على الرغم من اهتمامها بالتكنولوجيا، وسعيها الدائم إلى تطوير مهاراتها، إلا أن التراث بالنسبة لها هو الهوية التي لا بدّ من الحفاظ عليها، تركت في المجتمع بصمتها الواضحة، من خلال ما تقدمه من مبادرات على مختلف الصعد.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 شباط 2019، المربية "فاتن علي"، فتحدثت لنا عن نشأتها بالقول: «ماذا أقول عن أسرة عشت في كنفها على أنغام موسيقا والدي الفنان والمربي، عائلة أعطتني الثقة وحس المسؤولية منذ نعومة أظفاري، وفيها تعلمنا معنى الصدق والالتزام والتواصل بالنظر من دون الحاجة إلى وسائل التأنيب، على مبدأ من لا تؤثر فيه الكلمة لن تؤثر فيه العصا، وفي قريتي الجميلة "الصومعة" التابعة لريف "صافيتا" درست الابتدائية والإعدادية. أما الشهادة الثانوية، فقد حصلت عليها بعد أن تزوجت، لأتابع بعدها دراستي الجامعية في قسم الآداب باختصاص اللغة العربية، ومنذ أن كنت طفلةً أحب مهنة التدريس، حينئذٍ كنت أجمع أولاد الحارة وألعب دور المعلمة، هي مهنتي التي ورثتها أباً عن جد، وفي هذا أذكر أنني كنت في الخامسة عشرة من عمري حين بدأت تدريس الطلاب تحت أشجار السنديان بطريقة رائعة، وقد تجاوز عددهم حينئذ الخمسين طالباً وطالبة، عملت وقتئذٍ من مبدأ العطاء الذي لا يحصره ولا يحدده مكان، وهدفي كان تقبل المتلقي وتفاعله وتحقيق الفائدة له، والآن أنا مدرّسة في ثانوية القرية، إلى جانب تفرغي الجزئي لمصلحة برنامج دمج التقانة في التعليم، وقد شاءت الظروف -ومن حسن حظي- أن نلت شهادة التدريب في مشروع دمج التقانة، والتدريب بالنسبة لي أمر رائع لما له من قيمة معنوية وتحفيز للتطور المستمر».

كل ما سبق ذكره من نشاطات وأعمال قمنا بها، كانت سابقاً برعاية من قبل منظمة الاتحاد النسائي، أما الآن، فهو مجهود شخصي أعدّه انتعاشاً لروحي وهديةً متواضعةً لأهلي وناسي وأسر الشهداء والجرحى من جيشنا العظيم، فأنا دائماً متفائلة، أنظر إلى الأفق الجميل، وأسعى إليه على الرغم من كل الصعوبات، وعندما أصل سرعان ما تنطفئ شعلة الفرح، فأنظر من جديد إلى الأفق الأبعد، وأبدأ رحلة السعي مجدداً

وتكمل: «أهتم بالتكنولوجيا لأنها أداة العصر في كل المجالات وعلى كافة الصعد، وعلى مبدأ من لا يطور نفسه لن يطوّر غيره، وقد شعرت بضرورة كسر حاجز هذه الأداة والتعلم عليها، فبالنسبة لي لا شيء مستحيل، علينا تحديد الهدف، ثم السعي لتحقيقه مهما كثرت الصعوبات والمعوقات، خاصةً أن التكنولوجيا في عصرنا هذا أصبحت ضرورةً حقيقية للتواصل وتبادل الأفكار والآراء والمعلومات، أيضاً في البحث العلمي لا بد من استخدام الوسائل الحديثة للحصول على المعلومة، وحافزي كان حب مواكبة كل جديد، والتطلع إلى الأفق الأجمل، والتجديد في الحياة والابتعاد عن التقليد».

من إحدى دورات دمج التقانة في التعليم

على الرغم من هذا الاهتمام بالتكنولوجيا، إلا أن مفردات الأرض والتراث والريف حاضرةً لديها بقوة، عن كيفية المواءمة بين الجانبين قالت: «تراثنا هويتنا، كما أننا في العرف الاجتماعي نظن أن التكنولوجيا الآلة والأداة الحديثة فقط، لكن علينا ألا ننسى تكنولوجيا الطبيعة، وأعواد الأغصان التي تعلمنا من خلالها الجمع والطرح، والطبيعة بنظري هي الشاشة الأولى لنا، والملهمة بما فيها من أرض وشجر وزهر وأصوات وألوان، وصفاء وعطاء أيضاً، فكل ما يخدمنا موجود فيها، وكل شيء يخدم الإنسان لحياة أفضل ورفاهية وسعادة أهلاً به مهما تعددت واختلفت وسائله».

حاضرة دائماً في أي مناسبة وأي مكان يستدعي الواجب حضورها فيه، ورسالتها هي العطاء، عن هذا الجانب قالت: «لطالما أحببت المشاركة في المناسبات والأنشطة المدرسية منها والمجتمعية، ومنذ عام 2008 حتى الآن، وعلى مبدأ (الحصوة تسند جرّة)، بدأنا العمل في تنمية بيئة محلية بمساعدة كادر متطوع يعمل من دون مقابل صيفاً، فأقمنا العديد من دورات اللغة العربية والإنكليزية، ودورات الرسم للأطفال، إلى جانب تعليم حياكة الصوف والخياطة، وأشغال القصب والخيزران، وديران أطباق القش، إيماناً بأهمية هذا التراث الجميل الأصيل، ولأنه متاح بين الأيادي، والهدف الأسمى دائماً بالنسبة إلى التشجيع والتحفيز على الاستمرار في زراعة القمح، هذا الذهب الأصفر، فهو الثروة الوطنية بامتياز، وفيه تحيى الشعوب، والحقيقة خلال السنوات العشر الماضية وبعد كل دورة تدريبية كنا نعرض نتاجاتنا بمهرجان سنوي نقدم فيه فقرات للأطفال، وغناء ومسرح وشعر وعزف، إضافة إلى معرض تراثي يشارك فيه عدد كبير من الفنانين. أما المنتجات الغذائية، فتعرض وتباع مباشرة من المنتج إلى المستهلك من خلال سوق خاص بهذا الغرض، أيضاً في كل عام هناك رحلة ترفيهية يشارك فيها مختلف الأعمار تتخللها مسابقات شعريةً وثقافيةً، والأهم من ذلك توحيد اللقمة بين الجميع.

ومن أهم الأنشطة التي فرضتها الحرب المؤلمة، الزيارات المستمرة لأسر الشهداء والجرحى والمخطوفين والتبارك بهم، ومحاولة تطييب خاطرهم من قبل فريق عمل متطوع ذاتياً؛ بصمت وبحسب قدرة كل شخص، وتقديم ما يلزم من مساعدات».

وتضيف: «كل ما سبق ذكره من نشاطات وأعمال قمنا بها، كانت سابقاً برعاية من قبل منظمة الاتحاد النسائي، أما الآن، فهو مجهود شخصي أعدّه انتعاشاً لروحي وهديةً متواضعةً لأهلي وناسي وأسر الشهداء والجرحى من جيشنا العظيم، فأنا دائماً متفائلة، أنظر إلى الأفق الجميل، وأسعى إليه على الرغم من كل الصعوبات، وعندما أصل سرعان ما تنطفئ شعلة الفرح، فأنظر من جديد إلى الأفق الأبعد، وأبدأ رحلة السعي مجدداً».

زوجها المدرّس "محمد حبيب مسعود" قال: «الزوجة المناضلة والصابرة، عندما كنت مدرّساً في "الحسكة"، كانت أمّاً لثلاثة أطفال، تحملت وحدها مسؤولية تربيتهم، إلى جانب رعاية والديّ اللذين كانا يعانيان من وضع صحي حرج، ولم تهمل يوماً الأرض وما تتطلبه من جهد شاق وساعات عمل مرهقة، ووسط هذه الظروف حصلت على الشهادة الثانوية وبعدها الجامعية، وهي اليوم أمّ الجميع ولها مكانتها في قلوب طلابها وذويهم، تبنّت الكثيرين وأمسكت بيدهم لتعيدهم إلى طريق الصواب، وهم الآن يسعون بكل جهدهم ليكونوا أصحاب شأن في مجتمعهم، و"فاتن" اليوم بحق الأم القدوة، بشهادة كبار الشخصيات في المحافظة؛ لما تقدمه من عطاءات علمية وتكنولوجية من دون انتظار أي مقابل».

أيضاً عنها قالت "أصالة سليمان" من سكان القرية: «تعلّمت منها الكثير بمختلف المجالات، نشاطاتها متنوعة، وعطاءاتها لا محدودة، تؤمن بأنه من حق الجميع أن يتعلموا من دون التقيد بسنّ محددة، ولهذا تقوم بدورات لتعليم الكبار استخدام الحاسوب، حتى من تجبره ظروفه على التغيب عن الدورة لسبب ما لا تتردد في زيارته والاطمئنان عن حاله وتعويضه ما فاته من معلومات، هي المصلح في المشكلات، والمواسية في الأحزان، وصاحبة اليد البيضاء في كل المناسبات».

يذكر، أن المربية "فاتن علي" من مواليد قرية "الصومعة" في ريف "صافيتا" عام 1972، وهي مدرّسة لغة عربية ومدرّبة في مشروع دمج التقانة في التعليم.