تشربت الفن منذ الصغر، وإصرارها على صعود قطار الحياة العملية ساهم ببروز أفكارها الفنية المبتكرة؛ وذلك بإعادة تدوير الأقمشة البالية، وتحويلها إلى منتجات راقية، أو مشغولات تزيينية ترافق ربة المنزل.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 أيلول 2017، مع الحرفية "ريما معروف" التي حولت الهواية إلى مشروع ربحي صغير، بعد أن أبت الانتظار للحصول على وظيفة حكومية، متجهة بذلك إلى سوق العمل بروح فنية حملتها منذ الصغر، وتقول عن بداياتها بهذا المجال: «اعتدنا أن نلبس من خياطة والدتي، وخاصة في المناسبات العامة والخاصة، وأتذكر أنني كنت ألبس الفستان وأقف أمام المرآة مطولاً أنظر إلى شكلي، والفرحة التي كنت أشعر بها قد عادت من جديد عندما أنهيت أول قطعة اشتغلتها، وكانت عبارة عن حقيبة نسائية مشغولة بالخرز، وقد أخضعتها لجلسة تصوير، وأضفتها إلى "ألبوم" أعمالي المستقبلي».

اعتدنا أن نلبس من خياطة والدتي، وخاصة في المناسبات العامة والخاصة، وأتذكر أنني كنت ألبس الفستان وأقف أمام المرآة مطولاً أنظر إلى شكلي، والفرحة التي كنت أشعر بها قد عادت من جديد عندما أنهيت أول قطعة اشتغلتها، وكانت عبارة عن حقيبة نسائية مشغولة بالخرز، وقد أخضعتها لجلسة تصوير، وأضفتها إلى "ألبوم" أعمالي المستقبلي

وتابعت حديثها عن كيفية تعلمها وحبها لمهنة الخياطة بالقول: «بعمر الخامسة عشرة، قضيت العطلة الأسبوعية مع عمتي المعروف عنها حرفيتها ومهارتها بالخياطة، فهي خياطة ماهرة، رشفت بعض هذا الفن وتعلمت الأساسيات، ثم توقفت بسبب متابعتي لدراستي، فبعد أن حصلت على الشهادة الثانوية دخلت المعهد الهندسي، واشتغلت بشهادتي عدة سنوات. وشاءت الظروف أن أتزوج وأنجب أطفالاً، وفي الوقت نفسه قررت أن أتابع دراستي وأحصل على شهادة جامعية، فسجلت تجارة واقتصاد، وبعد تخرجي كانت فرصة إيجاد عمل ضمن اختصاصي أمراً نادراً، فقطار العمر فاتني ولم ينتظرني لأنهي واجباتي الأسرية ليصبح أطفالي قادرين على الاعتماد على أنفسهم، وقلّت فرص التعيين بمؤسسات الدولة، ولأنني أرفض الجلوس في البيت والانتظار، وأرغب أن أدخل ضجيج الحياة العملية وأستمتع بصخبها، فأنا إنسانة تحب الحياة وترغب بالعمل. وبالمصادفة كنت أشاهد فيديو عن كيفية شغل حقيبة نسائية بالإبرة والخيط، فأقدمت على شغل حقيبة مشابهة لها وبعتها، وكنت أحفظ معظم الفيديوهات التي تعجبني لأطور أفكاري، وبعد أن بعت عدة حقائب نسائية تمكنت من شراء ماكينة خياطة تسهل عملي، وبتشجيع من زوجي وعمتي التي كانت تمدني بالكلف والأقمشة المقصوصة والتالفة للتزيين، قررت الانطلاق بهذا المجال مبتعدة عن التقليد إلى ابتكار "الموديلات" التي أراها ملائمة، مستخدمة الأقمشة التالفة والمتوفرة عندي أو لدى المحيطين بي من جينز وغيرها، وذلك لشغل حقائب نسائية ذات طابع عصري وإكسسوارات للزينة ومنتجات تزيينية للبيت، كالوسائد وغيرها، وبعض المشغولات اليدوية التي تستخدمها ربة المنزل في المطبخ، وبدأت التردد إلى محال الألبسة الأوروبية المستعملة لانتقاء ما يناسب أفكاري، فالأقمشة الأوروبية منوعة وأرخص وتتميز بجودة عالية، وألوانها جميلة وثابتة، ومع الخبرة بدأت أعرف كيفية انتقاء الأقمشة التي تتماشى مع المنتج الذي سأصممه، فالأقمشة التي تحوي مطاطاً تحتاج إلى مهارة ووقت طويل أثناء الخياطة، أما الأقمشة القطنية، فإنها طيعة بين يدي. وخلال عملي تعرفت إلى خبراء بهذا المجال ومدوا لي يد المساعدة، وعلموني كيفية التحايل على القطعة القماشية وأمور أخرى، فالخبرة بعلم الأقمشة هي علم بحد ذاته، وتحتاج إلى تدريب».

بعض المنتجات اليدوية المشغولة بروح عصرية

وعن طريقة تصريف المنتجات، أضافت: «بدأت أعمالي تباع في السوق، وبعدة طرائق، إما بفضل زملاء لي اشتروا من منتجاتي، أو من خلال عرضهم بالمحال، وخاصة التي تبيع فضة وإكسسوارات للتزيين، لأنها مشغولة بطريقة فنية مستوحاة من روح الماضي وعبق الحاضر. وفي المدة الأخيرة بدأت التردد إلى الأسواق لمشاهدة الأقمشة العصرية، فكنت أشتري "الموديلات" القديمة التي تتميز بأقمشة جيدة وألوان مميزة، وأعمل على إعادة تشكيلها كحقائب نسائية أو إكسسوارات لتتزين بها الصبية، أو تزين ربة المنزل بيتها، وتكون منوعة تلائم هذا الزمن ولا تتشابه مع الموجود في الأسواق».

والتقينا الطالبة الجامعية "يارا حرفوش" التي أعجبت بمنتجات الحرفية "ريما"، وعن هذا قالت: «تعرفت إليها منذ بداياتها بهذا المجال، حيث اقتنيت عدداً من الإكسسوارات المشغولة من توالف الأقمشة، وحقيبة من الجينز المشكوك بالخرز. تميزت منتجاتها بلمسة فنية جميلة وبسيطة، وأنا كطالبة جامعية تشدني الحقيبة النسائية الأنيقة التي تخدمني وتتناسب مع لباسي العصري، ولا يوجد مثيل لها في السوق، فأعمالها لا يمكن أن تتشابه، وهناك دائماً شيء جديد ومبتكر سواء بـ"الموديل" أو نوعية القماش».

حقيبة نسائية

وتواصلنا مع الحرفي الخياط "مصطفى فريحة" الذي له باع طويل بهذا المجال، وقام بتخريج عدد كبير من الحرفيين العاملين بمهنة الخياطة، وعن رأيه بالحرفية "ريما" قال: «تعرّفتها عندما أتت لتطلب مساعدتي بمجال الخياطة، ووجدت صعوبة لإقناعها بالعدول عن رأيها، فالمهنة صعبة وتحتاج إلى صبر من المعلم والمتعلم، وأنا أصبحت بعمر لا يسمح لي بالتعليم، لكن الإصرار الذي وجدته عندها والرغبة التي أظهرتها لتتعلم، جعلاني أحترمها كثيراً، فهي لم تكن تسمع إلا صوت موافقتي. بدأت معها من الأساسيات، فكل معلم له طريقته بالعمل، ثم علمتها طريقة الدرز وكيفية التحايل على الأقمشة، وتركيب سحاب للحقائب النسائية بطريقة فنية ومتقنة، وهنا تكمن مهارة الحرفي وإتقانه لعمله، فالقطعة النظيفة يدفع الزبون سعرها من دون نقاش. علمتها كيف تعدل على "الموديل"، وعلمتها خفايا هذه المهنة، فكما هو معروف لكل مهنة خفايا، وفاجأتني بفكرة إعادة التدوير، فهي تحتاج إلى شخص مبدع وخلاق قادر على التخيل والابتكار، وهي تمتلك مواصفات المبدعة، ولم يكن هناك "موديل" يشبه الآخر، وتدهشك بجودة ونظافة منتجاتها، ولو لم تكن تحب هذه المهنة، لما نجحت».

يشار إلى أن "ريما معروف" شاركت بالمعرض الأخير الذي أقيم بسوق المهن اليدوية في "طرطوس القديمة"، وهي من مواليد مدينة "طرطوس" 1978، خريجة تجارة واقتصاد.

من مشاركتها بالمعرض الأخير الذي أقيم بسوق المهن اليدوية بطرطوس