اختار الرياضيات مهنة دائمة له منذ بدايات تفتحه على الحياة العملية، وصنع الفارق بين زملائه وطلابه الكثر من خلال محبته للمادة وبحرها الواسع، وكذلك من خلال مبادراته المجانية الدائمة، لخلق جيل واع ومنفتح على العلم والمعرفة.

الموجه الاختصاصي لمادة الرياضيات، المدرّس القدير "نشأت مقلد"، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 21 شباط 2018، عن بداية طريقه نحو امتهان المادة وتعلقه بها، فقال: «كان ذلك عندما كنت في الصف التاسع، حيث قمت بسؤال موجه الرياضيات المعروف "خليل السيط" أثناء حضوره أحد الدروس في ثانوية "المشنف"، سؤالاً خاصاً متعلقاً بالرياضيات، فأجابني: (يا ابني سؤالك هذا مدرسين ما سألوه). وبعد خمس سنوات، تقدمت لمقابلة من أجل ساعات تدريس الرياضيات، وكان هو المسؤول عن المقابلات، تذكرني وسألني السؤال نفسه. وهكذا دخلت مدينة الرياضيات بعقل محب يريد المزيد من خلال جامعة "دمشق"، التي قضيت فيها أجمل أيام حياتي. وقد اشتهرت بين زملائي بلقب "أبو جبر"، كانت مواد الجبر مفضلة عندي، وأحصل على أعلى درجات فيها، وكانت أول مادة أنجح فيها بالسنة الأولى؛ لذلك أطلق زملائي عليّ هذا اللقب، وظلّ كظلي، حيث بدلت أحرفه ليصبح "فجر" نزولاً عند رغبة شريكة حياتي».

ربما هو دافع بداخلي وإحساس بالآخر، والتربية المنزلية التي أثرت بتكوين شخصيتي، التي ورثتها من والدي الذي أمضى عمره يعمل في الصالح العام. كنت رابع شخص يدخل فريق "لمة محبة"، وذلك للقيام بعملي الإنساني والخيري ضمن إمكاناتي، ومشاركة مجتمعي في التخلص من أزمة مجتمعية كبيرة في سنوات الأزمة، فنحن مجموعة متجانسة تعمل بلغة الفريق، ولا ينسب عمل إلى شخص، بل إلى الجميع، وقد شاركت بأغلب الأنشطة، وكنت مشرفاً على البرنامج التربوي ودورات الشهادة الثانوية المجانية بفرعيها، وما زلت

كالعادة، كان التدرج في العملية التعليمية والمراكز، سمة المدرسين المتميزين، وهو ما انطبق على "مقلد" طوال مسيرته، حيث قال: «تدرجت من معلم وكيل، إلى مدرّس مكلف في مدارس "السويداء" و"دمشق"، ثم مدرساً مثبتاً في ثانويات "السويداء"، وبعدها مديراً لثانوية "زيد كرباج"، ثم موجهاً اختصاصياً للمادة، ولكل مرحلة من هذه المراحل صعوبات، كان أثقلها الاغتراب والتدريس في ثانويات "ليبيا" و"السعودية".

من دورة المناهج التربوية

لم أجد صعوبة في التدريس أبداً، ولم أدخل مدرسة، إلا وخرجت منها بالتكريم الذي استقبلت به، وخاصة من قبل الطلاب الذين تربطني مع أغلبهم علاقة الصداقة والأخوة حتى هذه اللحظة. وإذا كنت تسال عن السر، فهو القدرة على امتلاك مهارات تواصل مناسبة تجعل الطالب مشدوداً إلى المدرس؛ أي إنه يحب المدرّس، ليحب ما يريد أن يمتلكه الطالب من مهارات ومعارف وقيم.

وأصعب المهام التي قمت بها كانت إدارة ثانوية بحجم ثانوية "زيد كرباج" للبنات، التي تعد من أكبر ثانويات المحافظة، فيها أكثر من 500 طالبة، وما يزيد على 50 مدرساً وإدارياً، وأخذت على عاتقي مشاركة زملائي النهوض بالمستويات العلمية لطالبات الثانوية، وكان لنا شرف الحصول على المرتبة الأولى على مستوى القطر».

أحد نشاطات لمة محبة في تكريم مربي الأجيال

وعن السبب الذي يدفعه إلى إعطاء دورات مجانية على الرغم من الوضع الصعب، وما قدمت له عضويته في فريق "لمة محبة"، أضاف: «ربما هو دافع بداخلي وإحساس بالآخر، والتربية المنزلية التي أثرت بتكوين شخصيتي، التي ورثتها من والدي الذي أمضى عمره يعمل في الصالح العام.

كنت رابع شخص يدخل فريق "لمة محبة"، وذلك للقيام بعملي الإنساني والخيري ضمن إمكاناتي، ومشاركة مجتمعي في التخلص من أزمة مجتمعية كبيرة في سنوات الأزمة، فنحن مجموعة متجانسة تعمل بلغة الفريق، ولا ينسب عمل إلى شخص، بل إلى الجميع، وقد شاركت بأغلب الأنشطة، وكنت مشرفاً على البرنامج التربوي ودورات الشهادة الثانوية المجانية بفرعيها، وما زلت».

الرجل الذي لا يكل

وعما قدمه لمهنته لكونه موجه المادة، قال: «نحن في التوجيه عملنا مقنن ومدروس، ويرتبط بمادتنا العلمية والأسس التربوية، بدءاً من تقييم المنهج وزيارة المدرسين زيارات متنوعة الأهداف، منها ما هو توجيهي، ومنها ما هو تقييمي.

إضافة إلى القيام بورشات عمل ودورات للمدرسين، والإشراف على التصحيح وأسئلة الامتحانات، وأنا شخصياً، إضافة إلى عملي بالتوجيه، أعمل في مشروع كبير تتبناه "وزارة التربية"، وهو مشروع "دمج التقانة بالتعليم".

وأنا عضو في اللجنة العلمية لتقييم خطط لمدرسي الدمج، وعليّ أن أقيمها مهما كان الوضع، وهذا يكلفني السهر لساعات متأخرة جداً، غير إشرافي على مجموعات متعلقة بالمادة في وسائل التواصل الاجتماعي».

وعن مرحلة الطفولة، وما علق بها في عقله وذاكرته، يقول: «أتذكر أنني عملت في مجال الأعمال الحرة أيام الدراسة، وخاصة في التمديدات الكهربائية، حيث أنرت أول منزل وحدي وأنا في الصف الثامن، يومئذ أرسلت أخي الأصغر ليرى إن كان البيت قد أنير أم لا. وما زلت أذكر ذاك اليوم الذي قررت به ترك المدرسة والسفر إلى "الكويت" مع مجموعة من الرفاق، وكنت في الصف التاسع، وفي الصباح رأيت حزناً لم أره من قبل في عيني أبي الذي كان يرفض أن نترك مقاعد الدراسة، وبقي بيتنا الوحيد في قرية "رامي" الذي لا يوجد فيه مسافر على الرغم من الظروف المادية الصعبة، فقد كان والدي معلماً، وآثر أن يعلمنا كلنا حتى نكمل تعليمنا الجامعي، على الرغم من أننا ستة شباب، وثلاث فتيات. كان والدي يعمل بالزراعة والتمديدات الكهربائية، وكنا نساعده في كل أعماله، والفضل الأكبر لما وصلنا إليه، يعود أيضاً لوالدتي الراحلة، فقد كانت تسهر معنا أيام الامتحانات لساعات متأخرة، فهي أول من يستيقظ، وآخر من ينام».

المهندس "نبيل الخطيب" أحد طلاب "مقلد"، قال عنه: «هو معلمنا، وما نقوله عنه ما هو إلا بعض ما فيه، وقليل من عطائه الذي لم يتوقف بإخلاصه لأشرف المهن، تعلمنا منه الإخلاص بوقوفه ست ساعات أمامنا بكل رحابة صدر، وتعلمنا الصبر بابتسامته ولطفه، علمنا ألا نخجل من السؤال، وما زال إلى يومنا هذا يتابع طلابنا وأبناءنا بذات الحماسة، ساعياً بكل جهد لنجاحهم وتفوقهم. هو من المربين القلائل الذين لا يرتاحون، ففي عمله يساهم بإنجاز دورات لطلاب الشهادات الثانوية، يشرف عليها، ويقوم بإعطاء مادته بكل حماسة؛ وهذا ما يجعله المربي الصادق مع نفسه ومحيطه الواسع».

المربية "جهينة دنون" مدرّسة اللغة العربية في مدارس مدينة "شهبا"، قالت عن معرفتها بـ"مقلد": «معرفتي بالمربي الفاضل "نشأت مقلد" قصيرة المدة، وذلك من خلال "لمة محبة"، إنسان يحترم الآخرين، ويحترم المعلومة التي يقدمها لمن حوله، له بصمة في تقديم الفائدة العلمية الدقيقة لكل من يطلبها منه من دون أن يتوانى لحظة، فهو من السباقين إلى دمج التكنولوجيا بالتعليم؛ من خلال تقديم المعلومة بقالب يشد المتعلم، ويسهل عليه الفهم. أما من ناحية العمل الخيري، فإنه قام مع غيره من المدرسين الأفاضل بغير اختصاصات برفد طلاب الثالث الثانوي بمعلومات منهجية، ضمن دروات مكثفة في آخر كل سنة دراسية، يوضح لهم نماذج الأسئلة، ويجيبهم عن كل استفساراتهم، ويخفف من توترهم الامتحاني من دون مقابل».

يذكر أن المربي "نشأت مقلد" من مواليد قرية "رامي" عام 1965، خريج جامعة "دمشق" عام 1991، متزوج من المربية والشاعرة "هدى خداج"، ولديهما ثلاثة أبناء.