الطريق في الكلية كي أختص بما أحببت في عالم الطب الواسع، وكان أن قضيت سنوات الاختصاص في جامعة "حلب" عن قناعة كاملة بأن الجراحة العامة هي رغبتي وطريقي، ومنها كانت الانطلاقة في "السويداء"، مع متابعة كل جديد وتطور في اختصاصي الواسع، الذي يتداخل مع كثير من الجراحات الأخرى».

دائماً نتردد إلى عيادته، فهو ابن منطقتنا الذي تميز بعلمه وخبرته وإنسانيته، وقد تعرضت للكثير من التعب نتيجة العمل المضني لسنوات طويلة، وكان أن أجرى لي العملية من دون أي مقابل. ودائماً عيادته ملأى بالمرضى الذين يثقون بقدرته، ويعلمون أنه يقدم كل إمكانياته في خدمتهم وشفائهم

افتتح عيادته في مدينة "شهبا"، واكتسب شعبية واسعة من خلال عمله المتقن في المستشفى الوطني، وعدد من المستشفيات الخاصة في المحافظة، ومع الوقت تحولت عيادته إلى مكان للفقراء المرضى يقصدونه من دون أن يتأفف أو يتوانى عن خدمتهم، وكان حريصاً على عدم تكليفهم أعباء العمليات كاملة من خلال تخفيف القيمة الحقيقية للأجرة من تعبه، حيث أضاف: «من المهم التذكير قبل كل شيء أن مهنتنا إنسانية بحتة، فالطبيب وجد لتضميد جراح الناس وتسكين آلامهم، وهذا الأمر ليس فيه مبالغة، ومن خلال عملي في الجراحة العامة الاختصاص الذي أعشقه، ويتعلق بالكثير من أعضاء الجسم الداخلية، اكتشفت الشيء الكثير في الحياة أيضاً، فالخبرة العملية تعطيك مدلولات كثيرة عن الناس وأمراضهم وهمومهم، وبناء على ذلك أعلم وجع المريض المادي والمعنوي، وواجبي يقتضي بعلاج ذلك، أنا هنا لست بطلاً ولا فيلسوفاً، ولست خارج نطاق الهمّ المادي الذي يتطلب مني بناء بيت بدلاً من الإيجار، والقيام بواجب رب الأسرة، لكن هذا لا يتعارض مع الخدمة التي هي الهدف الأول.

في غرفة العمليات

تزوجت من الطبيبة "ندى سلوم" المختصة بالأمراض الجلدية، وأنجبنا ابنتين هما أجمل ما في العالم، ونطور دائماً الأجهزة الطبية، وبتنا نقوم بالعمليات الجراحية التي يسمح لنا بها القانون في عيادة تخصصية، ومنها نستطيع أن نخدم المرضى كما يجب، ونوفر عليهم تكاليف كبيرة، وفي الوقت نفسه نعيش بكرامة».

أما أصعب المواجهات التي خاضها في حياته المهنية، فقال عنها: «نصادف كأطباء جراحة مواقف كثيرة في أغلب الأيام، لكن كل ذلك يؤخذ على محمل الجد على الرغم من الخبرة المتراكمة، لكنني كطبيب اكتسبت من أساتذتي الكبار مقولة مهمة، وهي: (إن الجرّاح الحقيقي هو الذي يعلم متى يؤكد للمريض أنه لا يحتاج إلى عمل جراحي). هذا القرار توفره قاعدة معلومات علمية قوية. أما أكثر المواقف صعوبة قابلتها في عملي، فكان أثناء عملي في مستشفى "حلب العسكري" أثناء الأزمة الحالية، حيث وصل شاب مصاب بعدة طلقات نارية، وهو في حالة موت سريري، وضغطه صفر، وكان في وضع ميؤوس منه، لكنني قررت إجراء عمليات جراحية له لأن القلب كان يعطي نبضة واحدة كل أربعين ثانية، فدخلت غرفة العمليات في الرابعة مساء، وخرجت منها في الحادية عشرة ليلاً، والمريض يتحسن بعد أن سيطرت على النزف، وأعدت إليه النبض، وهو الآن بخير ويتابع مهمته، وكل مدة يأتيني أهله للزيارة. عملنا متعب جداً وحساس، لكن الثقة بالنفس والمتعة، وحالة الفرح الداخلي التي تجتاحني بعد شفاء المريض تنسيني كل شيء».

الدكتور نبيل نوفل

وتحدث الطبيب المختص بالتخدير وطب الطوارئ "نبيل نوفل" عن معرفته بزميله "منذر" بالقول: «الخبرة والتميز والثقة بالنفس في غرفة العمليات جعلت منه واحداً من أمهر الجراحين، وهذا الكلام ليس مجاملة أو إعلاناً لصديق أعمل معه منذ مدة طويلة. أضف إلى أن تعامله الإنساني مع المرضى ومع كل من يصادفه في الحياة العامة، فهو متواضع ومبتسم دائماً حتى في أصعب الظروف التي تمر عليه».

المريض "أسد حمزة" أحد الأشخاص الذين أجرى لهم الدكتور "منذر" عملية جراحية في المدة الأخيرة، قال: «دائماً نتردد إلى عيادته، فهو ابن منطقتنا الذي تميز بعلمه وخبرته وإنسانيته، وقد تعرضت للكثير من التعب نتيجة العمل المضني لسنوات طويلة، وكان أن أجرى لي العملية من دون أي مقابل. ودائماً عيادته ملأى بالمرضى الذين يثقون بقدرته، ويعلمون أنه يقدم كل إمكانياته في خدمتهم وشفائهم».