شغل "يزن رزق" صفحات التواصل الاجتماعي خلال العامين الفائتين بما قدمه من أعمال خرجت عن المعتاد، مستفيداً من خياله ومهارة فنية جعلته يرسم على الغبار، وأخيراً جسّد مجسمات و(بورتريهات) على الأرصفة ومن عدة مواد طبيعية.

طالب كلية الفنون الجميلة لامست أصابعه القهوة؛ فرسم بها وعالج التراب والأوراق الجافة في تجربة يخبر عنها مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 16 تشرين الأول 2020 بالقول: «اخترت كلية الفنون الجميلة لأتابع المسير في هوايتي مع الرسم منذ الصغر، والتشكيل وتجسيد كل ما طارت إليه مخيلتي في هذا العالم، أتصور أني خرجت منه مرات عديدة ويبدو ذلك قدر من عشق الفن.

اخترت كلية الفنون الجميلة لأتابع المسير في هوايتي مع الرسم منذ الصغر، والتشكيل وتجسيد كل ما طارت إليه مخيلتي في هذا العالم، أتصور أني خرجت منه مرات عديدة ويبدو ذلك قدر من عشق الفن. كطالب لم أحاول الالتزام فقط بما يمكن تعلمه وتركت لروحي حرية التنقل، ومحاورة كل ما لاقته عيناي لتطبيق ما تعلمته خلال السنوات الأربع في كليتي، درست في كلية الفنون الثانية في "السويداء"ـ وكانت تجربة غنية قاربت على نهايتها لكنها حفرت عميقاً في نفسي، وتركت بصمات واضحة على يدي، ومدى القدرة على تطبيق مهارات مختلفة أعدّها هامشي الحر الذي أتجول فيه بهذه الحياة، وحلمي الكبير تجميله بما استطاعت يداي وما وصلت إليه مخيلتي

كطالب لم أحاول الالتزام فقط بما يمكن تعلمه وتركت لروحي حرية التنقل، ومحاورة كل ما لاقته عيناي لتطبيق ما تعلمته خلال السنوات الأربع في كليتي، درست في كلية الفنون الثانية في "السويداء"ـ وكانت تجربة غنية قاربت على نهايتها لكنها حفرت عميقاً في نفسي، وتركت بصمات واضحة على يدي، ومدى القدرة على تطبيق مهارات مختلفة أعدّها هامشي الحر الذي أتجول فيه بهذه الحياة، وحلمي الكبير تجميله بما استطاعت يداي وما وصلت إليه مخيلتي».

يزن رزق مع بورتريه مجسم لمحمود نصر

غبار السيارات كان مادته الأولى، حيث يقول عنه: «بعد مشروع التخرج الذي نلت عليه درجة 90 بالمئة في قسم الحفر، وفي انتظار مرور الوقت على المواقف ومع ساعات الليل الثقيلة مرات عدة كان عبوري بجانب سيارات مهملة أو مغبرة وقتاً إضافياً للرسم، حيث تمكنت أصابعي من إزاحة الغبار وتشكيل صور وأعمال منها المعبر عن صور المشاهير أو أناس حاصرهم الحزن والوجع، أو كائنات حية. تركت ليدي حرية الرسم على الزجاج الخلفي أو مقدمة السيارة وأنا أعرف جيداً أنني أرسم بمادة قابلة للضياع، ولذلك كنت ورفاقي نصور هذه الأعمال على أنها لوحات لنحتفظ بوميض الفكرة، وشعوري الخاص في تلك اللحظة الذي كان خلف إنجازها.

هذه الأعمال وثقت عبر صفحتي من خلال عدة مجموعات على صفحات التواصل الاجتماعي، واحتفظت بصورها على هيئة معرض افتراضي وتجربة مستمرة لا أعتزم التوقف عنها، لأنها ترتبط كثيراً بحاجتي للرسم في معظم أوقات النهار، وقدرتي على خلق البيئة المناسبة لذلك وفق الممكن».

تجسيد نسر على الرصيف

تجارب خارج التقليد يتحدث عنها بالقول: «الرسم على الغبار ليست طريقتي الوحيدة؛ بل كان للقهوة أيضاً وجودها واحتياج كبير كانت تفرضه رائحة القهوة والهدوء الصباحي الذي نحلم به جميعاً، أو قبل أن يلملم الليل أذياله، لذا كنت أنثر مسحوق القهوة على شيء مسطح؛ طاولة مثلاً، وأقوم بإزاحتها وفق ما أحتاج من تفاصيل، وكان لدي طموح بنقلها ومحاولة تجسيدها باللون كما تعودنا في الكلية بطريقة الرسم الزيتي أو الحفر، لكن التجربة بهذه الطريقة سارت بي إلى شعور آخر يختلف كلياً عن كل ما سبقه، فهنا نستخدم اللون الواحد، والذرات التي نتمكن من إزاحتها بسهولة، لكن أيضا أكثر تفاصيل هذا العمل صعوبة هو عدم ديمومتها وصعوبة حفظها، وهنا أيضاً كانت الصورة والنشر على صفحات التواصل الاجتماعي وسيلة للحفظ والعرض».

استخدام الأرصفة وتجسيد بورتريهات المشاهير وكائنات طبيعية تجربة يخبرنا عنها ويقول: «أشياء كثيرة كانت تنقلها أصابعي مع ملامسة التراب والرمل والنباتات الطبيعية، البداية جاءت من قناعتي أن كل ما هو محيط بنا هناك غاية من وجوده، وإن كانت النباتات الطبيعية على أطراف الطرق والأرصفة تعطي لون الخضرة في مواسم الربيع، فإن تفاصيل ذبولها فيها الكثير من التعبير والرسائل التي حاولت إضافتها مع تشكيلات طبيعية في تجربتي الأخيرة، التي أعدّها استكمالاً لدراستي؛ أتعلم منها وأغامر في تقديمها وأعرضها لأجمع الآراء عنها من المهتمين وغير المهتمين ممن قرأت عيونهم أعمالي التي باتت جزءاً من حياتي.

يزن صافي حاتم

هذه التجارب عبارة عن تشكيل بورتريه مجسم لفنان مشهور مثل "ياسر العظمة"، "محمود نصر"، "مهيار خضور"، أو "أحمد مساد" أو كائن حي طائر، فيل، حصان وغيرها أجسدها على الرصيف بالتراب والرمل أو حتى على أرض رملية، أستفيد من مكونات الطبيعة كالأوراق اليابسة والحشائش الخضراء أو اليابسة والحصى بألوانها، وكل ما يساعد في تجسيد البورتريه».

ويضيف: «تجربتي الأولى بدأت في التاسع عشر من شهر يوليو 2020، حيث باشرت بتشكيل مجسمات لاقى عرضها الاستحسان، وعبّر كثر عن تفردها، وبالنسبة لي كانت الردود مرضية وصداها شجعني على تنويع التجربة، فكل ما نلمسه بيدينا وما نراه يمكننا الاستفادة منه بطرق عدة، وجميل أن نترك لأيدينا حرية قولبته واستثمار مزاياه الجمالية، لأننا ببساطة نتعامل بالفن ونبحث عن هذا الجمال بطرق متعبة، لكن نجاح الهدف قد ينسينا تعبها ويخلق لنا فرصاً جديدة كطلاب للبحث الذي تعلمناه من أساتذتنا ومن ساعدنا لنتعلم أن رسالة الفن بعيدة المدى، وعميقة مهما كان وقتها قصيراً وموادها قابلة للتحول، لكنها تترك في النفوس ما لا يمكن التعبير عنه إلى بهذه الطريقة من الرسم والتشكيل».

عن أعمال وتميز "يزن" يتحدث "صافي حاتم" المحاضر الجامعي الذي يعد رسالة الدكتوراه في الفنون الجميلة وقال: «سخّر أدوات المحيط والطبيعة ليطرح جزءاً يسيراً من انطباعاته البصرية، فكانت هذه الأعمال الرائعة التي يتحفنا فيها بمصداقيته، ونبل تفكيره، وقد نجحت بإجماع على منصات التواصل الاجتماعي، تجربة نفذها بالإمكانات المتاحة، وانتقل فيها من الواقعية إلى التعبيرية الصريحة، ومنها انتقل لصيغ من الرمزية التي ابتكرها بأفكاره المستندة على بيئته، وأثق أن لديه إمكانات أكبر لو أتيحت له الظروف.

تابعت "يزن" ومجموعة متميزة من زملائه من السنة الثانية حتى التخرج، وأنتجنا معاً أهم معارض مشاريع التخرج بقسم الغرافيك، يحسب لهم سرعة الاستجابة والجدية، وكان أحد أبرز الطلاب إن لم يكن أهمهم موهبة حاضرة، وقابلية للتطبّع بأي صيغة مستجدة لحين احتوائها واستيعاب كل تفاصيلها، ثم الانتقال لما بعدها مما ساعدنا لنطلعه على مزيد من التقانات، وكان في قمة الاستجابة، تبعاً لإنجازه السريع».

الجدير بالذكر أنّ "يزن رزق" من مواليد قرية "بكا" في "السويداء" عام 1994.