ابتكر الحرفي "زياد الزقة" أدوات عمله المعقدة في قصّ ولحام السفن الغارقة تحت الماء، بطرائق بسيطة سهلة التعامل والإصلاح، موفراً الوقت المهم خلال العمل تحت الضغط البحري العالي، والجهد المستهلك للقدرة، والمال بالقطع الأجنبي.

المهنة الأساسية للعائلة في خراطة المعادن والحدادة الصناعية الثقيلة كانت النواة التي تأسس عليها، لكنه لم يكتفِ بها، فطوّر مهاراته وأدواته ليغدو المتفرد والمتميز بدقة عمله، بحسب ما أوضحه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 تشرين الثاني 2018، وأضاف: «منذ الصغر تعلّمت وإخوتي مهنة خراطة المعادن الثقيلة واللحام الصناعي، لتبقى متوارثة بين أجيال العائلة، فهي مصدر رزقنا ويجب المحافظة عليها والتميز بها وتطويرها باستمرار.

نتيجة محبتي للصيد البحري في الأعماق وسوء أدواته صمّمت بندقية صيد دقيقة الإصابة وذات عمر مديد مع صفر أعطال، حيث قمت بإنشاء مجرى حاضن للسيخ "المقذوف" على طول البندقية، مهمته تثبيت مساره لمسافات طويلة، وبالنسبة لصفر الأعطال، فهو لأن الجزء الحركي الميكانيكي فيها عبارة عن قطعة واحدة تمت خراطتها من الستانلس

في بداياتي عملت بالمشاريع الصناعية والنفطية الضخمة مع خبراء أجانب، وأدركت عبرهم التخصص العملي المهني المطلوب لتحقيق التميز والتفرد، ولا أنسى كم خسرت من جهد ومال حتى أتقنت عبر التجارب الشخصية طريقة اللحام على الصورة بدقة عالية، حيث إن العمل يخضع بعد الانتهاء منه إلى فحص الأشعة الإلكترونية لمعرفة دقته وعيوبه، وخاصة لأنابيب النفط، لأن الخطأ مرفوض مهما صغر، وحاولت تعليم المهنة لمن يرغب، فتعلّم شابان يافعان مختلف تفاصيلها لتصبح مهنة لهما، وكوّنا لاحقاً فريق عمل.

القضبان التي ابتكرها زياد

في الحقيقة منذ الصغر أحمل بيدي اليمنى قبضة اللحام وبيدي اليسرى بندقية الصيد البحري، وكل واحدة أفادتني بالأخرى؛ فمثلاً عمليات الغوص لخمس دقائق من دون عدة الغطس وعلى النفس الطبيعي لصيد السمك، خدمتني في عمليات الإصلاح الضخمة تحت الماء للسفن الغارقة وانتشالها لإعادة إعمارها وليس التخلص منها، وهذا منحني تفرداً أساسه الدقة بالمهنة والابتكار المستمر لتذليل الصعاب مهما كانت».

وتابع: «الجرأة والمغامرة في العمل مع التفكير والحساب الدقيق لمختلف المعطيات والمخاطر كانت سبباً أساسياً لنجاحي في أعمال الإصلاح الضخمة تحت المياه، وهذا أخذني منذ عشر سنوات إلى تخصص مهني غير مطروق بكثرة في "سورية"؛ وهو قصّ السفن الغارقة تحت الماء لإصلاحها، وأقول غير مطروقة لخطورتها وابتعاد الجميع عنها، لأن أدوات العمل الأساسية فيها التيار الكهربائي والأوكسجين، والتعامل مع كليهما تحت الماء خطر جداً».

ورشة الغطس يظهر فيها زياد وأحمد وعمار

لم يكتفِ "زياد" بالتميز والتفرد بعمله المهني، بل ابتكر أدواته الخاصة التي وفرت عليه القطع الأجنبي لكونها مستوردة، وهنا قال: «خلال العمل تحت الماء وضمن ضغط بحري عالٍ، الوقت والجهد محسوب بالدقة، والخطأ ممنوع، وكانت معاناتي الأساسية الأعطال التي تصيب الأدوات وتستنزف مني الوقت والجهد والمال، لذلك قمت بابتكار أدواتي الخاصة، منها: قبضة اللحام المصنوعة من الفيبر، وقضبان اللحام من عيار 6013 المعزولة، وقضبان القصّ، وآلة شفط الرمل تحت الماء، فخففت الجهد وأكسبتني الوقت».

وعن أخطر الإصلاحات التي قام بها، قال: «لن أنسى ما حييت ما حدث معنا في عرض البحر خلال عاصفة بحرية كادت تقتلنا لو استسلمت لعطل المحرك العملاق الناتج عن سوء المحروقات التي تسببت بتكسره، حيث كان الرهان على قدرتي على لحام وخراطة الصبابات وإعادة تركيبها، وفعلاً وخلال أربع وعشرين ساعة قمت بإصلاحها بعملية لحام دقيقة جداً مع أن أوزانها كبيرة والحرارة مرتفعة في المكان، وحصلت لقاء ذلك على مكافأة كبيرة من القبطان».

الحرفي زياد الزقة

وبالنسبة للصيد البحري الذي ارتبط بأعمال القص واللحام تحت الماء، قال: «نتيجة محبتي للصيد البحري في الأعماق وسوء أدواته صمّمت بندقية صيد دقيقة الإصابة وذات عمر مديد مع صفر أعطال، حيث قمت بإنشاء مجرى حاضن للسيخ "المقذوف" على طول البندقية، مهمته تثبيت مساره لمسافات طويلة، وبالنسبة لصفر الأعطال، فهو لأن الجزء الحركي الميكانيكي فيها عبارة عن قطعة واحدة تمت خراطتها من الستانلس».

وفي لقاء مع "عمار اسماعيل" صاحب ورشة الإصلاح والغطس التي شارك فيها "زياد الزقة" لانتشال السفينة الغارقة "غادة"، قال: «من أبرز الأعمال التي قام بها "زياد" تحت المياه كانت الحرفية والدقة العالية التي عمل بها لانتشال السفينة "غادة" الغارقة قبالة سواحل "الشركة السورية لنقل النفط" نتيجة عطل أصابها وأدى إلى تعثر تفريغ مادة الكيروسين في عرض البحر، حيث تمّ لحام قطعة معدنية كبيرة بطريقة وأسلوب مهني حرفي مدروس، ومن ثم تركيب حمالات معدنية قوية لتكون مثل ملاقط لرفعها بواسطة بوالين هوائية لتتم إعادة إعمارها من جديد، وهذا يعدّ تميّزاً يحسب له».

أما الحرفي "بشار أحمد" الذي تعلّم مهنة قصّ ولحام السفن تحت الماء من الحرفي "زياد"، فقال: «ما ابتكره "زياد" من أدوات كقبضة اللحام والقضبان للقص واللحام تحت الماء كان مهماً للحرفة وخاصة في هذه الظروف، لكون أعطالها بسيطة، ويمكن إصلاحها بسهولة، فهي لا تعتمد التقنية وإنما على حرفة العامل بها، وكذلك وفّرت المال لكون الأساسية مستوردة.

ولا أنسى تعامله معنا خلال تعلّمنا الحرفة وتقديمه لجميع الأفكار والخفايا؛ لأن الخطأ فيها قاتل».

يذكر أن "زياد الزقة" من مواليد مدينة "بانياس"، عام 1971.