قد يجد الطبيب صعوبة في معرفة الأسلوب الأفضل الذي يعتمده عمال البناء لرفع زجاج النوافذ الكبيرة إلى أعلى طابق في بناء قيد الإنشاء من دون أي خسائر.

وقد يرى المخبري الذي يقضي معظم وقته غارقاً في العينات الدموية وغيرها، أن رسم لوحة تشكيلية يتطلب جهداً وموهبة لا يقدر على تصور تفاصيلها. وكذلك معلّم المدرسة الذي يفني حياته في نقل معارفه إلى الطلاب جيلاً بعد جيل، قد يقف عاجزاً أمام سرعة عاملة الخياطة في إنجاز مهامها بتصميم قطع الأقمشة لتنتج ملابس محكمة التفاصيل.

يمكن القول إنه من الصعب على صاحب أي مهنة معرفة تفاصيل عمل المهن الأخرى، ما لم يكن على تماس مباشر معها، ومن شبه المستحيل أن يتمكن من تقديّر الجهد والوقت الذي تتطلبه تلك المهن لإنجاز عملها بدقة، ما لم يتابع ذلك بأم عينه، فتقييم المهن الأخرى من أصعب المهام التي قد تواجه الإنسان، ببساطة الأغلبية منا قادرون على تقييم عملنا وعمل معظم من يعملون في المجال ذاته، إلا أننا إذا كُلفنا بتقييم عمل أي مهنة أخرى مهما بدت للوهلة الأولى سهلة وبسيطة، قد نقع في فخ التخمين، ولا ننجح في ذلك، فلا المهندس قادر على تقييم عمل الصياد، ولا يعرف المحاسب كيفية عمل الممرضة، ولا المدرس على دراية بمهام الإعلامي وغيره.

لذلك كما نحب أن يرى الآخرون عملنا بعين التقدير، يجب أن ننظر إلى المهن الأخرى بهذه العين، حتى وإن لم نكن نعرف عنها الكثير، فلا يستخف أحد بعمل الآخر، وتكون النظر العامة إلى كل المهن أنها تكمل بعضها.

وبالدخول إلى تفاصيل المهن أكثر، وتحديداً في مهنتنا؛ مهنة صاحبة الجلالة؛ فمهما كان الصحفي بارعاً في عمله، ويملك العديد من المهارات التي تمكّنه من أن يكون كاتباً ومصوراً ومنضداً ومدققاً ومخرجاً، لن يخرج عمله إلى النور ما لم يشترك معه -خارج إطار العمل الصحفي- باقي فريق العمل؛ من المهندس القائم على أعمال الطباعة، إلى عامل "البوفيه" المسؤول عن تأمين الجو المناسب للعمل.

ففي أي عمل، لكل مهنة رئيسة مهن ثانوية مرتبطة بها، لا يمكن أن ينجح العمل إلا بتكاملها، وتقليل شأن أي مهنة، سيحدث خللاً في منتوج العمل النهائي.

في النهاية، ما عليك سوى أن تعمل بتقوى، وتقدّر عمل الآخرين إن فعلوا ذلك.