أسس المربي "هاشم الجندي" أول المبادئ التعليمية المجتمعية بمبادرة فردية تحت ظل أكبر سنديانة في قرية "بحوي"، وكان صاحب أول شهادة تعليمية من مدرسة "بوقا الزراعية"؛ وهو ما ساهم بإنشاء جيل امتهن العلم، كما كان بيت سرّ أهالي القرية وقارئ مكاتيبهم.

نظر "هاشم علي الجندي" إلى العلم على أنه المخلّص الوحيد من الفقر والتعصب المذهبي والسياسي، فدرس مبادئ القراءة والكتابة بجهد شخصي، وتابع تحصيله العلمي ليحمل أول شهادة ثانوية في قرية "بحوي"، بحسب حديث المعمّر "حسين عيزوقي" من أهالي وسكان القرية، وتابع في حديثه: «في المدة التي قرر فيها المرحوم "هاشم الجندي" أن يكون متعلماً، كان أبناء القرية منشغلين بلقمة عيشهم في ظل ظروف صعبة وفقر وحرمان، ففي تلك المرحلة من حياة أهالي القرية، لم يكن هناك شخص يحمل أي شهادة علمية؛ أي في ثلاثينات القرن الماضي، فكان صاحب نظرة تنويرية أخلاقية رافضة للتعصب الطائفي والمذهبي والتبعية العائلية، علماً أنه كان سليل عائلة عريقة، جذورها غارقة في نشأة وتكوين القرية، وممتدة إلى مدينة "سلمية" في محافظة "حماة".

لكونه امتهن التدريس، فقد دَرّسَ في مدينة "السليمة" وأغلب قرى المنطقة، بهدف تقديم التعليم المجاني لأكبر شريحة من الناس؛ وهو ما جعله أصل التعليم في القرية ومحيطها

فبنظرته التعليمية التنويرية شجع على العلم، ومارس دور المربي والمعلم على أبناء القرية، فخرّج خيرة رجالاتها وشخصياتها العلمية والسياسية، لكونه شجع على ممارسة السياسة الوطنية أيضاً، ومن أبرز الشخصيات الوطنية التي تتلمذت على يديه "ناظم الجندي"».

علي الجندي

وتابع المعمّر "حسين": «لكونه امتهن التدريس، فقد دَرّسَ في مدينة "السليمة" وأغلب قرى المنطقة، بهدف تقديم التعليم المجاني لأكبر شريحة من الناس؛ وهو ما جعله أصل التعليم في القرية ومحيطها».

الأديب واللواء المتقاعد "علي الجندي" ابن المربي "هاشم"، قال في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 نيسان 2018: «والدي كان أول متعلم على مستوى المنطقة، لكونه حصل على أول شهادة ثانوية زراعية من مدرسة "بوقا الزراعية" في محافظة "اللاذقية"، وذلك عام 1936، وهذا أثر إيجاباً في النهضة التعليمية في القرية خصوصاً، والمنطقة عموماً، كما أنه ساهم بفتح العديد من المدارس، وخرّج العديد من الشخصيات المهمة علمياً وسياسياً على مستوى المحافظة، فجميعهم تعلموا تحت ظل أكبر شجرة سنديان في القرية، ومكانها حالياً بجانب المقبرة القديمة».

الشهادة الثانوية من مدرسة بوقا الزراعية

ويضيف: «في تلك المدة عرف من يقدم العلم إلى الناس بالخطيب، وعليه كان خطيب القرية يعلم الأطفال بمبادرة شخصية مجانية منه، كما أنه تميز بخطه الجميل، وحمل الأمانة من بعده أخي مدرّس العلوم "أكرم الجندي"، وأذكر في الصغر أنه كان مقصد جميع أبناء القرية والمنطقة ليكتب لهم سندات تمليك الأراضي، وهذا كان نتيجة عدة أمور، أهمها صدقه وخطه الجميل ومعرفته الدقيقة بتفاصيل الصياغة القانونية المعترف عليها رسمياً، حتى إنه كان قارئ الرسائل الواردة للأهالي من ذويهم في المغترب، وكاتب ردودها لهم».

أما مختار قرية "بحوي" المعمّر "رعد محي الدين عثمان"، فقال: «تميّز المربي الفاضل "هاشم الجندي" بإنسانيته وأخلاقه العالية وصدقه في التعامل، وتجلى ذلك في عمله المجاني بصك سندات تمليك الأراضي لأصحابها لكونه الشخص الوحيد المتعلم في تلك المرحلة، وهذا من دون أدنى معرفة من المالكين لمضمون ومعلومات تلك الصكوك القانونية الرسمية، حيث إنه وحتى الآن لم ينشأ أي خلاف بين الأهالي على تلك الصكوك، لأن مضمونها مشغول بكل أمانة وحرفية وخبرة، وأنا شخصياً أدرك هذه التفاصيل؛ لأنني وخلال سنوات الشباب الأولى كنت أرافقه بعمله المجاني بطلب منه لأتعلم من خبرته؛ وهذا دليل على كرمه بمنح المعرفة وعدم حصرها بأشخاص ثابتين».

المربي هاشم علي الجندي

يشار إلى أن المربي "هاشم علي الجندي" من مواليد "طرطوس"، قرية "بحوي"، عام 1905، وتوفي عام 1984.