من أقدم المدرسين في منطقة "القدموس" وجوارها، مسيرته في التدريس تمتد منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي حتى العام ألفين وثمانية، مسيرةٌ ميزها العطاء اللامحدود والالتزام في تأدية الواجب على أكمل وجه.

مدونة وطن "eSyria" زارت مدينة "القدموس" بتاريخ 3 أيلول 2018، والتقت المدرّس المتقاعد "عبد الحميد الجندي" ليحدثنا عن مسيرة سنوات طويلة من العمل في التدريس، حيث قال: «نشأت لدى أسرة قدموسية مكوّنة من أب وأم وثمانية أبناء؛ خمسة منهم ذكور، وثلاث إناث، ودخل أدنى من المتوسط. درست المرحلة الابتدائية في بلدة "القدموس"، وانتقلت إلى مدينة "اللاذقية" وحصلت فيها على الشهادة الإعدادية، لأعود إلى "القدموس" مجدداً بعد أن تمّ افتتاح المدرسة الثانوية فيها، ومنها حصلت على الشهادة الثانوية، ووسط ظروف مادية صعبة جداً، التحقت بجامعة "دمشق" للدراسة في كلية العلوم، قسم الفيزياء والكيمياء، وبعد سنوات خمس حصلت على الإجازة الجامعية، وبعد التخرّج تقدمت إلى إحدى مسابقات التدريس، فتمّ تعييني في محافظة "طرطوس"، وبالتحديد في بلدتي، لكن عملي كمدرّس سبق مرحلة التخرج، حيث عملت مدرّساً في كل من "دمشق" و"القدموس" منذ عام 1973، وفي عام 1980 تقدمت للإعارة إلى دولة "الجزائر"، حيث عملت فيها مدرّساً لمدة أربع سنوات، وعدت بعدها إلى بلدتي، ومجدداً سافرت إلى "الجزائر" بعد أن تعاقدت مع الحكومة الجزائرية لمدة أربع سنوات أخرى، لأعود بعدها إلى "سورية" وأتابع عملي كمدرّس، واستمريت حتى عام 2003، حيث أصبحت حينئذٍ مدرّساً أولاً بنصاب ست ساعات أسبوعية، ومشرفاً أيضاً على أربع ثانويات من ثانويات المنطقة، واستمريت في هذا العمل حتى إحالتي إلى التقاعد عام 2008».

تزوجت عام 1978، وزوجتي من إحدى عائلات منطقة "مصياف" المعروفة، وقد رزقنا بأربعة أولاد؛ ابنتان، وذكران، ابنتي الكبرى جيولوجية وحاصلة على إجازة في هندسة الديكور، والثانية حاصلة على إجازة في هندسة العمارة، وأحد أولادي محامي في مدينة "مصياف"، والآخر موظف في معمل إسمنت "طرطوس". أما العلاقة التي تربط أسرتي، فهي المحبة والاحترام والثقة، علاقة يعود الفضل الأول والأخير فيها إلى زوجتي المعلمة المتقاعدة، التي رافقتني في أيامي بحلوها ومرّها، وخلال سنوات غربتي في "الجزائر" برفقة ابنتي الكبرى، وفي "الجزائر" أيضاً رزقنا بطفلنا الثاني

ويتابع: «تزوجت عام 1978، وزوجتي من إحدى عائلات منطقة "مصياف" المعروفة، وقد رزقنا بأربعة أولاد؛ ابنتان، وذكران، ابنتي الكبرى جيولوجية وحاصلة على إجازة في هندسة الديكور، والثانية حاصلة على إجازة في هندسة العمارة، وأحد أولادي محامي في مدينة "مصياف"، والآخر موظف في معمل إسمنت "طرطوس". أما العلاقة التي تربط أسرتي، فهي المحبة والاحترام والثقة، علاقة يعود الفضل الأول والأخير فيها إلى زوجتي المعلمة المتقاعدة، التي رافقتني في أيامي بحلوها ومرّها، وخلال سنوات غربتي في "الجزائر" برفقة ابنتي الكبرى، وفي "الجزائر" أيضاً رزقنا بطفلنا الثاني».

إبراهيم معين سليم ومدرّسه عبد الحميد

ويضيف: «من الطبيعي أن يترك أي مدرّس ملتزم ومتفانٍ في عطاءاته أثراً كبيراً في ذاكرة طلابه، وهذا ما حرصت عليه أثناء تأدية رسالتي وواجبي المهني، فلم أشعر يوماً بأي فوارق بين طلابي وأبنائي، وفي هذا الجانب بالتحديد لا أنكر تأثري بمعلمي وقدوتي المربي الراحل "إسماعيل أبو عبد الله" الذي لا يزال حتى الآن القدوة والمثل لكل أهالي منطقة "القدموس"، ولا أذكر أنني أخذت يوماً أي إجازة صحية؛ باستثناء مرة واحدة لأسباب خرجت عن إرادتي، حتى في إحدى ليالي "القدموس" المثلجة تعرضت لحادث أدى إلى كسر في يدي، وعلى الرغم من شدة الألم الذي نتج عن الحادث والكسر، إلا أنني في الصباح ذهبت إلى عملي، فقد كان همي وهاجسي دائماً طلابي ومستقبلهم، أما الآن وحين أراهم قد وصلوا إلى مراتب علمية عليا؛ فمنهم الأطباء، والمهندسون، ومنهم من أصبحوا زملائي في التدريس، ومنهم الموظفون في مختلف القطاعات، فينتابني شعور لا يوصف من الفخر والرضا، وأتأكد من أنني قمت بإيصال رسالتي على أكمل وجه، وما بذرته على مدى سنوات طويلة قطفت منه أطيب الثمار».

أما "إبراهيم معين سليم" أحد طلابه، فقد قال عنه: «المدرس الأول ومن أقدم مدرسي المنطقة، لا يزال حتى هذا اليوم القدوة والمثل الأعلى لزملائه وطلابه، ونموذجاً في الإخلاص والتفاني والصبر، لم يكن يهتم يوماً بمصلحته كفرد، لكن المصلحة العامة لأبناء بلدته كانت همه الشاغل وهدفه الأول، فتراه حاضراً في جميع المناسبات وعلى اختلافها في الأحزان والأفراح جنباً إلى جنب مع أقاربه وجيرانه وأصدقائه، وأنا من طلابه القدماء لم أذكر يوماً أنه غاب عن تأدية واجبه والتزامه به، حتى وإن قست الظروف عليه كان الحاضر دائماً، لم يفرق يوماً أي منا عن أبنائه وبهذا كان مثلنا وقدوتنا وعلى الرغم من هذه السنوات الطويلة لايزال حتى الآن القدوة وسنروي لأولادنا وأحفادنا حكاياتنا عنه ليكون خير مثل لهم في مستقبلهم».

يذكر أن المدرّس المتقاعد "عبد الحميد الجندي" من مواليد "القدموس"، عام 1948.