نذر حياته للفن والنقد والبحث، وبفراسة متتبعي الأثر والريشة والألوان التي تأنس لها روحه، جمع الفنان الناقد "أديب مخزوم" مخزوناً فكرياً صاغه بموضوعية ومسؤولية مطلقة، مستخدماً لغة قادرة على رصد وفهم خطوات الفنانين لرفد الحركة الفنية التشكيلية برؤى بصرية عصرية.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "أديب مخزوم" بتاريخ 24 كانون الأول 2018، ليتحدث عن بداياته قائلاً: «بدأت الرسم وكتابة الخواطر الشعرية وسماع الموسيقا الراقية منذ طفولتي، وكانت الصحافة اللبنانية مدرسة كبيرة بالنسبة لي، حيث اكتسبت منها الكثير من الخبرة المهنية على صعيد تطوير النص التحليلي والنقدي التشكيلي والشعري والتوثيق الموسيقي، وهذا يمثّل فسحة لاستشفاف أجواء الثقافة التي اكتسبتها في طفولتي وفتوتي، ومعرفة مدى تأثيراتها في كتاباتي الحالية. لقد تركت محاولاتي الشعرية الأولى تأثيراتها الواضحة فيما بعد على كتاباتي النقدية في الفن التشكيلي، وكوّنت جذور عملي في مجال الكتابة الصحافية. كنا نذهب في أحيان كثيرة إلى المركز الثقافي القديم بـ"طرطوس" لمتابعة الصحف والمجلات والمعارض والنشاطات التي كانت تهمنا. وفي مرحلة الثانوية شاركت بعدة معارض فنية في ذات المكان. كنت ومنذ البداية أجاهر بتمسكي بالأحلام والهواجس الصحفية والتشكيلية والموسيقية والشعرية، فقد تفاعلت وتأثرت بإيقاعات أغاني "آلفيس بريسلي" وفرقة "البيتلز" التي عرفتها وأحببتها في طفولتي وفتوتي، ولا يزال حبي لها واهتمامي بها يزداد يوماً بعد آخر، ولهذا نمت في نفسي العلاقة مع الفن التشكيلي، وتجاوزت حدود التعامل مع الريشة والألوان وسطح اللوحة، وأدخلتني منذ أكثر من 30 عاماً في إطار الكتابة الصحفية عن الفن التشكيلي والإبداع الموسيقي».

يعدّ "أديب مخزوم" محباً للفن، مخلصاً لمهنته وأصدقائه، ومن أهم النقاد الذين كتبوا بالفن التشكيلي، وقد ألّف أهم كتاب عن الفن التشكيلي السوري بعنوان: "تيارات الحداثة في الفن التشكيلي السوري"، وهو بمنزلة وثيقة وطنية، كما أنه فنان تشكيلي له أسلوبه وحضوره الفني في الساحة التشكيلية، ويملك محفوظات مهمة جداً عن الموسيقيين العرب. متعدد المواهب؛ فهو عازف عود متميز

وعن ذائقته الفنية وكيف نمت، قال: «لقد كانت مشاعر الإحساس بجمالية اللوحة الفنية التشكيلية تدفعني باستمرار نحو اختبار قدراتي في الرسم والتلوين، وتدرجت في صياغاتها من الرسم الواقعي، إلى أقصى حالات التجريد اللوني الانفعالي، مروراً بكل الاتجاهات الفنية المعروفة. إلا أنني استقريت في مراحلي الأخيرة على التعبيرية المبسطة، وموضوعي المفضل امرأة على خلفية لونية تجريدية. واستعدت شيئاً مما ترسخ في ذاكرتي من ايقاعات حية قادمة من تأملاتي الطفولية للقوارب المألوفة على شاطئ البحر في مدينتي "طرطوس"».

جانب من مكتبته الموسيقية

ككاتب ومحرّر وناقد كتب بأهم الصحف العربية والسورية، وقال: «لقد نشرت في صحيفة "السفير" اللبنانية منذ مطلع التسعينات، و"دبي الثقافية"، و"الفنون" الكويتية، وحالياً في "الشارقة الثقافية". كما نشرت مقالات عديدة في صحيفة "الهيرالد" التي تصدرها الجالية اللبنانية في "سيدني"، وأنا محرر أساسي في مجلة "الحياة التشكيلية السورية"، وغيرها. وعلى هذا الأساس أنا أنتمي إلى الصحافة الورقية بامتياز، واللافت أن أعداد الداخلين بلا موهبة في مجال إنتاج اللوحة وعرضها يتزايد يوماً بعد آخر، في حين لم يظهر نقاد جدد، مع أن شبكة الإنترنت وفرت فرص النشر للجميع، وعدد النقاد لا يتجاوز واحداً في الألف من عدد العاملين في الرسم والنحت، ومع ذلك يعامل الناقد كأي صحفي، والشيء الأكثر أهمية في الكتابة النقدية العصرية الوصول إلى لغة تحليلية خاصة تعمل على رفد وتغذية الثقافة البصرية برؤى كتابية متطورة ومعاصرة تحمل المستجدات الثقافية اليومية، وتهتم بمسألة أساسية، وهي التماهي مع لغة العين، والوصول إلى الضفاف الإبداعية التي تحرك بقوة الانطباعات المقروءة في العمل الفني؛ عبر الكشف عما يثير ويحرض الفنان والمتلقي معاً، وهذا لا يتم إلا من خلال إيجاد لغة نقدية تحليلية تعطي الناقد فرادة وشاعرية وأسلوبية متجددة ومنفتحة على ثقافة فنون العصر».

وعن تعدد مواهبه، وما أضافته كل موهبة إلى الأخرى، قال: «أنا في الأساس فنان تشكيلي، أكتب النقد بلغة نثرية شعرية انسيابية، وبعبارة أوضح: أنا أكتب النقد شعراً، ومجموعتي الشعرية القادمة عنوانها: "في مواجهة الموديل - النقد التشكيلي في فضاء قصيدة النثر"، عملت فيها على مقاربة التشكيل والنقد بالشعر. التركيز على النص النقدي الشعري لا يعدّ اغتراباً عن اللوحة التشكيلية؛ كما يعتقد بعضهم، وإنما يعدّ مدخلاً ومنطلقاً للبحث في الجوانب الفنية والتقنية والتعبيرية، بلغة ملطفة ومحببة وقريبة من مشاعر وأحاسيس الناس بمختلف المستويات والشرائح والأعمار. المقال النقدي التحليلي يجب أن يخضع للتجريب والاختبار الدائم في خطوات البحث عن تقنيات كتابية متقدمة تتلاءم مع تحولات وتشابكات ثقافة فنون العصر؛ لأن انفتاح الكتابة النقدية على مختلف الفنون يعمل على توطيد وتعزيز وتطوير تعبيرية النص النقدي التحليلي؛ فميدان الحداثة النقدية اتسع كثيراً في هذا العصر بعد أن امتزج الشعر بالموسيقا، والمسرح بالسينما، والقصة بالقصيدة، والرسم بالنحت، والنقد بالجمل الشعرية، كل هذا يجب أن يأخذه الناقد العصري بعين الاعتبار».

حواره مع المطرب وديع الصافي

وعن محطة الاحتراف قال: «أثار بياني التشكيلي الأول، الذي نشرته في مطلع التسعينات تحت عنوان: "مشروعية التشكيل المعاصر والبحث عن نقطة التقاء تثير الروح" ردود فعل متناقضة في الوسط التشكيلي؛ لأن بعض الفنانين والنقاد المنحازين نحو الاتجاهين الواقعي والانطباعي وسواهما، عدّوه خطوة في اتجاه تثبيت دعائم الاعتراف الفعلي بالاتجاهات العبثية التي كانت صاعدة في تلك المرحلة. البيان كان بمنزلة تعبير صادق عن الصراعات الخفية والعلنية القائمة بين التيارات الفنية. نتج عن كتاباتي المستمرة والمتواصلة من دون توقف أو انقطاع منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كتابي الموسوعي والنقدي "تيارات الحداثة في التشكيل السوري"، ومجموعة شعرية نثرية، وخمسة كتب نقدية قيد الطبع، وآلاف الدراسات والمقالات والحوارات والزوايا المنشورة في الدوريات والمجلات والصحف المحلية والعربية».

وعن رصيده الفني قال: «لقد أجريت حوارات مطولة مع كبار رموز الفن التشكيلي في "سورية"، منهم: "فاتح المدرس"، "ناظم الجعفري"، "ممتاز البحرة"، "عمر حمدي"، "أسعد عرابي"، "غسان السباعي"، "عبد المنان شما" وغيرهم، كما حاورت بعض كبار نجوم الموسيقا والغناء، منهم: "وديع الصافي"، "صباح فخري"، "صباح"، ومن جهة أخرى قمت بتجسيد بورتريهات لبعض كبار عباقرة الموسيقا والغناء، أمثال: "محمد عبد الوهاب"، و"فريد الأطرش"، وغيرهما، إضافة إلى تجسيد بورتريهات لبعض الإعلاميات اللبنانيات وخاصة "أنجيليك مونس"، والناشطة الثقافية اللبنانية المغتربة "كوليت اسكندر سركيس"».

من أعماله

الفنان التشكيلي "موفق مخول" تحدث عن رأيه بفن "مخزوم"، وقال: «يعدّ "أديب مخزوم" محباً للفن، مخلصاً لمهنته وأصدقائه، ومن أهم النقاد الذين كتبوا بالفن التشكيلي، وقد ألّف أهم كتاب عن الفن التشكيلي السوري بعنوان: "تيارات الحداثة في الفن التشكيلي السوري"، وهو بمنزلة وثيقة وطنية، كما أنه فنان تشكيلي له أسلوبه وحضوره الفني في الساحة التشكيلية، ويملك محفوظات مهمة جداً عن الموسيقيين العرب. متعدد المواهب؛ فهو عازف عود متميز».

يذكر، أن الفنان التشكيلي الناقد "أديب مخزوم" من مواليد "طرطوس"، عام 1962.