بجولة تحمل المعرفة لصخور وينابيع وسواقي المياه في قرية "عرى"، وعلى ضفاف نبع سمي باسم القرية "نبع عرى" إضافة إلى ينابيع أخرى، كان لنا وقفة مع الواقع والزمن، مستذكرين المكانة والمنظومة من العلاقات، بغية تحميل جولتنا الفائدة والدلالات العديدة بين النبع والإنسان والتاريخ والثقافة.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 2 نيسان 2015، زارت قرية "عرى" ونبعها، والتقت "أنور حامد" أحد أهالي القرية فبيّن علاقة الينابيع بالحياة اليومية قائلاً: «في الحديث عن ينابيع القرية وما خلفته من مآثر إنسانية وعلاقات اجتماعية، يتحتم علينا العمل في إطار زمني يمتد حتى الثلث الأخير من القرن الماضي، لأن الينابيع لدينا عديدة؛ ونحن نجهل تاريخ وجودها ونشوئها وطاقتها التدفقية للمياه لقدمها عبر التاريخ وما كانت تقدمه من خدمات للمنطقة، ولهذا سنستعرض في حديثنا عن الينابيع، بوجود ينابيع جفت منابعها ونضبت مياهها، ولم يتبق منها غير أسمائها مثل: نبع "دراق" شمال قرية "عرى"، ونبع "سمر" في غربها، ويبقى نبع "عرى" هبة الطبيعة، فهو يوغل في الزمن الماضي، من غير أن نعرف تاريخاً لولادته حتى اكتسب اسمه من القرية وأقام علاقة بينه وبين ساكنيها، لكن تسميته نبع "غسان" تدل على قدمه، فقد أخذ اسمه من الدولة "الغسانية"، التي كان الجبل جزءاً من رقعتها الجغرافية، وقد ذكر "حسان بن ثابت" في معرض الفخر بقومه:

في الحديث عن ينابيع القرية وما خلفته من مآثر إنسانية وعلاقات اجتماعية، يتحتم علينا العمل في إطار زمني يمتد حتى الثلث الأخير من القرن الماضي، لأن الينابيع لدينا عديدة؛ ونحن نجهل تاريخ وجودها ونشوئها وطاقتها التدفقية للمياه لقدمها عبر التاريخ وما كانت تقدمه من خدمات للمنطقة، ولهذا سنستعرض في حديثنا عن الينابيع، بوجود ينابيع جفت منابعها ونضبت مياهها، ولم يتبق منها غير أسمائها مثل: نبع "دراق" شمال قرية "عرى"، ونبع "سمر" في غربها، ويبقى نبع "عرى" هبة الطبيعة، فهو يوغل في الزمن الماضي، من غير أن نعرف تاريخاً لولادته حتى اكتسب اسمه من القرية وأقام علاقة بينه وبين ساكنيها، لكن تسميته نبع "غسان" تدل على قدمه، فقد أخذ اسمه من الدولة "الغسانية"، التي كان الجبل جزءاً من رقعتها الجغرافية، وقد ذكر "حسان بن ثابت" في معرض الفخر بقومه: إمّا تسألين عنّا فإنا معشرٌ نجبُ... الأزدُ نسبتنا والماءُ غسان

إمّا تسألين عنّا فإنا معشرٌ نجبُ... الأزدُ نسبتنا والماءُ غسان».

أنور حامد

وعن تأثير النبع بعامل الاستقرار أوضح "جمال حداد" من أهالي القرية بالقول: «كان نبع "عرى" عامل استقرار لساكني القرية، وما زال حتى تاريخه، فقد أمدها بمياه الشرب، وسقى بعض زراعاتها، والأحياء ممن عاصروا الفترة الزمنية القديمة أكدوا عبر التداولات والحكايات في "المضافات" أنّ الناس كانوا يخرجون إلى النبع يتزودون من مياهه بصفائح التنك والأوعية الجلدية "الرّوايا"، وكان النبع يُشغِّل عبر مياهه المتدفقة المطاحن المائية مثل: مطحنة "أبو عرب"، و"أبو اسكندر"، و"الحناوي"، وقد بقيت آخر مطحنة تعمل حتى الأربعينيات من القرن الماضي، في حين كان النسوة يخرجن إلى المياه المتجمعة في "حجر الطويل" لغسيل الثياب والبسط، وحول "حجر الطول" كانت تنصب "الخلاقين" لسلق القمح وصناعة "البرغل"، وبقي الأمر على هذه الحال حتى قامت الفنانة "اسمهان" زوجة الأمير "حسن الأطرش" وقتها بمسعى لجر مياه النبع بأنابيب معدنية إلى البلدة وقد تم ذلك عام 1942، الأمر الذي خفف من أعباء الاستهلاك وتوفير الجهد والوقت».

وعن النوافير واستخدام مياه النبع للشرب أشار "خليل الفريحات" المهتم بالتراث والتاريخ بالقول: «بعد جهد كبير من الأهالي في الماضي أتت مبادرة الفنانة "أسمهان" لتعزز الاستفادة من المياه في مختلف الأعمال والاستخدامات المنزلية والزراعية وغيرها، وهو ما دفع الناس للاستثمار لينتهي الأمر بمياه النبع بعد ذلك إلى ثلاث "نوافير" مشادة من الإسمنت، حيث كان الماء يخرج من صنبور في النافورة إلى حوض إسمنتي ترد الحيوانات إليه ويندفع ما زاد عن ماء الحوض في قنوات تجري في الشوارع، ويستثمر الناس مياهه في سقاية "الحواكير" وهي الحيازات الزراعية الصغيرة المنزلية، أما مياه الشرب فقد كان النسوة يصطحبن جرار الماء، أو المناشل وهي أصغر حجماً من سابقتها لملئها من مياه النافورة، وكان التزود بالماء يتم بسلام حيناً، وبصخبٍ وصياح النسوة المتدافعات أحياناً أخرى، وفي أيامنا هذه فإن مياه النبع ترفد مياه الآبار الارتوازية التي تشرب منها البلدة عبر شبكة وصلت إلى البيوت، إذ يتم هذا الرفد في السنوات المطيرة ويضعف في سنوات الجفاف، ويتم الاستفادة منها في مختلف استخدامات الحياة بعد أن تم استجرارها وفق قواعد علمية ممنهجة، لكن الينابيع وخاصة "نبع عرى" يبقى الممول المائي الرئيس للقرية، وحامل ذكريات أهلها في كل رحلة اجتماعية يريد المرء من خلالها الترفيه عن نفسه، وقضاء متسع من الوقت بصحبة العائلة على ضفافه وصفاء مياهه العذبة».

جمال حداد
خليل الفريحات