كثيرة هي الأعمال المجتمعية والزراعية، التي يستعدّ أهالي الريف الساحلي لإنجازها ما بين شهري تشرين الأول والثاني؛ كحراثة التربة وبذر الحبوب والتسميد، وإصلاح الأراضي مما خلّفه الشتاء الماضي ضمن طقوس تراثية دوّنتها المفكرات الزراعية.

هي حالة اجتماعية مناخية يتابعها عامة الناس تجهيزاً لفصل الشتاء، ومنهم ربّات المنازل والمزارعون؛ لأنهم يدركون أهمية المدة ما بين شهر تشرين الأول وتشرين الثاني في عملية التحضير، وعليه أطلقوا عليها تراثياً الصيف الثاني؛ فهي كما قالت الجدّة "عليا شداد" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 تشرين الأول 2016، الفرصة التي اعتادت استثمارها لصناعة المؤن المنزلية، وتضيف: «في هذه الأوقات من السنة؛ أي ما بين التشرينين تكون أشعة الشمس قوية والمناخ معتدلاً؛ وهو ما يشجع على صناعة بعض المؤن المنزلية، ومنها: "الكشك، ودبس الفليفلة"، التي تحتاج إلى أشعة شمس حارة، حيث يمكنني العمل في هذا المناخ المريح بهدوء ومن دون عناء، وقد اعتدت استثمار أوقات الصيف الثاني هذه منذ كنت شابة في منزل أسرتي؛ أي إنها طقس اجتماعي تراثي».

في هذه الأوقات من السنة؛ أي ما بين التشرينين تكون أشعة الشمس قوية والمناخ معتدلاً؛ وهو ما يشجع على صناعة بعض المؤن المنزلية، ومنها: "الكشك، ودبس الفليفلة"، التي تحتاج إلى أشعة شمس حارة، حيث يمكنني العمل في هذا المناخ المريح بهدوء ومن دون عناء، وقد اعتدت استثمار أوقات الصيف الثاني هذه منذ كنت شابة في منزل أسرتي؛ أي إنها طقس اجتماعي تراثي

إذاً، الحكاية قديمة ومرتبطة بطقوس توارثتها الأجيال ودوّنتها الأقلام، وكانت العبارة الشهيرة لها والمثل الشعبي المناخي: "بين تشرين الأول وتشرين الثاني صيفٌ ثانٍ"، وهنا قال الباحث التراثي "حسن اسماعيل": «لكل شهر مثله الخاص، ومجموعها سمي بالأمثال الشعبية المناخية، وقرأت عنها في التدوين الشعبي ضمن المفكرات الزراعية لأجدادي، وبالنسبة إلى شهر تشرين الأول ذكر على صعيد هذا التدوين أن فيه أمطاراً مؤكدة، ولكن غير المؤكد فيها والثابت موعد الهطول ضمن أي عشرة أيام من الشهر، وتعقبها أيام مشمسة، لتعاود الأمطار الهطول في شهر تشرين الثاني؛ وهذا ما كوّن قصة المثل الشعبي القائل: "بين تشرين الأول وتشرين الثاني صيفٌ ثانٍ"».

الجدة عليا شداد

ويوضح رأيه بتفاصيل أوفى، فيقول: «الأهم أنه بعد هطول الأمطار في أواخر شهر أيلول تبدأ النباتات البرية العشبية الظهور، وتحتاج إلى أمطار شهر تشرين الأول المعروفة، لتتابع نموها الطبيعي؛ لأنّ النمو يحتاج إلى أشعة الشمس والرطوبة معاً، حيث تظهر بوادر نمو الطبقة العشبية في الطبيعة البرية وتسمى "القلادة"، وهنا يدرك الناس أن الشتاء قد بدأ وعليهم استغلال إشراق الشمس الدافئة ليتجهزوا بالمؤن المختلفة الغذائية والمعيشية، وهذه الأوقات تعرف بالصيف الثاني بعد هطول أمطار تشرين الأول المعروف بأنه من أشهر الشتاء، حيث يتغير الطقس إلى المناخ شبه الصيفي الحار في مختلف ساعات النهار وحتى بعد ساعات المغيب تقريباً؛ فنرى أشعة الشمس الدافئة، ونشعر ببعض النسمات الهوائية العليلة؛ وهو ما يعني أن من يريد العمل في حقله الزراعي وتجهيزه لموسم الشتاء يمكنه البدء به، ناهيك عن أن بعض المناطق والقرى في الساحل السوري تختار هذه الأوقات من السنة لقطاف الزيتون، بخلاف الذين يختارون أواخر شهر أيلول لعملية القطاف.

ومع كل هذه التفاصيل، تبقى قصة وحكاية المثل الشعبي القائل: "بين تشرين الأول وتشرين الثاني صيفٌ ثانٍ" غير مكتملة لعدم قدوم شهر تشرين الثاني الذي يكتنز الأمطار الخيرة المدونة والمسجلة في المفكرات الزراعية لكثيرين من المعمرين الباقين وحتى الراحلين الذين اطلعت على مفكراتهم، ومع دخول أولى أيام هذه الشهر الخير وهطول الأمطار الوافرة المبشرة بمواسم العطاء، تصادق على الحكمة من إطلاق هذا المثل الشعبي».

الباحث التراثي حسن اسماعيل

الجدّ "علي محمود" من ريف ناحية "العنازة"، قال: «ننتظر هذه الأيام بين التشرينين لممارسة الكثير من الأعمال الزراعية التي لا يمكن القيام بها وضمان نجاحها في أوقات أخرى، ومن أهم وأول الأعمال الزراعية عملية حراثة التربة بعد هطول أمطار شهر أيلول حصراً، حيث تكون التربة قد أشبعت ويمكن حراثتها كحراثة أولية بسهولة، وتأتيها أمطار شهر تشرين الأول، وهنا نقوم بأعمال البذار، وننتظر أشعة الشمس والرطوبة المناخية لتساعد البذار على النمو، ليبقى على أمطار شهر تشرين الثاني إكمال دورة حياة النباتات والمحاصيل الزراعية المتنوعة».

ويتابع: «ومن الأعمال الزراعية الأخرى التي يجب متابعتها بين التشرينين والأجواء مشمسة ومنعشة، إعادة بناء وتأهيل الجدران والفواصل الحجرية بين الحقول الزراعية وعلى محيطها، أو ما يسمى "الرعش" أو "الهدة" الناتجة عن أمطار وسيول الشتاء السابق، حيث لا يمكن القيام بهذه الأعمال في أشهر سابقة ضمن فصل الصيف والأجواء حارة والحشرات والزواحف تنتشر في الطبيعة البرية؛ لذلك ننتظر هذه الأيام لإنجاز الأعمال».

الجد علي محمود