يتميز الشاعر الدكتور "إحسان قنديل" بالإيقاع الهادئ في قصائده، وينحو منحى الولوج في الدلالة الرمزية، حيث يتعاطف مع ذاته ليكون وحدة متنوعة خاصة، ويحمل خصوصية القصيدة الساكنة بين ساكنين.

حول تجربته الشعرية وبدايته، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 كانون الأول 2018، التقت الشاعر "إحسان قنديل" عضو اتحاد الكتاب العرب، الذي أوضح قائلاً: «لا أدري بالضبط كيف تعلّقت بالشعر، لكنني أذكر أن المرحلة الثانوية كانت المدة التي اطلعت فيها على بحور الشعر، وأخذت أجرب حظي لعلني أفلح في كتابة بيت من الشعر الموزون؛ فتعثرت كل محاولاتي. وبعد سنة تقريباً بدأت تنجح بعض المحاولات حتى استطعت بعدها أن أكمل قصيدة من عدة أبيات، واستمرت المرحلة الثانوية على هذا النحو.

جرّبت أن أكتب القصيدة النثرية، لكنني فشلت، وقد يكون سبب ذلك عدم قناعتي بأن تجربتي أصبحت ناضجة حتى أكتب قصيدة نثر ناجحة، لكن لا أخفي إعجابي بها، وأكثر ما يعجبني "محمود درويش"، وأظن أنه شاعر فذّ لا تجود العربية بمثله، وكذلك "أدونيس"، فهو معلم كبير في الشعر، يكفي أنه قدم للحركة الثقافية النقدية كتابه "الثابت والمتحول" بأجزائه الثلاثة لنتعلّم منه كيف يكون الشعر

في جامعة "دمشق" حاولت أن أكتب قصيدة التفعيلة، وشاركت بأمسيات عديدة حتى أصبحت طبيباً؛ حيث أخذ الطب وقتي إلى النهاية، إذ قلّت قراءاتي وكتاباتي كثيراً حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي، فعاودت كتابة الشعر وأفلحت بكتابة قصيدة تفعيلة صالحة للنشر، ثم مجموعة شعرية صدرت عن وزارة الثقافة بعنوان: "عناوين المطر". وتابعت نشاطي وأصدرت مجموعة أخرى عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان: "بعيداً عن الضوء"، وانتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب، وأصدرت مجموعة بعنوان: "أصدق قلبي" عن دار "سمر قند"، وأيضاً مجموعة "بعد للغياب حضوره" عن وزارة الثقافة. وما زلت أمارس نشاطي حسب ما يسمح الوقت بذلك».

الدكتور فندي الدعبل

ويتابع عن الأنماط الشعرية التي تشده: «أما ما يتعلق بالشعر الذي أتذوقه، فأنا أحب الشعر الرومنسي الهادىء والغنائي، وأكتب هذا النوع من الشعر بإيقاع هادئ منسجم مع نفسي، لأن شعر الحماسة والفخر لا يستهويني، وإنما تحتّل المرأة جزءاً كبيراً من أشعاري، حتى شعرت بأنني أكرر نفسي في مواضع كثيرة -ربما لضعف الموهبة وقلة المثابرة- وذلك بسبب مهنة الطب الشاقة التي تستنزف الوقت والجهد. وأعدّ جميع زملائي في اتحاد الكتاب العرب أساتذتي، وأتقبل نقدهم برحابة صدر وآخذ بآرائهم ما استطعت، وكل طموحي أن أصدر مجموعة شعرية تترك انطباعاً حسناً عند الجميع، مع أنهم يميلون بتقييم أشعاري نحو السكون الهادئ والبعد الدلالي، لاستخدامي الإيقاع الهادئ في تركيب الجملة الشعرية».

لم تجد القصيدة النثرية طريقها إليه، فيما حمل بوجدانه من رمزية القصيدة التفعيلة التي جنح نحوها بحب، وتابع القول عن ذلك: «جرّبت أن أكتب القصيدة النثرية، لكنني فشلت، وقد يكون سبب ذلك عدم قناعتي بأن تجربتي أصبحت ناضجة حتى أكتب قصيدة نثر ناجحة، لكن لا أخفي إعجابي بها، وأكثر ما يعجبني "محمود درويش"، وأظن أنه شاعر فذّ لا تجود العربية بمثله، وكذلك "أدونيس"، فهو معلم كبير في الشعر، يكفي أنه قدم للحركة الثقافية النقدية كتابه "الثابت والمتحول" بأجزائه الثلاثة لنتعلّم منه كيف يكون الشعر».

الشاعر د. إحسان قنديل

ويتابع: «من قصائدي التي أحب، قصيدة حملت عنوان: "انكسار"، أقول فيها:

"سآتي... انتظرني... سئمتُ البقاء على جثث الوقتِ... أمشي... ويكسرني في المساءاتِ ظلّي... سئمتُ صباحا...

من مجموعاته الشعرية

تكسّر بين يديّ... "يفرْفِطُ" رمانة الذكريات... ملاعب قريتنا... في الشتاء... صفيرَ الرياح على التلِ... فزّاعةً... تسرقُ النومَ... أغنيةَ الحزن... وهْيَ تؤطّر ليل البيوتِ... حكايا عن الجن بين الخرائب... عن شهرزاد... تخيطُ الحياة... إلى حدث في الرواية... كي يتأجّلَ موتي قليلاً... ويزداد بوحي قليلاً... على باب أمنيةٍ... تقرص الأفقَ... في سكرات الزمان الرتيب... سأقطع وقتي... كطير يشقّ الفضاء لتفاحتين... وأحفر قلبي... على غُصِنٍ يتأرْجحُ... بين الجذور وبين الخطيئة... علّي أجدّد نسغي... ألملم غيمي... وأحفظه لجفاف سنيني... سئمتُ انتظاري... على حجر في البلاد البعيدة... حتى يمرَّ الخريف... ويُسقِطُ شَعر حبيباتنا في إناءِ الغروبِ... ولم ندرِ... كيف يفرُّ الكلام... وكيف تضيعُ مفاتيحه... في الصعود إلى قمة الهاويةْ... وكيف تمرّ الليالي وننسى... كتابة أسمائنا فوق كف النجوم... وأن القلوب ذوتْ... قبل أن تدركَ الروح خضرتها... فانزوتْ في الطريق إلى اللغة الخاويةْ... سئمتُ يباسي كعود ترجّل عن حلمه... والمكان يضيق بتنهيدةٍ هاربةْ... سئمتُ الزهور التي نلتقي عندها... فرحا أو سدى... كي نقيسَ الجراح... برائحة الشوق للفجر حين يباغت... أيامنا سفرا... في البعيد البعيد"».

الناقد الدكتور "فندي الدعبل" أوضح بالقول: «لدى الشاعر الدكتور "إحسان قنديل" لا قاعدةَ مسبقةَ للإيقاعِ، فالقصيدة تفرضُ إيقاعَها الخاصَّ بها، وما التأثير الممتع على المستوى النفسيّ والجماليّ، إلا نتيجة اندماجِ الإيقاعِ بالنصِّ، فنحصلُ بذلك على نصٍّ متمازجٍ بالفكرِ والرمزِ والعاطفةِ. الإيقاع الشعريُّ يجبُ أن يحتوي كلَّ العناصرِ اللسانية والنفسية والثقافية؛ وهو ما جعل بعض النقاد يعرِّفونَ الإنسانَ بأنهُ حيوانٌ إيقاعيٌّ، ونحنُ كمتلقين للنصّ الشعريّ نلتقطُ الإيقاعَ وليس الوزن؛ أيْ إنَّ الإيقاع يمثّل الوزن في عملية التوصيل، كإيقاعِ القافية والمفردة والحرف والفعل.

وفي قصيدته "انكسار" نلاحظ أنَّ القصيدةَ خلتْ من إيقاعِ القافية، فالشاعر لم يلجأْ إلى التقفية المقطعية في نهاية الوحدات الشعرية، كما أنه لم يلجأْ أيضاً إلى التقفية السطرية، وهذا ما أوهمَنا بخفوتِ الموسيقا الشعريةِ، لكنه عمد إلى إيقاع التكرار في اللازمة البنائية، وعوض بذلك غياب القافية من جهة، وكرّس مفهوم الإيقاعِ الأوليّ المؤسس من جهة ثانية، ولجأَ إلى التكرار المتعمد لبعض الحروف، لتكوين وتشكيل جرس إيقاعيّ جميل، يسدُّ فيه الفجوة الناجمة عن غياب الوحدات المكررة، ويشكل إيقاع التفعيلة ملمحاً جلياً في إبراز الموسيقا الداخليةّ للنص، وقد يلجأُ الشاعر إلى كسر نمطية التفعيلة بذهابه إلى الجواز، فيعملُ على تسريع أو إبطاء الإيقاع، فالإيقاع السريع ينجم عن زيادة الحركة على حساب السكون، أما الإيقاع البطيء، فينشأُ عن زيادة السكون على حساب الحركة».

يذكر، أن الشاعر الدكتور "إحسان قنديل" من مواليد بلدة "الكفر" بـ"السويداء" عام 1962، له عدة مجموعات شعرية، مثل: "عناوين المطر" عام 2000، و"بعيداً عن الضوء" عام 2005، و"أصدق قلبي"، و"الشدة على الدال" عام 2010، و"للغياب حضوره" عام 2015.