تشهد الأجناس الأدبية فورة من حركة المتغيرات الحديثة في النقد وحكم القيمة، والتطوير للبناء الفني ضمن مكون حكائي سردي جديد، هو القصة القصيرة جداً، وهو ما جعل الكاتبين الدكتور "فندي الدعبل"، و"زياد القنطار" يساهمان في الإضاءة على هذا الجنس بكتاب يحمل شمولية المعنى.

حول المرجعية والحرية في جنس أدبي حديث العهد، ويصدر عنه رؤيا نقدية جديدة، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 27 تشرين الأول 2019 التقت "زياد القنطار" رئيس ملتقى القصة القصيرة جداً في "السويداء" الذي بين بالقول: «لم تستطع القراءات والدراسات المتخصصة بالقصة القصيرة جداً, منذ تسعينيات القرن المنصرم حتى الآن, أن تضع حداً فاصلاً, نستطيع من خلاله الفصل بين الأركان التي تقوم عليها القصة القصيرة جداً, وبين الميزات المتممة لها, وصولاً إلى رؤيا مشتركة, تقترب من التثبيت والتحديد, ربما السبب يكمن في حداثة هذا النوع, ما جعل النظرية النقدية متأخرة قليلاً, ويشوبها الخلط وعدم الوضوح، ولعلنا هنا في هذا البحث نستطيع أن نبيّن رؤيتنا الخاصة حول هذه الإشكالية, معتمدين في ذلك على فهمنا لأركان القصة القصيرة, من خلال مقارنة توضع العناصر الأساسية لكلا النوعين, ومنطلقين من التسمية التي وسمت بها, آخذين بالحد الأول من التسمية أي القصة, فنستطيع عندئذ تشريع أركانها، وقد خلصنا من خلال الدراسات المختلفة, والقليلة أيضاً, إلى رؤية نعتقد صوابها, وشمولها, وذلك باعتماد الأركان الثلاثة التالية أركاناً أساسية للقصة القصيرة جداً: العنوان، الحكائية، المفارقة. وتقضي الضرورة المنطقية والصيرورة السردية أن نميّز بين مفهومي الركن والميزة, وإزالة اللبس بينهما, كي لا نقع فيما يمكن أن نسميه الخلط العشوائي بينهما، فالركن هو العنصر الذي يقع على عاتقه تكوّن البنيان النصي والنهوض به, ولابد من التنويه إلى أن غياب ركن أو أكثر من شأنه إخراج النص من الطيف الكلي الواسم للمنظومة النثرية الخاصة به».

أما الميزات أو ما يعرف بالتقنيات فهي الأدوات النصية التي يختارها المبدع, وتتكفل بحمل الخطاب السردي, وإغناء أركانه, وهي متنوعة وكثيرة, تلامس الشكل الفني للنص بشكل عفوي وتلقائي, وبالتالي غياب إحدى التقنيات لا يؤثر في جوهر النص، وهنا نقتبس عن الباحث "عبد الله رضوان" رؤيته للفرق بين الركن والميزة قوله: الركن هو أساس بنائي لا يُستغنى عنه, أما التقنية فهي أداة تعبيرية تشبه الركن, لكنها أقل جوهرية منه, وهي أكثر منه مادية وسطحية, وتبقى ماسة للشكل ووسيلة للتعبير. وبالتالي نصل لقناعة أن هذا الجنس يفرض نفسه وفق رؤية الواقع المعيش، ولهذا آثرنا تقديم رؤيا جديدة في جنس القصة القصيرة جداً ضمن منهج بحثي يخدم الأدب وأجناسه المتنوعة بقالبه المتنوع

وتابع "القنطار" قائلاً: «أما الميزات أو ما يعرف بالتقنيات فهي الأدوات النصية التي يختارها المبدع, وتتكفل بحمل الخطاب السردي, وإغناء أركانه, وهي متنوعة وكثيرة, تلامس الشكل الفني للنص بشكل عفوي وتلقائي, وبالتالي غياب إحدى التقنيات لا يؤثر في جوهر النص، وهنا نقتبس عن الباحث "عبد الله رضوان" رؤيته للفرق بين الركن والميزة قوله: الركن هو أساس بنائي لا يُستغنى عنه, أما التقنية فهي أداة تعبيرية تشبه الركن, لكنها أقل جوهرية منه, وهي أكثر منه مادية وسطحية, وتبقى ماسة للشكل ووسيلة للتعبير.

الناقد أحمد علي هلال

وبالتالي نصل لقناعة أن هذا الجنس يفرض نفسه وفق رؤية الواقع المعيش، ولهذا آثرنا تقديم رؤيا جديدة في جنس القصة القصيرة جداً ضمن منهج بحثي يخدم الأدب وأجناسه المتنوعة بقالبه المتنوع».

الناقد الدكتور "فندي الدعبل" أحد مؤسسي ملتقى القصة القصيرة جداً أوضح قائلاً: «لقد بات من الصعب علينا في عصر الثورة الرقمية المجنونة أن نغض الطرف عن تأثيرات هذه الظاهرة، أي ظاهرة العولمة، حيث تسجل المنظومات النثرية إلى جانب المنظومات الشعرية المختلفة استجابة حرة ديناميكية مرنة ملحوظة مع متطلبات الحياة المتسارعة، إن كتاب "القصة القصيرة جداً بين التبعية والاستقلال"، ليس سوى محاولة جادة تسعى إلى تركين وتجنيس وتقعيد هذا النوع الأدبي وحجز مكان يليق به في النادي العائلي الأدبي، لقد كانت رؤيتنا مستندة إلى الحجة الدامغة ومحتكِمة إلى المنطق البلاغي والضرورة السردية الهادفة إلى الفصل الدقيق بين القصة القصيرة جداً وباقي المنظومات السردية الأخرى كالمقالة أو الخاطرة أو الشذرة، لذا تم تقسيم الكتاب إلى خمسة فصول هي الفصل الأول؛ في متاهة التعريف، والفصل الثاني؛ القصة القصيرة جداً والأجناس الأدبية الأخرى، والفصل الثالث؛ أركان القصة القصيرة جداً، أما الفصل الرابع فهو الميزات والتقانات في القصة القصيرة جداً، والأخير متعلق بأبحاث ذات صلة، حيث تناول عدة مفاهيم كالزمن والشخصية وتقنيات إبطاء وتسريع السرد والإبهام والدهشة والقفلة».

المنجز الأدبي

الناقد " أحمد علي هلال" مقرر جمعية النقد والدراسات في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بين قائلاً: «يشكل الكتاب الهام الذي جاء بعنوان "القصة القصيرة جداً بين التبعية والاستقلال" حدثاً استثنائياً في توقيت صدوره، وفي انتباهه لأحد أهم أسئلة القصة القصيرة جداً نزوعاً إلى تقعيد هذا الجنس ورؤيته بطريقة مغايرة، بل وتحرير النظر إليه بوصفه جنساً إبداعياً يمتاز بسمات معينة، وإذا كان هذا الجهد يشكل انعطافة في رؤية القصة القصيرة جداً تجارب وتقنيات انطوى عليها الكتاب، فإنه يسعى لمفارقة المستقر والناجز عنها في الوعي النقدي السوري والعربي على حد سواء. هذا في دلالة العنوان، وفي دلالة أن يأخذ هذا الجنس حقه في دورة الحياة الإبداعية، وهو ما يشكل في هذا السياق تلك الإضافة النوعية لمبدعين باحثين ذهبا في إثر هواجس هذا النوع من الجنس وتحرير المعنى فيه، إنجازاً لوعي معرفي مختلف قادر على التخطي ومفارقة المستقر وصولاً إلى ما يشكل جهداً مشتركاً يسعى لمقاربة الأسئلة العابرة للقصة القصيرة جداً، وهذا السعي المعرفي الناهض بأدواته ورؤيته الجديدة يعطي للكتاب أهمية مضاعفة في القراءة التطبيقية التي ذهب إليها، وهي قراءة تحتفي بالقيمة والمعيار، وبالأصوات المبدعة ومسافاتها إلى الفن والارتقاء. كتاب مؤسس يستأنف جهوداً سابقة في هذا المضمار، ويصنع فارقاً نوعياً في تحولات القراءة والكتابة والثقافة والإبداع».

الناقد د. فندي الدعبل