بين عشقه للرياضة والفن عاش الرحالة "فارس الحلبي"، وحقق حلمه كرحّالة سوري وقطع مسافة 4500 كم سيراً على الأقدام، واختبر ألعاباً رياضية متنوعة، ليحط الرحال أخيراً على خشبة المسرح.

في تعبيره عن رحلة طويلة ومرهقة؛ تعرف من خلالها إلى "سورية" بمدنها وريفها، موثقاً ذاكرة إنسانية لمناطق عبرها مشياً على الأقدام بلا دعم أو مرافقة. مغامرة يصفها بأنها الأكثر متعة والأغنى بالزاد المعرفي، الذي كوّن شخصيته على نحو جديد، وفق حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 شباط 2017، وقال: «اتجهت إلى الرياضة بولع وعمل، لامتلاك لياقة بدنية في زمن كنا مجموعة من الشباب نمارس الرياضة لأجل الرياضة فقط، ولأجل التلاقي وإشغال الوقت بكل ما هو جميل، على الرغم من ضيق الأحوال في تلك المرحلة وعدم توافر الإمكانيات.

اتجهت إلى الرياضة بولع وعمل، لامتلاك لياقة بدنية في زمن كنا مجموعة من الشباب نمارس الرياضة لأجل الرياضة فقط، ولأجل التلاقي وإشغال الوقت بكل ما هو جميل، على الرغم من ضيق الأحوال في تلك المرحلة وعدم توافر الإمكانيات. وقد دخلت سباقات ألف وخمسمئة متر، وحققت المركز الرابع على مستوى الجمهورية، وكانت البداية مع أم الرياضات "ألعاب القوى" عام 1982 بإشراف المدرب "سمير أبو حمدان"، وكان لي شغف بسباقي 5000-1500م، وآخر مشاركة محلية لي كانت عام 1989، ولا أنسى سباق الماراثون، وهو من أمتع وأجمل المسابقات

وقد دخلت سباقات ألف وخمسمئة متر، وحققت المركز الرابع على مستوى الجمهورية، وكانت البداية مع أم الرياضات "ألعاب القوى" عام 1982 بإشراف المدرب "سمير أبو حمدان"، وكان لي شغف بسباقي 5000-1500م، وآخر مشاركة محلية لي كانت عام 1989، ولا أنسى سباق الماراثون، وهو من أمتع وأجمل المسابقات».

فارس الحلبي في ملصق إعلاني عن رحلته التي جال فيها سورية 1989

من اللياقة رسم حلم رحلة ومغامرة كما أضاف، وقال: «عملت لمدة في تدريب كرة القدم وألعاب القوى، لكن حلم عبور "سورية" سيراً على الأقدام، مرحلة أجدها الأكثر توهجاً في مسيرتي الرياضية.

عندما حاولت تجسيد حلم لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه حلم شاب، دافعه السعي للتعرف إلى وطن كان وما يزال صورة جميلة مشرقة في عيوني، وكنت متابعاً لمسيرة رحالة سبقوني وشغلتني رغبة كبيرة بخوض التجربة، وإرادة التطبيق كانت قوية وكبيرة لثقة كبيرة بالنفس، ولياقتي البدنية التي حرصت على أن تتطور بوقت قياسي، على الرغم من الجهد والتعب، لأجتاز من بعدها مرحلة جمع الوثائق والمعلومات والموافقات لأخوض التجربة.

المهندس فاضل رجب

أنجزت كل متطلبات الرحلة، ولا أنكر أن هناك من حاول تقديم النصح، ولن أقول عرقلتي، لكن الحلم الكبير الذي خططت له كان أقوى، وانطلقت لأقطع 4500 كم خلال خمسة أشهر من السير بين مدن وقرى بلدي، والبحث في حالة ذاتية ارتبطت فيها كل مرحلة بذكرى وموقف».

في زمن كانت صورة الرحالة غريبة ومستهجنة، يعيد ذكرى عبوره لمناطق علقت بالذاكرة، وقال: «كرياضي لم أجد صعوبة في حمل الجعبة التي تزن ثمانية عشر كيلوغراماً، ومستلزمات الرحلة، لكن الصعوبات كانت تظهر تبعاً لخصوصية كل منطقة وطبيعة سكانها، وتقلبات المناخ والطبيعة. كانت الخارطة دليلي الأول، لكن ثمرة الرحلة ونتاجها يتجسد من خلال لقاء الأشخاص وحوارهم، والاستفادة منهم.

صورة عند انطلاقه برحلة 4500كم

فرحلتي التي بدأت من "السويداء" إلى "القريا"، ثم "درعا"، و"القنيطرة"، و"ريف "دمشق"، فـ"حمص"، و"تدمر"، و"دير الزور"، و"الحسكة"، ثم "الرقة"، و"حلب"، و"إدلب"، فـ"حماة"، و"طرطوس"، و"اللاذقية"، هي رحلتي التي عبأت جعبة الأفكار بقصص وحكايات، وكانت اختباراً حقيقياً للياقتي اجتزته بنجاح، ويبقى رصيدي بما يزيد على سبعة آلاف صورة فوتوغرافية، الرصيد الجميل من هذه الرحلة، لرجال ونساء كبار السن وشباب وأطفال وحكم وأحاديث وضحكات ومواقف مضحكة ونادرة، واختبارات للذات على تحمل المسير والخطر، وتفاصيل تعيديني إليها لقطات ستبقى رفيقتي وزادي.

بعد هذه الرحلة التي كانت الأولى لرحالة سيراً على الأقدام على مستوى "سورية" بعدة سنوات، حاولت التحضير لرحلة أجوب بها دول حوض "البحر الأبيض المتوسط"، لكن الظروف لم تكن كما تمنيت، وتوقف الحلم لظروف كثيرة».

مشاريع الرحالة توقفت، لكن مشروع الفن والمسرح احتل الحيز الأكبر، وقال: «لغاية هذه المرحلة أتابع رياضتي اليومية، وقد تابعت في مجال التدريب ومجالات رياضية متعددة، لكن موهبتي الفنية أخذت طريقها إلى المسرح، وكنت مع فرقة "حكايا" المسرحية، واستمرت لغاية هذه المرحلة.

وعلى الرغم من صعوبة الظروف، وما نعرفه جميعاً أن المسرح ليس ماكينة منتجة للمال، بل هو مساحة للفكر والسحر والجمال، وفضاءات للحب والقيم والثقافة الخلاقة بأنواعها، مع هذه القيم تلاقى حلمي، وأنا لليوم ممثل أنتمي إلى كل عمل نقي وجميل، يدفع بالمسرح إلى الأمام، ولا أبخل بالوقت أو الجهد. ولي حصيلة جيدة من الأعمال أعتز بها، ومنها بطولات فردية، مثل: "صانع التوابيت"، وعدد من الأعمال المشتركة، مثل: "حكاية سفر"، "الخزان العظيم"، "وقبل أن يذوب الجليد"، وأعمال أخرى.

وشاركت بعدة أفلام، منها: "أبو صابر"، و"سورية كما هي"، وشاركت بمسلسل "العائد" للتلفزيون السوري، وكرمت بيوم المسرح العام الفائت من قبل وزارة الثقافة».

المهندس الرياضي "فاضل رجب"، تابعه وتحدث عن تجربته المميزة، وقال: «"فارس الحلبي" شخص عايش الرياضة بفكر طموح ورؤية كبيرة لتقديم صورة الرياضي الحقيقي، ووصل إلى مستويات رياضية راقية، وكان تصوره أن يقوم بحالة تواصل ليرفع راية السلام، ورفع العلم السوري طوال رحلته، بحالة تلاقٍ حضاري جميل.

مثابر، سعى إلى حلمه بصدق وتفانٍ، تواصل مع المجتمعات في هذه المناطق، وقدم صورة جميلة عن أبناء محافظة "السويداء"، وهو أول رحالة مشى القطر العربي السوري سيراً على الأقدام.

كنت أتمنى أن يلاقي فرصة للدعم وتحقيق رحلات جديدة، لكونه امتلك الخبرة والمعرفة التي تتطلبها هذه الرحلات، إلى جانب الموهبة والثقة بالنفس، لكنه من ناحية ثانية بقي مع موهبته الفنية، وبقي الطموح دافعه لتقديم الأفضل، وصنع أدواراً مميزة فيها الكثير من التعب والفكر، وصعد من خلالها سلم النجاح.

هو رياضي زميل، وصديق قدم من دون مقابل في كل المجالات، وله حضور في نفوس جيل الشباب والرياضيين، وبصماته مميزة في كرة القدم وألعاب القوى والماراثون».

ما يجدر ذكره، أن "فارس عز الدين الحلبي" من مواليد عام 1964، بدأ رحلته مع المشي، وجال "سورية" عام 1989، لعب كرة القدم بالنادي "العربي" عام 1982، وانتقل الى الفريق الأول عام 1987، وهو حكم كرة قدم ومدرب ألعاب قوى، وفي المسرح كرم عام 2017 بيوم المسرح العالمي من قبل وزارة الثقافة، كما كرم من عدة جهات فنية ورياضية.