امتلكَ "عمار صافي" عقليةً عمليةً مكّنته من إدارةِ مشروعٍ إنتاجيٍّ يؤمّن لهُ مردوداً مادياً يلبي احتياجاته لحياة كريمة، وهو الذي، وبإرادةٍ قويّةٍ، عاد لحياته الطبيعية بنسبة 80%، بعد حالة شلل استمرت عامين ونصف العام.

مدوّنةُ وطن "eSyria" زارت بتاريخ 27 آب 2019 جريحَ الحربِ "عمار صافي" في قريته "حبرون" ليحدثنا عن تصميمه وإرادته القوية التي فاقت توقعات معارفه وأصدقائه، فقال: «في البداية آمنت بأنّ جراحي وتضحيتي من أجل وطني في هذه الحرب ليست للبيع أو المتاجرة، وأؤكد أنّني لم أقبل شيئاً من أحد، وخاصة المعارف المغتربين الذين مدّوا يد العون لي، ورفضتها لشعور الشفقة من خلالها، ومنها كان إيماني بالشفاء من عجز بنسبة 70% إلى صحة جيدة بنسبة 80%، وتحقيق شيء لمستقبلي الذي ما زال ينتظرني ويناديني، بدأت بمنشأتي الصغيرة من منحة الرئاسة وقيمتها 500 ألف ليرة، حيث اشتريت مكبساً لصناعة الحجارة الإسمنتية بقيمة 125 ألف ليرة، وجهزت المكان والمظلة بجانب منزلي، وأحضرت بعض المواد الأولية لزوم الانطلاقة بالعمل، ولكن المشكلة التي واجهتني أن ما تبقى من رأس مال كان صغيراً لا يمكن الاعتماد عليه كثيراً، ونتيجة عارض صحي مفاجئ اضطررت لتوقيف العمل بالمنشأة فترة من الزمن، والتفكير بمشروع آخر يمكّنني من متابعة إثبات ذاتي وعدم الاعتماد على الآخرين في حياتي، وكان هذا المشروع تربية طيور الزينة، ولكنها لم تجدي النفع الذي توقعته، نتيجة انخفاض أسعار الطيور وارتفاع أسعار المواد الغذائية الخاصة بها، ورغم هذا لم ينتابني الشعور بالفشل لأنّي امتلك الإرادة والصبر والعزيمة على تحقيق ذاتي، وعدت إلى تشغيل المنشأة دون رأس مال، وذلك بالاعتماد على الدفعات المالية الاستباقية من الزبائن، فأحضرت عاملاً من مدينة "سلمية"، وبدأ العمل بكل عزيمة ونشاط، لإيماني بأهمية هذه المنشأة وإمكانية تحقيق عائدات تعيلني وبعض رفاقي الجرحى، في حال تمّت تنمية هذه المنشأة ببقية المعدات مع وسيلة نقل من قبل الجهات الرسمية، كمساعدة لأكون فرداً منتجاً في المجتمع».

هو بالنسبة لي قدوة في الصمود بوجه الصعوبات، وقدوة في الإرادة والعزيمة رغم الألم، وقد اهتممت بنقل تجربته لبعض الأشخاص المحبطين داخلياً نتيجة ظروفهم الصعبة، وكانت النتائج إيجابية وعملية مكّنتهم من تحقيق ذاتهم، وتغيير واقعهم بشكل عام

ويتابع حديثه عن تحديه للفشل والتصميم على النهوض بواقعه قائلاً: «كنت أتمنى التعامل والتعاون مع جهات القطاع العام لتصريف الإنتاج، وكذلك تأمين المواد الأولية بنظام السلف اللاحقة الدفع فور تصريف الإنتاج، ولكن الفكرة لم تنجح، ولم تلقَ التعاون من أيّ جهة، ومنها معمل الإسمنت الذي يملك أهم مادة أولية للعمل وهي الإسمنت، ما أدى إلى استمرار العمل وفق الصيغة الأولية، وهي الحصول على ثمن الإنتاج قبل البدء بإنتاجه من الزبون، وهذا أثار اهتمام أصدقائي ومعارفي، ولكن في حال توقفت الدفعات المسبقة سيتوقف العمل لعدم توفر رأس المال في ظل الغلاء الفاحش لكلّ المواد الأولية».

المشروع الصناعي الصغير

وفي حديثه عن معاناته خلال الإصابة ومراحل العلاج قال: «عانيت الكثير بعد إصابتي في منطقة "الذيابية" في "دمشق" عام 2012 بطلق ناري متفجر في الحوض وطلقين ناريين في الصدر، وآخر في الساعد، ما أدى إلى شلل سفلي أبقاني حوالي العامين ونصف العام طريح الفراش، ورغم هذا تماثلت للشفاء نتيجة إيماني بقدراتي التي اهتممت بتوظيفها بالشكل الأمثل، حيث كان هذا دافعاً لإنشاء المنشأة الصناعية وإدارتها بمفهوم وذهنية التعاضد مع الآخر».

وفي لقاء مع "علي طه" المقرب من "عمار صافي" أكد أنّ ما امتلكه من إرادة كانت مذهلة بالنسبة له كشاب في مقتبل العمر، وحفّزته على الكثير من الأعمال الإنتاجية، وكذلك أكد أنّ قلّةً قليلةً من الجرحى امتلكوا ذهنيته العملية، حيث وظّف قدراته وإدارته الجيدة لتشغيل منشأة تصعب إدارتها من قبل الشباب بشكل عام، وتابع: «هو بالنسبة لي قدوة في الصمود بوجه الصعوبات، وقدوة في الإرادة والعزيمة رغم الألم، وقد اهتممت بنقل تجربته لبعض الأشخاص المحبطين داخلياً نتيجة ظروفهم الصعبة، وكانت النتائج إيجابية وعملية مكّنتهم من تحقيق ذاتهم، وتغيير واقعهم بشكل عام».

من طيوره

يشار إلى أنّ الجريح "عمار محسن صافي" من مواليد عام 1991.