يعدّ من أقدم المعلمين في منطقة "القدموس"، والأول في منطقته، ترك بصمة كبيرة لدى الكثيرين من أجيال المنطقة، التي تشهد له بعمله المتفاني، وهو الشاعر المحترف الملتزم بقضايا وطنه.

ولد المدرّس "جميل ديب" عام 1948 في بيئة جبلية فرضت الطبيعة عليها قسوتها، وأمام هذه الحال كان لا بد من التحدي والصبر، مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "بدوقة" في "ريف القدموس" بتاريخ 8 أيار 2018، والتقته ليحدثنا عن مسيرة حياته في مراحلها المختلفة، حيث قال: «بعد إتمام المرحلة الابتدائية، ووسط ظروف صعبة وفقر كبير، انتقلت لإتمام دراستي الإعدادية في مدينة "القدموس"، تلك المرحلة التي شهدت فيها المعاناة على كافة الصعد؛ أولها على الصعيد المادي، فالمصروف ليرة سورية واحدة كل أسبوع، أما تأمين الخبز، فقد كان أشبه بالمعجزة، وللتدفئة في منطقة باردة حكاية أخرى؛ فمع نقص وسائل التدفئة اضطرت والدتي وأمهات بعض الطلاب إلى قطع مسافات طويلة في ممرات جبلية وعرة لنقل الحطب، أما طريقنا بين المدرسة في "القدموس" وبين القرية، فنقطعه سيراً على الأقدام لمسافة تتجاوز الساعة ونصف الساعة بين الجبال والوديان في تحدّ وتصميم كبيرين، هذه المرحلة ترك خلالها المدرّس الراحل "إسماعيل أبو عبد الله" الأثر الأكبر في نفسي، فقد كان معلمي وقدوتي والملهم، فهو من أبرز رجال النهضة في المنطقة وما يجاورها، وكان المحارب الحقيقي في سبيل نهضة الإنسان والعلم وخير مثال يقتدى به للكثيرين من أبناء جيلي. أما المرحلة الثانوية، فقد أتممت دراستها في مدارس مدينة "بانياس"، وحصلت على الشهادة الثانوية عام 1970».

تقاعدت عام 2006، بعد أن أمضيت ثلاثة وثلاثين عاماً مكافحاً مجاهداً لنشر العلم في هذا الريف الفقير، وأفتخر أنني تركت بصمتي الكبيرة لدى أجيال كثيرة في المنطقة، وسعيت دائماً خلالها لأكون الحافز والمشجع لهم في متابعة تحصيلهم العلمي في كافة المستويات؛ فتجد منهم الطبيب والمهندس والمدرّس والمحامي والضابط، وغير ذلك، وجميعهم بمنزلة أبنائي، وما أود قوله: إنني لم أكتفِ بعملي كمدرّس، إنما عملت جاهداً على افتتاح الكثير من دورات محو الأمية المجانية، التي استفاد منها جميع أهالي القرية وجوارها؛ وهذا أدى إلى القضاء على الأمية بنسبة مرتفعة جداً بين الفلاحين

ويكمل: «بعد إتمام الثانوية، انتقلت إلى مدينة "سلقين" التابعة إلى محافظة "إدلب" لدراسة معهد الصف الخاص الوحيد من نوعه في ذلك الوقت؛ وهو معهد داخلي يضم الطلاب من مختلف المحافظات السورية، واستمريت حتى عام 1972، حيث حصلت منه على أهلية التعليم، وعملت معلماً للمرحلة الابتدائية لمدة عام في مدينة "الرقة"، بعدها عدت وعملت معلماً في قريتي "بدوقة"، وتزوجت عام 1973، لكن طموحي لم يتوقف عند هذا الحد، ولم أكتفِ، فلطالما كان طلب العلم هاجسي ومتابعة تحصيلي هدفي الأسمى، ناهيك عن موهبتي في كتابة الشعر التي بدأتها في سن مبكرة كهاوٍ، وسرعان ما تحولت إلى احتراف في كتابة قصائد للوطن والالتزام بقضاياه، كل هذا دفعني إلى إتمام دراستي بداية في إحدى جامعات "بيروت"، ثم انتقلت إلى جامعة "دمشق"، وحصلت منها على إجازة في الآداب، قسم اللغة العربية، وكان ذلك عام 1978، لكنني خلال تلك السنوات لم أتوقف يوماً عن ممارسة مهنتي كمعلم، وبعدها إلى جانب عملي في التدريس عملت مديراً لابتدائية القرية».

جميل ديب أمام مكتبته

ويضيف: «تقاعدت عام 2006، بعد أن أمضيت ثلاثة وثلاثين عاماً مكافحاً مجاهداً لنشر العلم في هذا الريف الفقير، وأفتخر أنني تركت بصمتي الكبيرة لدى أجيال كثيرة في المنطقة، وسعيت دائماً خلالها لأكون الحافز والمشجع لهم في متابعة تحصيلهم العلمي في كافة المستويات؛ فتجد منهم الطبيب والمهندس والمدرّس والمحامي والضابط، وغير ذلك، وجميعهم بمنزلة أبنائي، وما أود قوله: إنني لم أكتفِ بعملي كمدرّس، إنما عملت جاهداً على افتتاح الكثير من دورات محو الأمية المجانية، التي استفاد منها جميع أهالي القرية وجوارها؛ وهذا أدى إلى القضاء على الأمية بنسبة مرتفعة جداً بين الفلاحين».

أما صديقه "محمد شحود"، وهو ابن قريته، ومدير إحدى أهم المؤسسات التربوية في مدينة "بانياس"، فيقول عنه: «المدرّس الأول والأقدم في منطقة تضم عدة قرى، منها: "بدوقة"، و"دير الجرد"، و"رام ترزة"، و"بلوسين". قدوتي ومثلي، وفي اختياري لمهنة التدريس يعود إليه الدور الأكبر، "جميل ديب" لم يهتم يوماً بمصلحته الفردية، بل بالمصلحة العامة لأبناء قريته، ومنطقته كانت همّه وهدفه الأول، تراه يساعد كل محتاج، وحاضراً في جميع مناسبات الفرح والحزن والمرض، إنسان محب لبيئته؛ عمل جاهداً للحفاظ عليها وعلى أهم الموارد فيها، كما عمل على شق العديد من الطرقات الزراعية؛ إنه رجل كريم بكل معنى الكلمة، فلم يتردد يوماً في فتح منزله لاستقبال المدرّسين من خارج المنطقة وتأمين كل ما يلزمهم، مقدماً في ذلك صورة تعكس كرم وطيبة أبناء هذا الجرد المكافح، كما أنه محاور رائع ومثقف، وصاحب الكلمة والقرار، يقرأ كثيراً، ويمتلك مكتبة تضم الكثير من الكتب القيّمة، ويحترف الشعر الذي من خلاله التزم بقضايا الوطن».

محمد شحود