حين تدخل قرية "المجدل"، وتقف أمام منزل بازلتي كبير، تشتم من مدخله رائحة التاريخ والموقف والثبات، وتشاهد حجارته لتنبئك عن وجود مضافتين متصلتين، ولكل منهما وقائع وأحداث، وهما مفتوحتان إحداهما على الأخرى لتكونا مضافة واحدة.

حول المضافتين وتاريخهما، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 آب 2018، التقت مع "عاطف هنيدي" الذي تسلّم مقاليد الزعامة "لآل هنيدي" عن والده الباشا "فضل الله هنيدي" الملقب بـ"أبي منصور"، حيث قال: «ترتكز أسس وقواعد المضافتين في قرية "المجدل" الواقعة في الجهة الغربية من مدينة "السويداء"، التي تبعد عنها نحو 13 كيلو متراً. تتألف دارنا القديمة التي تبلغ مساحتها نحو أربعة دونمات من عدة غرف، والساحة، ومرابط للخيل، ومكان لتجميع المؤن، وأماكن متعددة من تقاسيم المنزل القديم الذي ما إن تدخل من بوابته العريضة البازلتية حتى تشاهد تلك النقوش الأثرية عليها، فيعتريك الوجد بذاكرة غنية بالمواقف.

لقد تعرضت هذه المضافة والدار عامة إلى استبداد الدولة العثمانية والاستعمار الفرنسي، فعمدوا إلى حرقها، محاولين كسر عزيمة جدنا مؤسس الدار الراحل المجاهد "محمود هزيمة هنيدي"، الذي رمّم حجارتها الرومانية بعد أن حاول الفرنسيون حرقها لطمس معالمها التاريخية والأثرية، لكن جدي أراد تعزيز تلك المكانة التاريخية للدار والمضافة، وجمع حجارتها ذات النقوش القديمة، وثبتها على الجدران، وأشاد فيها قسم من مساحة الدار

شيدت عام 1845، وبعض المراجع الاجتماعية المتناقلة تقول إنها بنيت قبل ذلك التاريخ، وتمّ استثمار المضافتين معاً بعد ذلك؛ أي في النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ كما حدثنا والدي الراحل "فضل الله هنيدي" الذي عمّر نحو قرن من الزمن، وقد شكل بناء المضافتين معاً رؤية في التصميم لأن حجارتهما قديمة جداً، حيث أكد بعض من يهتمون بالدراسات التاريخية والأثرية أنها رومانية، وبعضهم أشار إلى أقدم من ذلك بكثير. وما تتميز به المضافة أنها تنقسم إلى قسمين يلتصق أحدهما بالآخر، لكن لكل قسم منهما حكاية وموقفاً، كأن تقول مضافة شتوية، وأخرى صيفية. وأيضاً ما جرى من أحداث واجتماعات تاريخية في المضافة يمثّل حالة من الثقافة الجمعية، إذ كثيراً ما كانت تتداول الأمور ومعالجة الصراعات الماضية، خاصة أنها في منتصف القرن التاسع عشر كانت مشغولة بتجمع أهالي المنطقة الغربية من "جبل العرب"، بمعنى أن أي مشورة تحدث تكون فيها».

الأستاذ عاطف هنيدي

وتابع الحديث عن الأحداث التي وقعت فيها، بالقول: «لقد تعرضت هذه المضافة والدار عامة إلى استبداد الدولة العثمانية والاستعمار الفرنسي، فعمدوا إلى حرقها، محاولين كسر عزيمة جدنا مؤسس الدار الراحل المجاهد "محمود هزيمة هنيدي"، الذي رمّم حجارتها الرومانية بعد أن حاول الفرنسيون حرقها لطمس معالمها التاريخية والأثرية، لكن جدي أراد تعزيز تلك المكانة التاريخية للدار والمضافة، وجمع حجارتها ذات النقوش القديمة، وثبتها على الجدران، وأشاد فيها قسم من مساحة الدار».

وحول ارتباط المضافتين بالتاريخ والأحداث التاريخية، أوضح المؤرخ "إبراهيم جودية" بالقول: «تعدّ مضافة "آل هنيدي" في قرية "المجدل" واحدة من المضافات التي حملت حكايات تاريخية مهمة، إضافة إلى أنها تقسم إلى قسمين، ونقلت حجارتها من أماكن بعيدة ونقشت عليها رموز ودلالات للعصور الرومانية وربما أقدم، إلا أن المضافتين الشتوية والصيفية كانتا جامعتين لسلسة من الاجتماعات الوطنية المهمة في تاريخنا المعاصر، فقد ضمت جدرانها أصوات الأعيان والعقلاء لحل النزاعات والخلافات الاجتماعية، وقد حملت المضافتان لواء عزهما المجاهد الشهيد "فضل الله هنيدي" الرافض للاستسلام من قبل العثمانيين والفرنسيين جراء مواقفه الوطنية، الأمر الذي دفعهم إلى حرقهما وتدميرهما، ومع ذلك بقيتا تضمان عشرات اللقاءات الوطنية وكانتا ملاذاً لقادة الثورة السورية الكبرى من خارج "السويداء". وأهم من زار المضافة مستجيراً بها أولاد المجاهد "عبد القادر الجزائري"، وغيرهم من الأبطال من "القلمون" و"لبنان"، وعدد من المحافظات السورية. وجرت فيها اجتماعات عدة في الأعوام 1910-1916-1917، وثمانية من اللقاءات الوطنية التاريخية، وآخرها قبل استشهاد زعيمها "فضل الله هنيدي" عام 1926، ولهذا فالمضافتان جمعتا أحداثاً تنعش الذاكرة بما قدمتا وساهمتا في بناء الشخصية الوطنية المعاصرة، ومازال إلى يومنا يزورهما كل من يريد قضاء حاجة، فهما صامدتان كحجارتهما الصلبة».

المضافة الشتوية الثانية
إحدى المضافتين