بعد مئات السنين من التعرض لعوامل الطبيعة، وجد تمثال "ذو الشرى" في إحدى الخرب المهجورة جنوب "السويداء"، حيث كان يطلق عليه "ديونيسوس" في العصر الروماني، ليكون التمثال الذي يحمل النموذج الوحيد المجسم.

حول هذا العائد الأثري والتاريخي لتمثال "ذو الشرى ديونيسوس"، مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 25 أيار 2019، التقت الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان"، الذي بيّن قائلاً: «عملت دائرة الآثار في أعمال الكشف عن تمثال "ذو الشرى"؛ أحد الآلهة العائد إلى العصر الروماني، فقد اتخذ هذا الرب الكثير من صفات أرباب سامية قبله في أدوار مبكرة من تاريخ "سورية"، مثل الإلهين "بعل" و"حدد"، وقد أصبح فيما بعد مشابهاً لـ"زيوس"، وقد ظهر على المذابح والسواكف والمنحوتات والمسكوكات، وعثر عليه في بلدة "الغارية"، حين أخبر الفرنسي "ترينغا" مصلحة الآثار عن وجود تمثال ضخم من البازلت في "خربة شبيح" جنوب "السويداء"، حيث كان كاملاً أثناء الكشف عنه، وبعد توثيقه من قبل العالم الفرنسي "موريس دونان"، لكن فيما بعد فقد رأسه وجزء من ذراعه اليمنى والصحن الذي كان يحمله، ولا يعرف السبب، وهو النموذج الوحيد من أنواع التماثيل المجسمة، حيث نراه واقفاً على قاعدة شبه دائرية، ساقه اليسرى تتقدم اليمنى بقليل، ويتراجع عن الجذع إلى الوراء قليلاً. كما كان يحمل قرناً بيده اليسرى، وما يشبه الصحن في اليمنى، كتفاه عريضان وخصره ضامر نسبياً، وكف اليد اليسرى منتفخة ومحززة. وللدلالة على الأصابع ينتعل صندلاً لإظهار الأصابع المتناسقة. يرتدي قميصاً قصيراً من نوع (التونيك) فوقه عباءة طويلة من دون كمّين تصل حتى القدمين، فتبدو طيات القميص عمودية محززة يشدها حزام معقود في نهايته من الأمام على شكل عقدة "هرقل" بشكلٍ متناظر. بينما نلاحظ أن طيات العباءة مائلة نحو اليمين وملقاة فوق الذراع اليسرى، وتنسدل تحته بشكلٍ مطوي ومتعرج، كما جاءت كتلة التمثال متحدة مع القاعدة، وكأنها جزء منه، حيث لم يستطع النحات تحريرها منه».

للدلالة على المكان من "جبل العرب"، وخاصة قرية "الغارية"، ومن خلال مقارنة هذا الإله بـ"ديونيسوس" أو "باخوس" الروماني، فإن تمثيلاته تقترن بأوراق الكرمة وعناقيدها، أو ما شابهها من رموز تميز بها الإله والكرمة من الأشجار التي كثرت زراعتها في "حوران"، وخصوصاً في القسم الجبلي منه، وقد ذكرنا أنه حامي مدن "أورانيتيس" و"باتانيا"، وقد شرح "دوسو" نماذج "ذو الشرى ديونيسوس" بعادة عصر الخمر الذي وجدت له مثيلات على نقود متعددة في "بصرى"، ويوجد له تمثيل تشبيهي على نقود الإمبراطور "كومودس" يظهر على وجه النقد شكل نصفي للإمبراطور، وعلى الظهر شكل نصفي لرجل غير ملتحٍ يعتمر إكليلاً أو عصابة رأس، وهنا يمكن تحديد هوية "ذو الشرى ديونيسوس". وذكر "دونان" أن تمثال "خربة شبيح" من "الغارية" لـ"ذي الشرى" من حيث صفاته، التي وجد لها مثيل على نقود من "بصرى" وعلى نحت نافر على مذبح من قرية "حبران" في "جبل العرب"، هو نفسه الإله "ذو الشرى" بينما يذكره "دومينيك سورديل" في كتابه عن العبادات في "حوران" على أنه الإله "كرونوس"، لكن صفاته العامة تميل كثيراً إلى اعتباره الإله "ذو الشرى"

وتابع بالقول: «للدلالة على المكان من "جبل العرب"، وخاصة قرية "الغارية"، ومن خلال مقارنة هذا الإله بـ"ديونيسوس" أو "باخوس" الروماني، فإن تمثيلاته تقترن بأوراق الكرمة وعناقيدها، أو ما شابهها من رموز تميز بها الإله والكرمة من الأشجار التي كثرت زراعتها في "حوران"، وخصوصاً في القسم الجبلي منه، وقد ذكرنا أنه حامي مدن "أورانيتيس" و"باتانيا"، وقد شرح "دوسو" نماذج "ذو الشرى ديونيسوس" بعادة عصر الخمر الذي وجدت له مثيلات على نقود متعددة في "بصرى"، ويوجد له تمثيل تشبيهي على نقود الإمبراطور "كومودس" يظهر على وجه النقد شكل نصفي للإمبراطور، وعلى الظهر شكل نصفي لرجل غير ملتحٍ يعتمر إكليلاً أو عصابة رأس، وهنا يمكن تحديد هوية "ذو الشرى ديونيسوس". وذكر "دونان" أن تمثال "خربة شبيح" من "الغارية" لـ"ذي الشرى" من حيث صفاته، التي وجد لها مثيل على نقود من "بصرى" وعلى نحت نافر على مذبح من قرية "حبران" في "جبل العرب"، هو نفسه الإله "ذو الشرى" بينما يذكره "دومينيك سورديل" في كتابه عن العبادات في "حوران" على أنه الإله "كرونوس"، لكن صفاته العامة تميل كثيراً إلى اعتباره الإله "ذو الشرى"».

الباحث الأثري د. نشأت كيوان

وأوضح الباحث الاثري "وليد أبو رايد" قائلاً: «المعروف جيداً أنه بعد تأسيس الولاية العربية الرومانية تم صك نقود في "بصرى" تصور ثلاثة بيوت لروح الآلهة "Betyls" التي ترمز إلى "ذو الشرى دوساريس" الإله المهم داخل منطقة "الأنباط"، وبيوت الآلهة هذه كانت على شكل يشبه المحاريب، ولم تحدد هويتها أو وظيفتها حتى الآن بالطريقة الصحيحة، ويتضمن تفسير هذا المصطلح سؤالاً مهماً؛ وهو أين وضعت المحاريب في معابد "ذو الشرى" في "البتراء"؟ حيث إن المعلومات الرئيسة حول بيت روح الإله تأتي من المصادر الأدبية والكتابية. كما كان يرمز لـ"ذي الشرى" بالشمس؛ وهذا واضح في قول "استرابون" الذي يصف النبطيين بأنهم يعبدون الشمس، وجعلوا أعيادها في الخامس والعشرين من كانون الأول. ويقول "مكسيموس الصوري" أنهم أعدوا لـ"ذي الشرى" صنماً على شكل حجر أسود مكعب علوه أربعة أقدام، وعرضه قدمان. وكانت القرابين تقدم له؛ وهي من أهم شعائر الأنباط، فحين أصبح "ذو الشرى ديونيسوس" نفسه يتقبل بدلاً منها "دم العنقود" كنايةً عن الكرمة والخمر، وكان يوجد عدد من المذابح في المعابد الموجودة ضمن المواقع النبطية، وخاصة في جبل "العرب"، حيث تم نقل التمثال إلى المتحف بعد مئات السنين، ونفض غبار الزمن عنه».

الباحث الأثري وليد أبو رايد
الشكل القديم حسب ما ذكره دونان