"عودة إلى الطبيعة، باستخدام أدنى حدّ ممكن من المواد الكيماوية"، هو تعريفه المختصر لمفهوم "الزراعة العضوية"، وفي مزرعته التي تبعد عشرين كيلومتراً عن مدينة "طرطوس"، عاد أيضاً بالعديد من الأصناف النادرة للأشجار المثمرة، التي جمعها خلال سفره وطوّر بعضها، التي أوصلته إلى هذه المرحلة شبه الخالية من الكيماويات.

فالمهندس "حسين سلامة" هو رائد هذه الزراعة في محافظة "طرطوس"، وعلى الرغم من عدم وجود فائدة مادية تذكر مقارنة بالجهد والتكلفة التي يبذلها في هذا المجال، لديه قناعة تامة بضرورة التوجه نحوها، لأهميتها البيئية حالياً والاقتصادية في المستقبل القريب.

تمّ تأمين هذا الصنف من "الدراق" من مصادر مختلفة، وأفضل ما نتج لدينا في المزرعة طفرة خاصة، تعتبر مناسبة لمناخ الساحل، وذات ثمار بحجم ولون وطعم ممتازة، من حيث مقاومة الأمراض، الإنتاجية والنوعية، ولا تمتد أشجاره للأعلى، ويمكن أن يحتوي البيت البلاستيكي على أعداد كبيرة منها

ومع أنّ زيارتنا له كانت للتعرف على كيفية إنتاج مادة "التورب" التي ينتجها من بقايا التقليم، لتستخدم كسمادٍ عضوي، تابعنا الحديث في مجال زراعته، التي تعدّ الأساس، وما يقول عن تطور علاقته بالزراعة، فشرح: «كنت موظفاً وابن لمزارع، يحبّ الأرض وينتج منها، وكان والدي متطوراً بأعماله الزراعية ويهوى التحديث، فنشأتُ أيضاً وفق هذه المبادئ، وخلال حياتي كنت أسافر شرقاً وغرباً، وأطّلع على ما في الطبيعة من أعمال زراعية متطورة، وأجلب ما أتمكّن من أصناف غير متوافرة في بلدنا، فيقوم والدي بزراعتها والعناية بها، أو تطعيمها على غراس بلدية، حتى أصبح في مزرعتنا أصناف مختلفة من الأشجار المنتجة، فتبنّينا ما هو مناسب اقتصادياً للسوق وللبيئة المحلية، وأصبحنا ننتج شتولاً لزراعتها في المزرعة، وتسويق ثمارها بأسعار اقتصادية».

تجميع الثمار التالفة وتخميرها

أما الأصناف المهجنة الجديدة المناسبة للبيئة الساحلية، فقد جاءت من خلال جهود مشتركة، كما يوضح: «زوجتي أيضاً مهندسة زراعية تهتم بالبيئة كثيراً، وطورت كثيراً طرق تهجين واستثمار طفرات بعض الأشجار، لإنتاج أجيال جديدة متقدمة جداً على ما كنا قد بدأنا به أولاً، وعلى الأصناف التي أتينا بها من بلدان مختلفة، قريبة من خط الاستواء؛ "مدارية أو شبه مدارية"، تبدأ من "البرازيل، الأرجنتين، أوروبا، اليابان، الصين، مصر، المغرب" وغيرها من البلدان العربية».

من خلال جولتنا في حقول المزرعة، لاحظنا وجود صفوف مختلفة الأنواع من الأشجار المثمرة، منها أصناف مهجنة أو ما تسمى "مقزمة" تنمو إلى ارتفاع معين بإنتاج جيد ونوعية أفضل، وكلامه عن هذه التجربة أوضح أنّ في تلك المساحات ميزة إضافية: «إنّ الأرض الخصبة بالمواد العضوية الناتجة عن طحن بقايا النباتات، تعتبر من الأراضي القوية التي يمكن استغلالها لزراعات إضافية مختلفة بين الأشجار المثمرة، بحيث لا يتعارض نمو ما هو مزروع مع نمو الأشجار المثمرة، وبالتالي يمكن زراعة أشجار متساقطة الورق بين أشجار دائمة الخضرة، والحصول على محصولين مختلفين، وباقتصادية معقولة، فيمكن مثلاً زراعة الحمضيات مع "الدراق أو الخوخ"، أو زراعة "الدراق" مع "الزيتون" عندما تتوافر المياه، وهي تجربة رائدة واقتصادية، وتقدم دخلاً ممتازاً في ظروفنا المناخية الساحلية للمزارع».

ثمار "دراق" بقشرة خالية من الوبر

فهل هناك حاجة لمبيدات كيماوية في "الزراعة العضوية"؟ بحسب كلامه فالأسمدة العضوية السائلة تزيد من مقاومة النبات، وحتى في حال الحاجة لمبيد ما، فهو نوع لا يؤثر على الطفيليات المسماة "الأعداء الحيوية" التي تسيطر على بعض الآفات، بالإضافة لمصائد مبتكرة تبعد الطيور التي تتلف الكثير من الثمار: «نستخدم نوعين من المصائد متعددة الوظائف؛ "الفرمونية" التي تؤدي إلى عقم ذكور وإناث "ذبابة الفاكهة"، و"الخيش" المنقوع بمواد جاذبة لـ"ذبابة الفاكهة" وسامة لها، وطاردة للعصافير، بغية عدم ملامسة المواد السامة للثمار المنتجة، وهذه المصائد تخفف بالتالي من الحاجة لرش المبيدات، وتمكّن من استخدامها بعيداً عن الثمار إذا دعت الحاجة، وذلك ضمن "خيش" أو طعوم سامة، والمبيدات المسموح بها حيوياً، هي من أصول نباتية».

التربة الخالية من آثار المبيدات هي أيضاً سبب مباشر لإنتاج الثمار الطبيعية، وهو ما يشكل بدوره حلقة هامة في سلسلة "الزراعة العضوية"، هذا ما أشار إليه عند اقترابنا من رقعة من الأعشاب: «بالنسبة للأعشاب التي تنمو بفعل الأمطار شتاءً وربيعاً وصيفاً، نقوم بتخفيفها وتفتيتها بواسطة آلة جزّ العشب، بحيث نحصل على مواد تغطي سطح التربة وتغذيها وتمنع تبخر الماء منها، وبالتالي تصبح التربة خصبة لتغذية الشجر، ونستفيد من الأعشاب الضارة بتحويلها إلى مواد عضوية نافعة، ودون استخدام مبيدات الأعشاب، التي تترك آثاراً على الشجر والبشر».

المهندس "نضال ديب"

ربما شعرنا بالأسف عند رؤية بعض الثمار المتناثرة بفعل الرياح، والتالفة في أرض المزرعة، لكنّ الركن الذي انتقلنا إليه بيّن أنّ تلك الكميات وجدت عملاً لها، حيث تتخمر في أوعية بلاستيكية، وتكون مصدراً لنواتج عضوية سائلة تضاف إلى شبكة الري، في حين توضع بقاياها بعد ذلك على جذوع الأشجار كسماد عضوي أيضاً، ويضيف عنها خبير "الزراعة العضوية": «تتمة للاختصار الشديد لموضوع الأسمدة المعدنية، واستبدالها بالأسمدة العضوية المنتجة محلياً، أصبحنا نستخدم مستخلصات نباتية، تحتوي على مواد مضادة للحشرات والجراثيم، بخبرات محلية وبمواد مستوردة من الخارج، وكما تلاحظ فإنّ هذه المستوعبات تحتوي على مواد نباتية نأخذ منها خلاصات عضوية، تبيّن بالتجربة أنها نافعة لمكافحة الحشرات والفطريات».

خطوة جديدة في مجال "الزراعة العضوية" ربما لم يكن ليكشف عنها، لكنّ عمل شركة الخلوي جاء لمصلحتنا هذه المرة، حين قاطعت حوارنا مكالمة هاتفية، تحدث خلالها عن الجمعية: «تتم حالياً دراسة موضوع إنشاء جمعية تتبنى "الزراعة العضوية"، خاصة بالنسبة لأشجار "الدراق"، وأعضاء هذه الجمعية مجموعة من المهندسين والمزارعين الذين بدؤوا يشتغلون بهذه الزراعة، وقد شاركنا عام 2008 بمعرض "وزارة الزراعة" في محافظة "طرطوس"، بمنتجاتنا من أصناف الفاكهة الموجودة لدينا في المزرعة، ونلنا المركز الأول».

عدة أصناف مبكرة وخصائص أفضل للثمار من أصناف أثبتت نجاحها في مزرعته، لكنّه يخص "الكرمة والدراق" بالحديث لأهميتها الاقتصادية: «تمّ تأمين هذا الصنف من "الدراق" من مصادر مختلفة، وأفضل ما نتج لدينا في المزرعة طفرة خاصة، تعتبر مناسبة لمناخ الساحل، وذات ثمار بحجم ولون وطعم ممتازة، من حيث مقاومة الأمراض، الإنتاجية والنوعية، ولا تمتد أشجاره للأعلى، ويمكن أن يحتوي البيت البلاستيكي على أعداد كبيرة منها».

وهو الصنف الذي رافقنا للتعرف على تجربته في البيوت البلاستيكية، عند المهندس "نضال ديب" الذي يراقب موسمه الأول باهتمام، فهو أحد المتابعين لمستجدات عمله، ويقول عن أهمية "الزراعة العضوية": «تتميز الزراعة التي يعتمدها المهندس "حسين"، باستخدام قليل جداً للمبيدات، ومشاكلها الحشرية والفطرية قليلة، فلديه مزرعة متكاملة، وهو قديم في هذا المجال، ويقوم بإنتاج المواد العضوية اللازمة، بالاستفادة من جميع مخلفات الزراعة، حيث كان اعتماده الأساسي بداية على "الدراق والكرمة المبكرة"، إضافةً إلى أصناف مختلفة يجري تجارب عليها».

فكيف استفدتم من تجربته؟ يوضح: «زراعتنا الأساسية هي المحمية، لكنها لم تعد اقتصادية، وبالنسبة لنا هي مسألة وقت، لأننا على قناعة تامة من موضوع "الزراعة العضوية"، حيث بدأنا بهذا المجال منذ حوالي عامين مع صنف من أشجار "الدراق"، لذلك توجهنا نحو الأشجار المثمرة، وخاصة كزراعة مبكرة، فإذا تمّ فتح سوق لها، ستزداد المساحات المزروعة في المستقبل، ويمكن فتح أسواق خارجية أيضاً، والزراعة في هذه الفترة تفرض أن نعمل بهذا المجال، كما أنّ لديّ قناعة بزراعة "التفاح المبكر"، وقريباً سنبدأ به، من خلال إزالة حوالي ثلاثين بيتاً بلاستيكياً».

هل واجهتكم معوقات معينة؟ يبين: «لا توجد أية صعوبات بالنسبة لهذه الزراعة، وبدايةً هناك موضوع الكلف، وبالنسبة لخدمتها فهي سهلة جداً، وأكثر المواد المستخدمة للتسميد هي عضوية بشكل أساسي، سواءً مع الماء أو باستخدام مادة "التورب" للتربة، وهذا الصنف من أشجار "الدراق" مبكّر ومبشّر، ونأمل أن يكون له سوق لاحقاً، فهو ينضج قبل نضج أيّ صنف مزروع في الداخل، دون وجود ما يزاحمه في فترة إنتاجه».