يعتني بتفاصيل الشكل في تصنيع مجسّمات مصغرة لمعابد تاريخية، وأماكن أثرت به، إلى جانب ولعه بالقوارب والسفن، التي يعدّها "عمر عزام" من المجسّمات المفضلة لديه.

طالب الآثار والمتاحف المهتم بإنتاج مجسّمات من الكرتون المقوى اشتغل على موهبته التي لم يحصل منها لغاية هذه المرحلة على أي مبلغ مادي، لكنه يجدها غنية في امتصاص أوقات الفراغ بعمل يدوي يوثق به ما اختزنته الذاكرة من صور واقعية، أو من خلال شاشات التلفزة ككتل كرتونية فنية تعني له الكثير، كما قال في حديثه عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 نيسان 2018، وأضاف: «منذ الطفولة كان أهم ما يمكن الحصول عليه بالنسبة لي للتسلية بعض من قطع الكرتون، ومقص ومواد لاصقة، لأصمّم منها أشكالاً مصغرة بألوان الكرتون الأبيض الذي وجدت فيه قابلية للتشكيل وفق صور أتخيلها، وأشعر بالحنين الدائم لزيارتها والاطلاع عليها عن قرب، فأبدأ محاورة الكرتون لأجسّد هذا البناء بمجسم صغير الحجم، ليكون ذكرى لحالة شعورية بمكان له أثر أو جمالية معينة في منطقة من العالم، أو كان له أثر في المراحل التاريخية العابرة.

نحتاج في كليتنا وبين طلبتنا لمثل هكذا مواهب، فالجامعات كانت على مر الزمن منارة الثقافة والإبداع

ففي التاريخ لا مكان بلا معنى، ولا توجد حافلة أو قارب أو سفينة تم تناقل صورها إلا وترافقت مع حوادث تاريخية كبرى، وعليه فإن تجسيد هذه الأبنية ومجسمات القوارب الشراعية والسفن شغل تفكيري لسنوات طويلة. وكان خلف عملية البحث في كتب متخصصة للحصول على أجوبة لواقع التكوين والتصنيع عبر مراحل الزمن، لأجد إجابات تسعف الذاكرة بما يمكن رسمه، وتكوينه لأعمدة أو أشرعة أو بوابات وتصاميم هندسية نادرة، كانت إحدى ثمار الإنسانية، ونتيجة إبداع لم يبقَ سجين أفكار الإنسان، بل ظهر للعلن وجسد على أرض الواقع، وتجاوز عوامل الزمن بالحضور ونقل حكاية البشرية ومن عاصر المكان وعاش فيه».

من مجسمات القوارب التي يصنعها

التصغير وفق النسب عملية رياضية فيها الكثير من إنعاش الفكر، كما أضاف بالقول: «هي إحدى التجارب التي اختبرتها بعمر العاشرة، حيث أتعامل نظرياً مع الفكرة، وأقارن النسب لأصل إلى الحجم المطلوب، ويأتي الشكل مناسباً لما أرسمه في مخيلتي، ويكون قابلاً للعرض. ففي مراحل سابقة أعددت قارباً بطول المتر، وارتفاع 50سم، وبعدها أخذت أنتقي مجسمات أصغر بقليل لأضيف إليها تفاصيل تجعلها أكثر دقة، فلا تكون غريبة على عين الناظر.

واحتفظت في المنزل بمجسمات لأماكن تاريخية، كانت قريبة من سكني، وقوارب شراعية وسفن كبيرة لها أسماء معروفة، وكان الاهتمام منصباً على إنتاج مجسم متين ومتوازن، وبعد حساب النسب وانتقاء الحجم أعمل على التكوين الداخلي للمجسم، حيث أصمم من الكرتون أعمدة وتقطيعات أحاول دائماً أن تكون مطابقة للشكل الأساسي. هذه العملية بالذات تخلق لدي نوعاً من المتعة، وتشغل ساعات من يومي، فقد يستهلك المجسم أسابيع لغاية الدقة والتطابق.

مجسم معبد أدفو

ومع الاتجاه لدراسة الآثار، طورت موهبتي بمفردي لأرسم وأقارن وأصنع المعابد والأماكن التي أشتغل على دراستها، فالرسم مطلوب لتخصصنا، لكن المجسم عمل إضافي، وفي الأغلب يستخدم به أنواع "الفيبر"، وهنا العملية تكون سهلة، لكنني لم أستخدمها، وتابعت في تصنيع مجسمات الكرتون وعرضت جزءاً كبيراً منها في الجامعة، وكانت بغاية الدقة، حيث شاركت بها في معارض الجامعة عدة مرات. ومؤخراً صنعت مجسماً لمعبد "أدفو"، وهو معبد مصري قديم حرصت على تجسيده بالضخامة التي صمم بها، وكان مرافقاً لحلقة بحث عن المعبد، فبات وسيلة توضيح أظهرت كافة تفاصيل المكان».

المجسّمات تفرض حضورها وفائدتها وفق حديث طالبة التاريخ "سوار مسعود"، وقالت: «شاهدت مجموعة من المجسّمات التي نفذها "عمر عزام" من خلال الجامعة، حيث عرضها في عدة فعاليات، وبالفعل تستحق الاهتمام لكونها مفيدة للغاية، وترتبط بما يدرس في كلية الآثار وكليات التاريخ التي ترتبط بالمكان وما له من دلالات عبر التاريخ، وفكرة أن نجد مجسماً للمكان سواء وجد في بلد آخر، أو في زمن قديم، هي إحدى وسائل التوضيح والتعريف به، والتذكير بأحداث كان فيها للمكان أثر، وارتبطت باسمه عبر العصور.

سوار مسعود

في مجسّم معبد "أدفو" وجدت دقة كبيرة، حرص فيها على إظهار التصميم الداخلي، كما نقل عن صور المعبد ومداخله وممراته، إلى جانب الضخامة التي عكست بهاء المعبد وجماليات فن العمارة في ذلك العصر. وأتوقع أن هذا العمل يحتاج إلى دعم كبير من الجامعة؛ ليكون لدينا عدد كبير من مجسمات الأبنية ومعابد وقلاع ارتبطت بالأحداث التاريخية الكبرى، وأتصور إن توافر الدعم، سيقدم فرصة لتجسيد عدد كبير من أسلحة ذاك العصر والساحات والأبنية، التي يمكن لوجود مجسمات عنها تقديم رؤى واقعية، وأكثر سلاسة ليتعامل معها الطالب ويكتسب المعارف، وترسخ في ذاكرته».

عن موهبة "عمر" وتميزه تحدثت الدكتورة "نسرين السلامة" عضو الهيئة التدريسية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية الثانية في "السويداء": «"عمر عزام" من طلابنا الموهوبين الذين استطاعوا أن يعبروا عما يدور في خلدهم بأعمال تصنعها يديه، فكان انموذج يجب تعميمه على حالتنا الطلابية، بما تحتويه تجربته من قدرة على توظيف الموهبة بالعلم، وتكامل الفكر والخيال بالعمل. حيث تعبر أعماله عن ذلك العقل الباحث عن رسم الصورة غير مرئية، والتي لا يدركها إلا صاحب الفكر المتكامل المازج بين الحقيقة والخيال.

تنوعت أعماله بين ما هو مستمد من وحي دراسته في قسم الآثار وبين ما هو مستمد من وحي خياله وفكره الخلاق، نمّى موهبته بذاته، حدد أهدافه، واختار أن يكون له مكان في عالم الابداع».

وأضافت: «نحتاج في كليتنا وبين طلبتنا لمثل هكذا مواهب، فالجامعات كانت على مر الزمن منارة الثقافة والإبداع».

ما يجدر ذكره، أن "عمر عزام" من مواليد "السويداء" عام 1996، طالب آثار ومتاحف، سنة ثالثة في جامعة "عريقة"، له مشاركات في معارض طلابية، ويعرض أعماله من خلال حلقات البحث في جامعته.