حظيت النسور في فنون الشرق القديم بكثير من الاهتمام والتركيز على إبراز عناصر متعددة تثبت وجودها، وتعددت تماثيل النسور في "جبل العرب" العائدة لعصور رومانية بعيدة، تمثّل أحد الرموز الدينية السائدة في ذلك الوقت بقوتها وصلابتها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 27 تشرين الثاني 2019 التقت مع الباحث في الآثار الدكتور "نشأت كيوان" رئيس دائرة آثار "السويداء" الذي تحدث عن رمزية النسور قائلاً: «يرمز النسر في الفن النبطي إلى إله السماء "بعل شامين" أو الرب "قوس" أو "ذو الشرى"، أي أنه يعبر عن صفة الإله أو المعبود على اختلاف أشكاله، وفي "سورية" كان النسر طير الرب "بعل شامين" كذلك، واستخدم في تزيين المعابد في الفترة النبطية، وفي العديد منها بـ "جبل العرب" وصنفت تماثيل النسور المجسمة المحلية تبعاً لمرحلة تاريخية ضمن القرن الأول قبل الميلاد والأول الميلادي، وصنف من الناحية التشكيلية والفنية والدينية بين نسور منفردة وأخرى مترافقة مع أصحاب تابعين، وثالثة مع أفعى، وهناك نسور منفردة وهي تماثيل فرعية غير كاملة في تكوينها ووجدت ناقصة، وقسم من أجزائها مفقود لكن نستطيع من خلال الأجزاء المتبقية معرفة خصائصها.

من خلال الأدلة الأثرية تبين أن عبادة الرب "بعل شامين" تجسدت بعدد من المنحوتات والأيقونات والرسوم التي مثلتها على هيئة نسر باسط الجناحين يرافقه عادةً ما يمكن تسميتهما صاحبان أو خادمان أو مساعدان أو ربما كاهنان يرمزان لصفات إله الشمس "هيليوس" وإلهة القمر "سيلينا"، والمعروف أن "هيليوس" كان يعبرُ السماء في مركبته الذهبية التي يقودها أربعة جياد، وسمي عند الرومان "سول" و"سيلينا" شقيقة "هيليوس" التوءم، وحسب الأساطير فهي تخرج من المحيط وتعبر الفضاء على عربتها الفضية التي تجرها الثيران أو الخيول البيضاء. هذه التمثيلات المعتادة لإله الشمس المترافق مع "عزيزوس ومونيموس" حيث يمثل الأول نجمة الصباح والثاني نجمة المساء، وهذا الشكل عُبر عنه بواقعية أكثر فـ"عزيزوس" يسبق الشمس في شروقها، و"مونيموس" يتبعه في الغياب، ويطابقان "فوسفوروس"، و"هسبيروس" اليونانيان

والصفة المهمة التي تشترك بها هذه المجموعة من النسور المنفردة أنه لا توجد فراغات في كتلها باستثناء الفراغ المسدود بين القائمتين، مع العلم أنّ شكل الريش يعدُّ الجزء الأساسي في النسر من أجل عملية مقارنة وتصنيف جميع النماذج، وهذا منهج يسهّل عملية الدراسة والتأريخ لكل مجموعات النسور في "جبل العرب"، بحيث عثر على عدد من المنحوتات التي تمثل الجانب الديني، من أهمها منحوتة لنسر واقف فارد الجناحين، ويحتمي تحتهما بطمأنينة وسلام شخصان نصفيان يحمل كل منهما عنقود عنب بكلتا اليدين اللتين يضعانها أمام الصدر، وينتصب النسر بوضعية عسكرية فيها نوع من الكبرياء والافتخار فوق قاعدة مستطيلة».

الباحث الدكتور نشأت كيوان

وأضاف: «من خلال الأدلة الأثرية تبين أن عبادة الرب "بعل شامين" تجسدت بعدد من المنحوتات والأيقونات والرسوم التي مثلتها على هيئة نسر باسط الجناحين يرافقه عادةً ما يمكن تسميتهما صاحبان أو خادمان أو مساعدان أو ربما كاهنان يرمزان لصفات إله الشمس "هيليوس" وإلهة القمر "سيلينا"، والمعروف أن "هيليوس" كان يعبرُ السماء في مركبته الذهبية التي يقودها أربعة جياد، وسمي عند الرومان "سول" و"سيلينا" شقيقة "هيليوس" التوءم، وحسب الأساطير فهي تخرج من المحيط وتعبر الفضاء على عربتها الفضية التي تجرها الثيران أو الخيول البيضاء.

هذه التمثيلات المعتادة لإله الشمس المترافق مع "عزيزوس ومونيموس" حيث يمثل الأول نجمة الصباح والثاني نجمة المساء، وهذا الشكل عُبر عنه بواقعية أكثر فـ"عزيزوس" يسبق الشمس في شروقها، و"مونيموس" يتبعه في الغياب، ويطابقان "فوسفوروس"، و"هسبيروس" اليونانيان».

الباحث الأثري خلدون الشمعة

وتابع بالقول: «عثر على نحت نافر في "السويداء" يمثل نسراً فارداً جناحيه يمسك بمخلبيه سعفة نخيل يرافقه طفلان يحملان غصناً أو عنقود عنب، وأيضاً نرى مثل هذه التمثيلات في أعمال نحت بـ "جبل العرب" مثل نسر واقف مرمم، منقاره مفقود ويشيح برأسه نحو اليسار ويقف على قاعدة يستند من الخلف على مسند حجري متصل مع النسر ككتلة كبيرة منحوتة الظهر جيداً، ويبدو أنّ النسر كان يدفع بجناحيه للخلف، كما أنّ اليد الموضوعة على رأسه من الجهة اليمنى تشير إلى وجود شخص مرافق للنسر، وكان الصدر والقائمتان بارزين مع تراجع في الجناحين، والعينان دائريتان كبيرتان ومحززتا المحيط والبؤبؤ دائري، القائمتان غليظتان وقويتان ويظهر عليهما تفاصيل شكلية كخطوط مثلثية مسننة، والمخالب واضحة على القائمة اليمنى، وأصابع اليد الملتصقة بخلفية الرأس متساوية الثخانة تقريباً.

لقد وجدت تمثيلات لـ"عزيزوس" و"مونيموس" في أعمال النحت النافر السوري كما في "بعلبك"، و"حمص"، و"تدمر"، وعلى الرغم من ذلك بقي لهذا التمثيل في "حوران" وظيفة ثانوية مقارنةً مع غيره من العبادات، والنماذج المكتشفة في "جبل العرب" تعطي دفعاً لمسألة إثبات هذا النوع من التمثيل الرمزي للأرباب في المنطقة وعلاقة النسر الدينية الوطيدة، وما حمله من معانٍ وما نعرفه أن الكثير من حضارات المشرق أولته العناية والاهتمام».

تمثال النسر

وعن النسور التي لُفّت حولها الأفاعي، بيّن الباحث الأثري "خلدون الشمعة" بالقول: «كان لتشابك النسر مع الأفعى أو التفافها حوله شعبية وانتشار واسع في "حوران" الذي كان يرمز للنضال اليومي ضد الظلمات، أي مسألة الصراع بين النور والظلمة، وخصوصاً أن النسر أخذ مكانة عالية كما وصفه "هنري سيريغ" بأنه طير السماء ورسول المجد نازلاً من حمى الأرباب، وقد جَسدت صورته مع الأفعى عدداً من الأعمال النحتية المجسمة والنحت النافر بحلة جديدة من خلال نماذج قليلة نسبياً لكنها تكفي لإبراز هذا الجانب، وعلى سبيل المثال النسر في رأسه وقسم من جناحه الأيمن مفقودان والصدر مشطوف، ولم تقتصر النماذج التي مثلت النسر مع الأفعى على النحت المجسم بل نراها في نحت نافر لنسر فارد الجناحين، وتلتف حوله أفعى طويلة في تكوين يعدُّ من الناحية الفنية والشكلية أكثر إتقاناً من جميع النماذج المذكورة، ويتشابه معهم في شكل الريش ذي الصبغة المحلية، ومن خلال الأدلة الأثرية تبيّن أنّ هذا الشكل فقد أهميته في العصر الروماني، حيث لم نعد نشاهد مثل هذه التمثيلات في أعمال النحت في العصر الروماني على الأقل في "حوران"، واتخذ تمثيل النسور في العصر الروماني منحىً جديداً من حيث وضعيته وتكوينه العام على الرغم من أنّ تمثيل النسور وما حمله معه من معانٍ دينية استمر في العصر الروماني آخذاً رموزاً وشعارات بعض الأرباب، وقلّة النماذج المحفوظة بشكل جيد لا تقف عائقاً كبيراً أمام معرفة خصائص هذه المجموعة، إذ لدينا في متحف "السويداء" نموذجان لنسرين واقفين فاردي الجناحين، وهي في النهاية تمثل رموزاً بين النبطي والروماني».