بفضل الشبكة العنكبوتية التي وصلت خيوطها إلى أبعد مكان على هذا الكوكب، باتت مواكبة التطور متاحة في كل مكان، بما في ذلك القرى النائية التي ظلت مدة من الزمن محافظة على نمط حياتي تقليدي لا وجود للتكنولوجيا فيه؛ وهو ما جعل تلك القرى لا تختلف كثيراً عن المدن في هذا الجانب.

ففي "سورية" اليوم، وإن اختلف الشكل العام للكثير من القرى من ناحية عدد السكان والبيوت والسيارات والمحال، وغزو الكتل الإسمنتية للمناطق الخضراء، وتوافر جميع الخدمات التي تقدمها المدن، وملابس الناس ومأكولاتهم ونظام حياتهم، وحتى المهن التي يعملون بها، إلا أن التكنولوجيا لم تتمكن من تغيير أسس العلاقات الاجتماعية بين سكانها.

وإذا ما تناولت قريتي "ضهر مطرو" الواقعة في ريف "الدريكيش" التابعة لمحافظة "طرطوس" نموذجاً عن حال القرى في الساحل السوري على وجه الخصوص، وجدت أن للمناسبات مكانة خاصة عند أغلبية سكان القرى من كبيرها إلى صغيرها، فلا تنقطع الزيارات بين العائلات في الأعياد، وإن كانت بشكلها البسيط بعيداً عن ترف المدن وتكلفها، وحتى الأطفال واليافعون لم تقيدهم الألعاب الإلكترونية وتحبسهم في غرفهم، بل مازالت الطبيعة وجهتهم لقضاء أوقات جميلة في العطل. وإذا ما مرض أحد سكان القرية أو أصيب بمكروه، يتسابق الأهالي لزيارته في يوم الحادثة، وحتى من دون مواعيد مسبقة، فلا الهواتف الخلوية ولا برامج التواصل الاجتماعية شبه المجانية، شجعت أحداً على الاتصال لأخذ موعد لزيارة، فكل شخص يعلم أن الأبواب مفتوحة للجميع، وزيارة المريض في الريف تختلف عن المدينة؛ ففي الأخيرة قد يحمل الزائر باقة من الزهور أو بعض الحلوى ويجلس على الأكثر 10 دقائق، بينما في الريف يحمل معه ما تيسر له من حاجيات المنزل الضرورية (متة، شاي، محارم...) ويجالس المريض ما يتمكن من الوقت بحسب حالته الصحية.

في القرية يمكنك أن تطلب من أي طفل يلعب في الحارة أي طلب؛ كشراء غرض أحد المحلات، مناداة أحداً ما من حارة مجاورة، المساعدة في حمل الأغراض وغير ذلك. في القرية عامل التنظيفات يدق باب من نسي وضع القمامة أمام منزله. في القرية إن كانت الصيدلية مغلقة يمكنك الاتصال بالصيدلانية لتساعدك حتى لو كانت عطلتها. وفي القرية الكثير الكثير من تفاصيل العلاقات الاجتماعية التي لم تستطع التكنولوجيا العبث فيها.