اسمه "سوق القمح"، وهو السوق الوحيد في "السويداء" الذي تجد فيه الحبوب واحتياجات المنزل القديم، لكنه تطور وأصبح يتسع لبضائع جديدة ما أعطى السوق طابعاً مختلفاً.

موقع eSuweda تجول في السوق الذي تحتل الجهة الشرقية منه محلات الأدوات المنزلية والجملة للغذائيات ولتكون الجهة الغربية للخراطة والمفاتيح ومواد البناء، إلى جانب أبنية عصرية وسنتر تجاري احتل زاوية كبيرة من السوق مقصد أهالي المدينة حيث يجدون ضالتهم كما حدثنا السيد "تحسين مرشد" الذي تعود الحصول على كافة احتياجاته من السوق وقال: «سوق القمح النواة الحقيقية لأسواق "السويداء" هنا كان أهلنا يشترون الحبوب واحتياجات المنزل من السمن و"الكثى" ما يسمى "الجميد" وكل متطلبات المنزل، والغريب أن هذا السوق بقي على تصميمه القديم، حيث الساحة والطرق الضيقة وفيه تجد كافة البضائع من الحبوب بأنواعها والمواد الغذائية من ألبان وأجبان، إلى جانب تنوع كبير في محلات مواد البناء ومحلات الخراطة لصناعة المفاتيح والخردوات، وبالتالي فكلما تنوعت المشتريات تفرض عليك زيارة السوق الذي يشغل منطقة حيوية في المدينة لتجد كل ما تحتاج إليه وتتجول بجوار جدران سوداء فيها من صور الماضي ما ينعش الذاكرة».

في بداية القرن العشرين ازدهر السوق لأنه السوق الأهم وتقريباً الوحيد الذي تتوافر فيه بضاعة الحبوب، لكننا لن ننسى أنه كان الأقرب لسوق العطارة الذي حمل اسم "سوق الحمزات" وكان كل زائر لسوق العطارة زائر لهذا السوق بحكم القرب حتى وإن كانت وسيلة الركوب "الطنبر" وهي العربة التي تجرها الدواب، وكانت واسطة النقل الوحيدة للحبوب التي ترد من المحافظة أو لمواد البناء المؤلفة من القش واللبن ومن بعدها الاسمنت

بقايا فندق وخانات أثرية مأهولة تشغل جزءاً من الجهة الشرقية للسوق الذي عرض تاريخه السيد "حمد العشعوش" صاحب المتحف الشعبي الأول في المحافظة الذي يستقر في منزله والقائم ضمن السوق، وقال: «لهذا السوق قصة تاريخية جميلة تظهر على جدران فندق قديم احتل الجهة الشرقية ليطل على ما يسمى "مية التربة" طالع الماء الذي كان يشرب منه كل أهالي "السويداء"، وبجانبه محلات صناعة "المناشل" أي الوعاء الذي تحمل به المياه للمنازل وكانت تحمله النساء و"المنشل" صنع لهذه الغاية، واشتهر الفندق باسم فندق "الأسعد" الذي وجد مع نهاية الاحتلال العثماني لتكون طوابقه العليا للإقامة، والطابق الأرضي كان على شكل خانات يودع بها الأهالي وزوار المدينة الخيول، وبقيت لهذا التاريخ كلمة "بيطار" التي كانت تطلق على من يعالج ويحذي الخيل مكتوبة على إحدى القناطر التي تطل على السوق. وتظهر القناطر في الخانات المأهولة لهذا التاريخ حيث تستخدم مستودعات لتجار البالة والبلاستيك وغيرها، وهي المعلم التاريخي الأهم في هذا السوق، الذي حمل اسم "سوق القمح" وكان المعني بتجارة الحبوب بأنواعها وهو لغاية اليوم مكان هذه التجارة إلى جانب بضائع أخرى لا نعتبرها دخيلة بقدر ما هي تحول منطقي لأنواع التجارة التي كانت قائمة في ذلك العصر، ليحافظ بعض التجار على تجارة الحبوب، وتتطور تجارة المواد التي كانت أول الأنواع التي أعقبت تجارة الحبوب من المعدات القديمة والاسمنت مع بداية ظهوره في المنطقة إلى مجمل مواد البناء من دهانات ومواد صحية ومتمماتها، ولتتحول مهنة الحدادة العربية التي احتلت جزءاً من السوق في الستينيات إلى الخراطة والخردوات لكون عمالها انتقلوا للمنطقة الصناعية، ولتتطور تجارة الملح و"الكثى" أي "الجميد" والألبان إلى الغذائيات ومحلات الجملة التي تقصد لجودة البضاعة والسعر المناسب».

السيد حمد العشعوش

ويضيف السيد "حمد" أن قرب السوق من سوق العطارة جعل المنطقة مقصودة منذ القدم، وقال: «في بداية القرن العشرين ازدهر السوق لأنه السوق الأهم وتقريباً الوحيد الذي تتوافر فيه بضاعة الحبوب، لكننا لن ننسى أنه كان الأقرب لسوق العطارة الذي حمل اسم "سوق الحمزات" وكان كل زائر لسوق العطارة زائر لهذا السوق بحكم القرب حتى وإن كانت وسيلة الركوب "الطنبر" وهي العربة التي تجرها الدواب، وكانت واسطة النقل الوحيدة للحبوب التي ترد من المحافظة أو لمواد البناء المؤلفة من القش واللبن ومن بعدها الاسمنت».

ورث الأبناء تجارة الآباء والأجداد ليبقى السوق امتداداً للماضي مع فارق بسيط يرتبط بنوع البضاعة ومنهم من حافظ على القديم ومن جدد لتجارة أكبر وأشمل كما حدثنا السيد "عادل المسبر" أحد تجار مواد البناء الذي ورث المحل عن والده، وقال: «استقر الوالد في المدينة وأسس لتجارة الحبوب حيث كانت التجارة الرائجة في ذلك الزمن وقد عملنا مع الوالد وبعد وفاته، وفي العام 1988 تحولنا لتجارة مواد البناء التي كانت موجودة في السوق حيث تغير طابعها بفعل التطور وتنوع الاحتياجات، ولم نغير شكل المحل لكننا نحلم بالعودة للقديم ليكون للسوق طابعه التراثي بوصفه أقدم الأسواق في المدينة وأكثرها اكتظاظا بمختلف الشرائح من المتسوقين، ويكفي أن ترقب الحركة لدقائق لتسجل عدداً كبيراً لزوار السوق في الصباح والمساء».

السيد عادل المسبر إلى اليمين واخوه في محلهم وسط السوق

لتجارة الحبوب النصيب الأكبر في السوق وها هو السيد "عدنان حسين محاسن" يمارس تجارة والده ويحدثنا عن زمن تغيرت فيه المكاييل والبضاعة ويقول: «الوالد انشأ المحل في هذا المكان وعملت معه لسنوات وقد وجدناه مربحاً ومفيداً صنع للوالد أرزاقاً وملكاً جيداً، وكنا نبيع بالمكاييل القديمة اليوم تغيرت الأمور، وكنا نربح بالقروش اليوم بالليرات، لكن للقديم لذته وجماله وحرصنا أن يبقى نوع من البضاعة تلك التي تتمثل بقمح وحبوب المحافظة التي نبيعها كما تطلب بما يسمى "الثمنية" و"المد" وهي وحدات الوزن الشعبية، بينما نبيع كل البضاعة الواردة ومن يطلب بالمكاييل الحديثة والموازين الحديثة لأننا تجار قدماء ومهمتنا إرضاء الزبون وتأمين حاجته كما يرغب».

الجدير بالذكر: أن "سوق القمح" يعتبر بداية حي "السويداء القديمة" من الشرق الحي الذي شكل نواة المدينة، وهو المكان الأكثر حيوية رغم القدم ولا يتجاوز طوله مئتي متر وهو الطريق الأضيق بالوقت الحالي ولا مجال إلا لعبور سيارة واحدة، وهذا ما يدفع التجار للمطالبة بالتوسعة للمحافظة على حركة المارين والسيارات على النحو القديم.

السيد عدنان محاسن في محل الحبوب القديم في السوق