بدقةٍ وإتقانٍ كبيرين، استطاعت تصويرَ جانبٍ جماليٍّ من التاريخ السّوري، حيث تركت بصمتها اللافتة في حرفة الضغط على النحاس، إضافةً لأعمالها الفنية الأخرى التي لم تكن أقلّ جمالاً من اللوحات النحاسية التي تصنعها بكلّ شغفٍ وحبّ.

مدوّنةُ وطن "esyria" تواصلت مع الفنانة التشكيلية "تغريد بلال" بتاريخ 1 نيسان 2020 لتحدثنا عن مسيرتها الفنية فجاء في حديثها: «درست في معهد الفنون النسوية في مدينة "حمص" وتخرجت منه عام 1996، ثم تابعت في مركز "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية، عملت بمجال التدريس لسنوات عديدة ثم انتقلت للتعاقد مع الاتحاد النسائي وإعطاء دورات تدريبية للنساء في المنطقة، وتنقلت بمجال التدريب مع عدة منظمات وجمعيات آخرها كان منظمة الـ"UNDP"، كانت أعمالي متعددةً سواء في مجال السيراميك والرسم على الفخار، إضافة إلى العديد من الأعمال اليدوية مختلفة الخامات وأيضاً مارست النحت والرسم والضغط على النحاس، ثم انتقلت نشاطاتي إلى محافظة "طرطوس" وكان أولها تأسيس جمعية "المهن اليدوية" في "اتحاد الحرفيين" وكنت بمنصب رئيسة الجمعية لعدة سنوات، بعدها ترشحت لعضوية المكتب التنفيذي في اتحاد الحرفيين أيضاً».

زرت الفنانة في جناح الصناعات اليدوية في معرض "دمشق الدولي" واطلعت على فنّ عريق يجسد التاريخ السوري منذ حبقة زمنية قديمة، وحاولت الحصول على بعض المقتنيات من كافة المهن اليدوية الموجودة إذ نحتاج لمثل هذه الفنون في منازلنا أو حتى أماكن العمل لأنها تعطي صورة جميلة وحضارية عن الفن السوري، وبالفعل كان الضغط على النحاس من أميز الحرف التي تتنافس فيما بينها لإثبات ذاتها في عالم الفنون التشكيلية، ولا سيّما في الدقة والجهد الذي يحتاجه اللّوح ليتحول إلى لوحة فنية متجانسة وجميلة

وأما عن شهاداتها وأعمالها في الضغط على النحاس قالت "تغريد": «حصلت على شهادة مبدعة من جمعية "المخترعين السوريين"، وشهادة أخرى قدمت لي بسبب مشاركتي في "معرض دمشق الدولي" عام 2002، كما حصلت على الميداليتين الفضية والبرونزية أثناء معرض "الباسل للإبداع والاختراع" عام 2009، وتمّ تكريمي بشهادة تقديراً لتحدينا الحرب بمتابعة مشاركاتنا أنا وزملائي في إقامة المعارض من اتحاد "المصدرين العرب"، وأيضاً شهادة تقديراً من "الهيئة العامة لإدارة المشاريع المتوسطة والصغيرة"، وشهادة شكر وتقدير من ملتقى النحت بعنوان "تدمر بوابة الشمس" المقام في "طرطوس" عام 2016، وأما عن أعمالي الفنية مؤخراً فقد انحصرت في مجال الضغط على النحاس لما يميز هذه المادة من تحدٍّ في استخدامها، فهي مادة معدنية يصعب تطوعيها وخاصةً النحاس الأصفر منها، فكانت بداية مشروعي في توثيق التاريخ السوري منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا».

تغريد بلال وأديب مخزوم في أحد معارض طرطوس

وأكملت "بلال": «ومن أهم الأعمال التي قمت بصناعتها هي لوحة للملكة "زنوبيا" والإمبراطورة "جوليا دومنا"، ولوحة لـ"سرجون الأكادي" مؤسس الدولة الآكادية، وأيضاً لوحة "فينوس" آلهة الجمال عند اليونان، ولوحة عالمية عنوانها "على جسر البرتغال"، حيث أضفت لأعمالي بعضاً من الفن الروسي ومن الفراعنة المصريين، وما زلت أتابع مشروعي في التوثيق لأحصل على مجموعة لحقبة زمنية مهمة في تاريخنا السوري، وما زلت أمارس إلى جانب الضغط على النحاس النحت على الخشب وأعمالاً يدوية فنية في مادة (الريزين) وصنع الحليّ منها».

وتابعت "بلال": «شغلت منصب عضو في جمعية "المخترعين السوريين"، كما كنت عضواً في "الجمعية السورية للمعلوماتية"، قمت بعدها بالتعاون مع دائرة "تنمية المرأة الريفية" لتدريب النساء في المناطق النائية، أما حالياً فأنا متعاقدة مع جمعية "البتول" ومنظمة "UNFPA"، شاركت أعمالي في الكثير من المعارض التي يصعب عليّ ذكرها جمعيها ولكن كان أهمهما معرض "الباسل للإبداع والاختراع" في معرض "دمشق الدولي"، معرض "سيدات الأعمال يتحدين الأزمة"، معرض خيري أقيم في فندق "الشيراتون"، معارض متعددة مع وزارتي السياحة والثقافة، كما شاركت في أغلب المهرجانات التي كانت تقام في المحافظات كمهرجان "الربيع" في "حماة"، ومهرجان "القلعة والوادي" في "حمص"، والمهرجان التراثي في محافظة "طرطوس"».

صورة لجبران خليل جبران تتضمن (بورتريه) وضغطاً على الفضة

"أديب مخزوم" ناقد وفنان تشكيلي قال: «أهمية تجربة الفنانة "تغريد بلال" تأتي من قلة وندرة العاملين في مجال الضغط أو الطرق على النحاس، هذا الفن العريق في شرقنا العربي، ولا سيّما وأنها أخلصت لهذا الفن، واستقرت عليه، رغم مشقة التعامل معه ومتطلباته، وصعوبة نقل هذه الألواح وخاصة على المرأة، وكانت لها مشاركة هامة في أكبر مهرجان أقمناه، في "دمشق" و"طرطوس" خلال عام 2018 للعالمي "جبران خليل جبران" حيث تميز بحضور جماهيري وإعلامي منقطع النظير، كما كانت لها مشاركة في حفل تكريمي بـ "دمشق" برعاية وزارة الثقافة عام 2019، إلى جانب مشاركتها الأخرى في بورتريه "جبران"، فحققت عناصر الشبه بدرجة كبيرة، واستطاعت التعبير عن حالته النفسية، من خلال خطوط وتقاسيم وملامح وجهه وتعابير عيونه، أما عن الناحية التقنية، فهي تعمد إلى تجسيد الوجوه والعناصر الإنسانية وغيرها بواسطة الطرق على اللوح لتبرز الأشكال نافرة وقريبة من (الرولييف) الجداري، ولقد استطاعت كشف أسرار تقنيات هذه الألواح الصلبة من خلال تجربتها الخاصة، وباتت قادرة على تطويعها وتليينها وإبراز التفاصيل والتحديدات بصياغة تشكيلية، تلتقي مع الفنون القديمة والحديثة في آن واحد، وفي خطوات إنجاز عملها تحركها مشاعرها وحسها الفطري، بعيداً عن القواعد الأكاديمية الجامدة، وتمنح عملها تموجات الظل والنور الناتجة عن الحفر الغائر والبارز، فوق السطح المعدني اللامع بكل ما يتطلبه من مشقة و جلد وصبر، ولولا عشقها المزمن والمتجدد والنادر لهذه المادة الصلبة، لما استطاعت مواصلة العمل على هذه السطوح المعدنية، وإبراز تموجاتها ولمعانها وإيقاعاتها الموسيقية».

"ميرنا أسعد" إحدى زبائن الفنانة "تغريد بلال" قالت: «زرت الفنانة في جناح الصناعات اليدوية في معرض "دمشق الدولي" واطلعت على فنّ عريق يجسد التاريخ السوري منذ حبقة زمنية قديمة، وحاولت الحصول على بعض المقتنيات من كافة المهن اليدوية الموجودة إذ نحتاج لمثل هذه الفنون في منازلنا أو حتى أماكن العمل لأنها تعطي صورة جميلة وحضارية عن الفن السوري، وبالفعل كان الضغط على النحاس من أميز الحرف التي تتنافس فيما بينها لإثبات ذاتها في عالم الفنون التشكيلية، ولا سيّما في الدقة والجهد الذي يحتاجه اللّوح ليتحول إلى لوحة فنية متجانسة وجميلة».

تجسيد لمارجرجس

يذكر أنّ "تغريد بلال" من مواليد "حمص" عام 1975، وتقيم في "طرطوس".