كثرت الأمثال الشعبية المرتبطة بشهر "آب"، وشاعت بين الناس دلالة على طقسه الحار ونضج الخضار والفواكه فيه، وجميعها يعزز روح العمل والتفاني قبل دخول شهر أيلول، تداركاً لفساد المحاصيل.

«ففي شهر آب تنضج المحاصيل بمختلف أصنافها وأنواعها، وخاصة منها الفواكه، نتيجة درجات الحرارة المرتفعة، ووصول المحاصيل إلى عمر الذروة، لذلك شاع المثل القائل: "في آب فوت ع كرمك ولا تهاب"»؛ هذا بحسب حديث الجد "عزيز محمد" من أهالي قرية "خربة السناسل" في ريف مدينة "بانياس"، حيث أضاف: «من المعروف في شهر آب ترتفع درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة مقارنة مع بقية شهور السنة، وتكون المحاصيل الزراعية الخضار منها والفواكه في ذروة نضجها من حيث العمر الافتراضي لنموها، وتأتي درجات الحرارة المرتفعة لتساعد وتسرّع عملية النضج، فتصبح جاهزة للقطاف والتناول مباشرة، وعليه كانت مفردات المثل السابق مناسبة للحالة الاجتماعية الزراعية، فيبادر المزارع إلى قطاف منتجات حقله من دون التفريق بين ثمرة وأخرى، فجميعها ناضجة بالتأكيد».

"آخر آب الجوّ عاب"، و"في عشرين آب، ادخل الكرم ولا تهاب"، و"في آب الّلهاب اقطف العنب ولا تهاب"، وجميعها تتحدث عن طقوس ومناخ هذا الشهر الحار ومحاصيله الزراعية الناضجة تماماً

المزارع وربّ الأسرة "عارف ديوب" من أبناء مدينة "الشيخ بدر" قرية "الوردية"، قال: «في هذا الشهر بالتحديد لا تبقى ثمرة عنب إلا وتنضج بنيتها الفيزيولوجية الصحيحة والسليمة، فأبدأ قطاف عناقيد العنب من دون تحديد، وتناولها وفق حاجة منزلي يومياً، وعليه أجدها ناضجة تماماً ونسبة الحلاوة فيها مرتفعة بخلاف نسبتها في الشهر السابق، ومن هنا تأتي مقولة المثل: "في آب فوت ع كرمك ولا تهاب"، وهي صحيحة وسليمة، فلا أجد ثماراً غير ناضجة أو حامضة مهما كان اختياري عشوائياً».

عزيز محمد

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" بتاريخ 16 آب 2016، قال في حكاية هذا المثل والأمثال الأخرى التي ارتبطت بشهر آب: «أمثال عدة أطلقت في شهر آب، وجميعها تحاكي الواقع كما هو، وفي الحقيقية لا يمكن معرفة زمن نشوئها بدقة أو من أطلقها، لأنها كما قلت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالواقع والحالة الاجتماعية، بخلاف "الحكم" التي ذكرت بأسماء مطلقيها، فمثلاً هناك مثل يقول: "آب اللهاب"؛ وهو دلالة على الطقس الحار جداً في هذا الشهر، وعليه أطلق المثل القائل: "في آب فوت ع كرمك ولا تهاب"؛ فالحرارة المرتفعة تنضج جميع الثمار والمحاصيل، ويجب قطافها بسرعة كلها من دون انتقاء بخلاف الأشهر الأولى لنضجها، حيث يكون هذا النضج على مراحل، ولا يمكن قطاف إلا الثمار الناضجة، بل يجب انتقاء الأكثر نضجاً منها، وهنا يبقى المزارع حذراً كي لا يؤثر بمحصوله وسمعته الزراعية؛ إن كانت الكميات المنتجة لديه كبيرة ومعدة للتسويق.

وهنا تتكرّس حالة اجتماعية عنوانها العريض التعاون بين المزارعين في حالات الحقول الكبيرة أو أبناء الأسرة الواحدة في حالة الزراعات المنزلية الصغيرة، وذلك لإنهاء العمل بسرعة قبل قدوم أيام شهر أيلول، حيث تبدأ الثمار التراجع من حيث النضارة والمقاومة».

التعاون في العمل في الموسم

ويتابع الباحث "حسن" القول: «حتى إن المزارع وربة المنزل على حد سواء يستغلان الفرصة للتعامل مع الثمار الجيدة من مختلف المحاصيل لصناعة المؤن الشتوية منها، كالتين اليابس والمربى بالمكسرات، وكذلك بالنسبة للصبّار الذي يعدّ من آخر الثمار الصيفية المحتاجة إلى درجات حرارة مرتفعة لتمام نضجها، إضافة إلى العنب والدراق والخوخ لصناعة المربيات منها، فهي في هذا الشهر تكون بأوج نضجها ونسبة السكر فيها مرتفعة؛ وهو ما يساعد في الحصول على منتج عالي القيمة الغذائية».

إذاً، أمثال شهر آب كثيرة، منها أيضاً على سبيل الذكر لا الحصر بحسب قول الباحث "حسن": «"آخر آب الجوّ عاب"، و"في عشرين آب، ادخل الكرم ولا تهاب"، و"في آب الّلهاب اقطف العنب ولا تهاب"، وجميعها تتحدث عن طقوس ومناخ هذا الشهر الحار ومحاصيله الزراعية الناضجة تماماً».

الباحث التراثي حسن اسماعيل