سرقت الكلمة الكاتب والصحفي "محمد حسين" من حياته الطفولية، وشغلت جلّ اهتمامه، فأغناها بالقراءة المكثفة لتكوّن لديه الوعي للكتابة، فقدم مقالات صحفية وكتابات أدبية وصفها بعضهم بالإبداعية، وأرّخ اسمه كأول كاتب رواية مباشرة على صفحات التواصل الاجتماعي.

شغف بالكتابة الأدبية، فساقته إلى الكتابة الصحفية، هذا ما أوضحه الصحفي والأديب "محمد حسين" لمدونة وطن "eSyria" في حديثه بتاريخ 12 شباط 2018، قائلاً: «في ثمانينات القرن الماضي كانت صحفنا اليومية تضم بين طياتها صفحات لإبداعات الشباب؛ وهذا ما دفعني إلى مراسلتها، ولا أزال أتذكر كيف كنت أخط ما أريد نشره، ثم أضعه في مظروف بريدي، وأذهب إلى مبنى البريد الذي كان بجوار الهاتف الآلي، لإرساله إلى عنوان الصحيفة، ثم أنتظر لأرى ما أرسلته على صفحاتها.

ربما قد يرفع هذا من شأن الصحيفة التي يعمل فيها، لكن العمل الصحفي اليومي قد يسرق المبدع، ويأخذه بعيداً عن الأدب؛ وهنا المشكلة

ولم يطل انتظاري كثيراً، وكنت حينئذٍ في الصف العاشر، حيث رأيت مقطوعتي منشورة في صفحة أدباء على الطريق، ولأن بعض أصدقائي لم يصدقوا أن هذه المقطوعة لي، تعمدت في المرات اللاحقة أن أدوّن اسمي الثلاثي، واسم بلدتي أيضاً. ومن هنا، ومنذ تكوّن الوعي ارتبط الأدب بالصحافة والصحافة بالأدب الذي كان طريقي إلى العمل الصحفي».

روايته "الوحل"

لقد حلّ القلم الأدبي مكان القلم الصحفي في الحديث عن هموم الناس وتوصيف الواقع، وهنا قال: «الكاتب هو الكاتب، وقلمه هو ذاته في الحالتين، فاللغة كما هي عمود الأدب، هي كذلك في الصحافة؛ لذلك يمكن لمن عمل ويعمل في الأدب أن يكون متميزاً، لأنه يمتلك الأسلوب اللازم لصياغة الحكاية الخبرية إن كانت في الوصف، أو في الحديث عن الهموم، والأهم هنا في الحالتين المصداقية والموضوعية بعيداً عن آلاعيب اللغة».

له العديد من الإصدارات الأدبية، يتحدث عن بعضها بقوله: «لدي كتابان مطبوعان فقط -يا للأسف- فأنا مقلّ في النشر، الأول بعنوان: "يا أبتِ إني رأيت"، وهي مجموعة شعرية صادرة عن "دار الينابيع" في "دمشق".

مجموعة شعرية بعنوان: "يا أبتِ إني رأيت"

والثاني بعنوان: "الوحل"، وهو الجزء الأول من ثلاثية بعنوان: "للحيطان آذان وذاكرة"، التي بدأت العمل عليها منذ بداية الأزمة، وقد كتبت مباشرة على صفحات التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"؛ أي من دون مسودة أوراق، وهي التجربة الأولى من نوعها على صعيد الرواية، وقريباً يصدر الجزء الثاني منها، وهو بعنوان: "العتق".

أيضاً لدي مجموعة شعرية قيد الطبع بعنوان: "من يقايض عيناي بعصا"».

الكاتب والصحفي محمد حسين

ويتابع حول تجربته بالكتابة الروائية المباشرة على صفحات التواصل الاجتماعي، فيقول: «بدأت فكرة "للحيطان آذان وذاكرة" من البحث عن طريقة ما للأدب التفاعلي، وهنا كانت فكرة النشر اليومي على صفحتي في موقع "الفيسبوك"، التي قمت بها وعلى مدى ثلاثة أشهر، فكان الجزء الأول من الرواية، وهو بعنوان: "الوحل"، التي قمت لاحقاً بطباعتها ورقياً، وشدتني هذه المغامرة، وكنت أميناً لتلك التجربة، والكتاب المطبوع هو صورة طبق الأصل لما نشرته يومياً على صفحتي».

وعند السؤال: كيف يمكن أن يكون الأديب صحفياً؟ أجابنا "حسين": «ربما قد يرفع هذا من شأن الصحيفة التي يعمل فيها، لكن العمل الصحفي اليومي قد يسرق المبدع، ويأخذه بعيداً عن الأدب؛ وهنا المشكلة».

وقال عن فكرة ديوانه "الوحل" خاصة أنه شد الجميع من رواد التواصل الاجتماعي لمتابعته شبه اليومية، وكذلك إبداء الآراء على كل مقطع بتفاعل: «في هذه الرواية حاولت تتبع خيط الدم الذي يجري في ساحاتنا وحاراتنا، وصولاً إلى بداية القرن الفائت، وانهيار السلطنة العثمانية، ومجازر الأرمن والسريان، وسايكس بيكو، وسلب اللواء، واللافت في الرواية أن التنقل عبر الزمن هو عبر التقمص، فبطلي "علي اليتيم" هو "عمر باشا غوني"، وربما هو "إيليا" أيضاً».

حاول الأديب والصحفي "محمد" تجاوز القيود المفروضة في الصحافة بكتابة الأدب، وهنا قال: «على الأدب الآن تجاوز كل المحظورات والتابوهات التي كانت سائدة، كالدين والجنس والسياسة، وأظن أنني فيما كتبته وما أكتبه هو طريقة ما لكسر هذه الحواجز، أنا أرى وأسمع ولا أتكلم فقط، بل أكتب أيضاً.

وعلاقتي مع الصحافة علاقة عضوية، فلست عابر حرف فيها، ولا زائراً عابراً أيضاً، في زيارتي الأولى لـ"دمشق"، كان أول ما فعلته هو زيارة مبنى صحيفة "الثورة"، التي كنت أراسلها، والتقيت هناك من كنت أراسلهم، كالأديب الراحل "حيدر علي"؛ لذلك بعد تخرّجي في الكلية، لم أفكر لحظة واحدة في الاختيار بين صحيفة "الثورة" أو شقيقاتها للعمل؛ لأنها كانت خياري الوحيد، وهكذا كان ومنذ عام 1991، وحتى الآن».

وفي لقاء مع الصحفي "سلمان عيسى"، المقرب من الأديب الصحفي "محمد"، قال: «"محمد حسين" صحفي مشهود له في التطرق لقضايا الفقراء الذين أضناهم الواقع والحرب، فهو لسان حال العامل والفلاح والموظف البسيط، تشغله همومهم، فيكتب لأجلهم، ويقاتل أيضاً لأجل قضية محقة، وجعلت منه الأزمة مقاتلاً شرساً من أجل قضايا الشهداء والجرحى.

هو في روايته "للحيطان آذان وذاكرة" ينفض الوحل عن تاريخ يزيد عمره على ألف عام، هذا التاريخ الطويل المطموس امتداد لهذا الظلم الذي نعانيه الآن، لم يتحول "محمد" من صحفي إلى أديب، بل صار الأديب الصحفي ليجمع بين مجدين، بل جبهتين تحتاجان إلى ورقة وقلم، مع يقيني بأن القلم أكثر جدارة به».

يشار إلى أن الصحفي والكاتب "محمد حسين" من مواليد محافظة "الشيخ سعد" في "طرطوس"، عام 1964.