لم يتلق تعليمه أكاديمياً عندما بدأ النحت، إنما موهبة فطرية اكتشفها مبكراً، وطورها بالجد والممارسة والتفرغ التام، حتى أصبح واحداً من أهم النحاتين على الساحة الفنية والثقافية السورية والعربية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 أيلول 2020 النحات "عيسى سلامة" ليحدثنا عن مشواره من بداياته حيث قال: «أكثر من خمس كيلو مترات كنت أقطعها في طفولتي بين الجبال والوديان للوصول إلى مدرستي، وعند عين ماء تدعى "عين غدران" لطالما استوقفني مقلع قديم للحجارة كان يقصده البناؤون لأخذ حجارتهم، وأنا كنت ألتقط الحجارة الصغيرة لأقوم بنحتها وتشكيلها دون الرجوع إلى معلّم، فمجرد النظر إلى أشكال البشر والحيوانات كان يكفيني لنحتها، وموهبتي الفطرية أخذت بالتطور والتوسع، وهنا أذكر قصة غضب والدي حين وجد منحوتاتي أثناء حراثته لأرضنا في أعلى الوادي، وهي عبارة عن مزرعة زيتون، كنت أستمتع بالجلوس تحت أشجارها وأنحت ما يخطر لي من أشكال، وأخبئها حتى لا يتم اكتشافها وبالتالي يكتشف أمر غيابي عن المدرسة».

يتضح في بعض تشكيلات "سلامة" حينما وظف الخطوط المنحنية والأفقية والرأسية في واحدة من أعماله كانت غاية في التشكيل الرمزي، ليكوّن بالتالي وحدةً زخرفيةً أو تشكيليةً مفعمةً بالتعبير وممتزجةً بالحياة، فالعمل النحتي ما هو إلا حياة داخل الحجارة الصماء، وروح يتتبعها الفنان فيخرجها من عمق اللاوضوح الى الوضوح

ويتابع: «بعدئذٍ تابعت دراستي في مدرسة قرية أخرى، لكن شغفي للفن والنحت كان في حالة تطور دائمة، وفي إحدى المرات قمت بنحت رأس من الحجر الغوراني، ووضعته على قاعدة متحركة، وجعلته يدور عليها، وقد لاقى عملي هذا إعجاب وتقدير مدير المدرسة الذي احتفظ به في غرفة الإدارة للذكرى، والحقيقة أن أدواتي في بداياتي كانت بسيطة جداً، منها سكين قدموسية لها مقبض مع نصل، صنعت لها بيتاً من حقيبة جلد قديمة، وقد خبأتها لآخذها معي عند ذهابي إلى الكروم في العطلة الصيفية، لقد كانت أداتي ووسيلتي المتواضعة للنحت حينئذٍ.

النحات "سلامة" أثناء العمل

فن النحت بالنسبة إليّ هو موهبة فطرية، وباعتقادي أن الموهبة هي الأساس في الفن، فالدراسة الأكاديمية قد تكون مهمةً، لكن في غياب الموهبة ستبقى علماً نظرياً بلا قيمة، ومن الموهبة يستمد الفنان عظمته وعبقريته».

ويختم قوله: «بكل صدق لم أتأثر بأحد باستثناء النحاتين التدمريين، لكنني كنت معجباً بالنحاتين "رودان"، و"مايكل أنجلو"، و"هنري مور"، والفنان "كاندنسكي"، ومع تطور تجربتي النحتية وازدياد خبراتي، أصبحت بفني أفرض تواجدي على الساحة أينما حللت، وأصبحت أعمالي حاضرةً بقوة في ملتقيات النحت والمسابقات المتنوعة والكتب الضخمة، وأخذت أتلقى الدعوات وأحصد التكريمات والجوائز والدروع والميداليات في مختلف الفعاليات والأنشطة الثقافية والمناسبات على امتداد الأرض السورية وخارجها، منها ملتقى معرض "دمشق" الدولي في العامين 2002 - 2003، ومهرجان "طرطوس" السياحي الثاني، ومهرجان "المحبة" عام 2004، وغيرها الكثير من المشاركات المتواصلة حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى أحد عشر معرضاً فردياً، وخمسين معرضاً جماعياً».

من شهادات التقدير

الناقد الفني د. "حازم عبودي السعيدي" قال عنه: «تشير منحوتات الفنان "سلامة" الى محاكاة الواقعية، إلا أنها تبدي نزعتها الرمزية بشكل واضح من خلال الشكلية المنتخبة فيها، والمعتمدة أصلاً على الخطوط الحادة، فكان شرط بنائها ضرورة التأثير على الآخر إزاء ما تثيره من شعور، فضلاً عن ذلك فالعمل النحتي لديه يوصف بما تدركه الذات العارفة، وبما تحققه من جاذبية واستمتاع، لذا فإن الانفعالات الواردة من الفنان تجاه أعماله، تتناسب ومضمونها التعبيري كلما دققنا النظر في تشكيلاته من المادة والموضوع، وتعرفنا أكثر على قدرته التعبيرية التي تحيا إزاء الخطوط والمساحات والكتل بحجومها، وهي ليست سوى فعل جمالي يستحق منا متابعته. الموضوع النحتي لديه يكمن في صميم نسجه وتركيبه، ولا يمكن أن يكون ذو معنى منفصل عن الفكرة في العمل، ونراها سمةً واضحةً في التكرار النحتي الذي اتخذه الفنان، فهو يكرر رؤوس البشر أو الأشخاص في المنحوتة الواحدة، بغية التوصل إلى شكل الموضوع ومضمونه في توليفة الخلق النحتي، ولما يمكن تلخيصه عن دلالات المضمون والعودة الى البدايات الإنسانية والبشرية الأولى في الحضارات القديمة التي عرفها التاريخ بالترابط والنقل، حيث قدرات النحات تدفعه الى ذلك الترابط بين الجمال والفن».

ويتابع: «يتضح في بعض تشكيلات "سلامة" حينما وظف الخطوط المنحنية والأفقية والرأسية في واحدة من أعماله كانت غاية في التشكيل الرمزي، ليكوّن بالتالي وحدةً زخرفيةً أو تشكيليةً مفعمةً بالتعبير وممتزجةً بالحياة، فالعمل النحتي ما هو إلا حياة داخل الحجارة الصماء، وروح يتتبعها الفنان فيخرجها من عمق اللاوضوح الى الوضوح».

من الجدير ذكره أن النحات "عيسى سلامة" من مواليد مزرعة "الدريكية" في ريف "بانياس" عام 1962، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية"، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، وقد تفرغ كلياً للنحت منذ العام 1987.