يعدّ الأستاذ الدكتور "خليل سمعان" قامة سوريّة باسقة، ومثالاً للإنسان المسؤول الساعي إلى العلم والمعرفة المعمقة، الذي استطاع أن يشق لنفسه طريقاً بين المهتمين بتاريخ الشرق الأوسط وثقافاته، تاركاً برحيله عشرات الكتب والمراجع الثرّة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 تشرين الثاني 2017، الدكتور "جورج جبور" ليتحدث عن معرفته بالراحل، فقال: «ولد الدكتور "خليل" في "صافيتا" عام 1920م، ودرس في مدارسها، وترعرع فيها بحياة حافلة بالعطاء والتضحية، والتحق بالجيش الفرنسي عام 1940م، ونال فيه رتبة رقيب أول، وفي عام 1945م، التحق بصفوف الجيش العربي السوري حتى نال رتبة مساعد أول، ثم بالكلية الحربية في عام 1950م، وفي العام نفسه سافر على نفقته الخاصة إلى "الولايات المتحدة الأميركية" لدراسة الأرصاد الجوية في ولاية "واشنطن"، لكنه لم يُوفّق فيها بسبب ظروف قاهرة، فاتجه لدراسة اللغة الإنجليزية، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم اللغات السامية والإسلاميات عام 1956م؛ إذ إنه كان يتقن الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية إلى جانب اللغة العربية؛ وهذا ساعده على المحاضرة في عدد كبير من الجامعات الأميركية والعربية في كل من "العراق" و"إيران"».

لقد عمل بالمقارنة بين اللغات، وتعرّف خصوصية كل لغة، وقدم علمه للمجتمع الغربي بصورة حقيقية بعيدة عن التعصب كما يفعل الآخرون، إذ يُعد علمه مدرسة متقدمة في دراسة الشرق واللغات السامية، وما يرافق هذه اللغات من معارف وقضايا ثقافية، ولنا الفخر جميعاً أن يكون هذا الإنسان صرحاً من صروحنا الثقافية، الذي حاول تقريب وجهات النظر بين شعوب العالم بشفافية ومصداقية، ولم تنسِه الغربة ولذة العيش في "أميركا" قضية العرب الكبرى "فلسطين"، فكانت هاجسه اليومي

وعن أهم أعمال الدكتور "خليل"، يضيف "جبور" المستشار السابق للجمهورية العربية السورية، بالقول: «تمتع "خليل" باسم كبير في البلاد العربية والعالم أجمع، واستطاع أن ينهج طريق المعنيّين بالتاريخ العربي وإيضاح جميع جوانبه وثقافاته، وكان رأسماله في هذا الأمر، دأبه المستمر وقدراته اللغوية؛ إذ عمل في السفارة اليمنية أثناء دراسته في جامعة "جورج تاون" في ولاية "واشنطن" عام 1950م، كما تسلّم مركزاً إدارياً في مكتبة "الكونغرس" الأميركي في نهاية الخمسينات، وانتسب إلى صفوف "الحزب السوري القومي الاجتماعي" منذ التأسيس، وكان ناشطاً في الجيش العربي السوري، وأرسل مجموعة من الكتب إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي في "سورية"، ومازالت هذه المجموعة من الكتب موجودة في مكتبة "الأسد" في "دمشق" تحت اسمه، وعندما استقر به المقام في جامعة "نيويورك"، عقد عدداً من المؤتمرات العلميّة الدوليّة المهمة، التي صدرت أعمالها على هيئة كتب، وبعدها كانت أول زيارة له إلى بلده "سورية" في مطلع الستينات».

القداس الإلهي على راحة الفقيد "خليل سمعان"

وأضاف: «قابلته لأول مرة في "دمشق" بمناسبة عقد مؤتمر عن معركة "حطين" في ذكراها الـ800 عام 1987م، وبدأت صداقتنا على هامش هذا المؤتمر، حيث تبادلنا إمكانية مخاطبة الفاتيكان لتقديم اعتذار عن حروب الفرنجة، واستمر التعاون بيننا حتى عام 1999م. وقد استطاع بجهوده المكثفة عقد مؤتمر دولي كبير في جامعته بمناسبة مرور تسعمئة عام على سقوط "القدس" بيد الفرنجة، وقد دعا عدداً من المفكرين العرب الذين تمكنوا بعد خمسة أشهر من المؤتمر من انتزاع ما يشبه الانتقاد على حروب الفرنجة من الفاتيكان.

حاز "خليل" عدداً وافراً من شهادات التكريم والتقدير، من بينها وسام المؤرخ العربي من جامعة "بغداد"، وتم تكريمه في مؤتمر "صافيتا" للمغتربين عام 2004م، كما أهديته كرّاسي عن "صافيتا"، الذي ابتدأته بما يلي: (إلى علّامة "صافيتا" المعاصر، الأستاذ الدكتور "خليل سمعان"، الذي يدفع بقدر ما أوتي من قوة، من موقعه الأكاديمي في "أميركا"، محاولة تشويه تاريخ العرب والمسلمين، على نحو استحق معه وسام تهجّم المشوهين عليه)».

الأستاذ الدكتور "جورج جبور"

وعن منجزاته العلمية ومواقفه الكبيرة، أضاف: «من أهم ما تميّز به "خليل" ارتباطه الوثيق بالهموم العربية، وعداؤه لإسرائيل، وكان يهاجم من قبل عدد من إعلاميّ العدو في الصحف الإسرائيلية بسبب مواقفه الوطنية المعادية للحركات الصهيونية، واستهدف من قبلهم؛ إذ تم حرق منزله مرتين في "بينغهامتون" في "نيويورك". كما اهتم أيضاً بالأعمال الخيرية لمساعدة الفلسطينيين؛ لذا التقى الرئيس الأميركي "روزفلت"، وبعد تقاعده حاول إرسال مكتبته الخاصة إلى "سورية"، وتحديداً إلى المركز الثقافي في "صافيتا"، وعلى الرغم من إصراره على ذلك، إلا أنه لم يستطع، وبقيت المكتبة في جامعة "نيويورك"؛ إذ له فيها العديد من المؤلفات، منها خمسة كتب تتكلم عن اللغات السامية والإسلاميات وتأثيرها في الغرب والحملات الصليبية».

الباحث "محمد فياض الفياض" قال: «عاش الدكتور "خليل إبراهيم سمعان"، حياة ملأى بالعطاء والتفاني في خدمة العلم والبحث، وأصبح ركناً أكاديمياً أساسياً في دراسات الشرق واللغات السامية في جامعة "بينغ هامتون"، وحاول جاهداً أن يُفهم الغرب ثقافة العرب وخصالهم، من خلال ما قدمه من أبحاث ومقالات ودراسات مقارنة في اللغات القديمة، كالسريانية والآرامية والأوغاريتية والعبرية والفارسية وغيرها، وتمحورت دراسته في علم اللغويات والصوتيات والعصور الوسطى والحملات الصليبية، كما تمّيز في دفاعه عن القضية الفلسطينية وأحقية الشعب الفلسطيني في "فلسطين"، ولهذا حاولت الصحف اليهودية مهاجمته، لكنه كان الرجل الصلد الذي دافع عن الثقافة العربية التي ينتمي إليها، كما أثبت من خلال ما قدمه للمكتبة العربية خصوصاً وللعالم عموماً، أنه الرجل المثابر الذي حاول أن يقدم للبشرية جمعاء رسالة المحبّة».

الباحث "محمد فياض الفياض"

وأضاف: «لقد عمل بالمقارنة بين اللغات، وتعرّف خصوصية كل لغة، وقدم علمه للمجتمع الغربي بصورة حقيقية بعيدة عن التعصب كما يفعل الآخرون، إذ يُعد علمه مدرسة متقدمة في دراسة الشرق واللغات السامية، وما يرافق هذه اللغات من معارف وقضايا ثقافية، ولنا الفخر جميعاً أن يكون هذا الإنسان صرحاً من صروحنا الثقافية، الذي حاول تقريب وجهات النظر بين شعوب العالم بشفافية ومصداقية، ولم تنسِه الغربة ولذة العيش في "أميركا" قضية العرب الكبرى "فلسطين"، فكانت هاجسه اليومي».

الجدير بالذكر، أن الدكتور "خليل سمعان" توفي بـ"السويد" عام 2017 عن عمر ناهز 97 عاماً، قضاها في العلم والمعرفة.