رحلة حياة تنوعت ما بين العلوم الحيوية الكيميائية والتدريس ضمن هذا المجال، ومهنة نشر الحجارة التي واجه فيها صلابة الحجر بالإرادة، ونحت لنفسه من خلالها اسماً بين رجال الأعمال في بلده، ليكشف المرض له مؤخراً موهبةً أدبيةً استثنائيةً أبدع بها أيضاً.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 تموز 2019، الكاتب والروائي "صلاح معلّا" ليحدثنا عن دراسته وعمله، فقال: «نشأت ضمن أسرة مكونة من خمسة إخوة؛ كنت أنا الأكبر بينهم، ووالدي كان يعمل في مهنة الحجر، المهنةُ التي مارستها أنا أيضاً إلى جانب مهنة التدريس بعد إنهاء دراستي في جامعة "حلب" باختصاص العلوم الحيوية الكيميائية، التي استمرت ما بين عامي 1976-1980، وفي البداية لم يكن تأسيس حياتنا أمراً سهلاً بالنسبة لي ولزوجتي التي كانت وما زالت سندي في هذه الحياة، فإضافة إلى عملها كمعلمة، اهتمّت بأعمال الأرض والزراعة ورعاية شؤون العائلة، واستمرّينا هكذا حتى بدأت أحوالنا تتحسن تدريجيّاً، أيضاً أخي كان سنداً لي ويدي الأقوى التي تعينني على صعوبات الحياة، خاصةً في عملنا بمجال الحجر منذ بداياتنا، فمن مقلعٍ لكتل الحجارة إلى مناشر صغيرة، أخذنا نتوسع أكثر فأكثر، تحملنا كل أنواع المنافسة وتفوقنا، حتى تخطينا بجودة إنتاجنا حدود البلد».

في مجال الأدب بالتحديد، أذكر أنه كان يمتلك بذور هذه الموهبة منذ الصغر، فقد عرفته منذ أن كنّا على مقاعد الدّراسة، ولطالما كانت له إبداعاته في التّعبير الإنشائي على وجه الخصوص، وعلى الرّغم من ظروف العمل والحياة التي أبعدت كل منّا عن الآخر، عدت لألتقيه من جديد أباً مكافحاً، وصديقاً محباً أفتخر به، ورجل أعمال ناجحاً، وروائياً مبدعاً، استطاع على الرغم مما يعانيه من وضع صحي أن يترك بصمته في هذا العالم

ويتابع: «استمريت في عملي بالتدريس إلى أن بلغت سنّ التقاعد عام 2016، رحلة كانت غنيةً بالتفاصيل الجميلة برفقة طلابي، أبرزها المعارض البيئية في "طرطوس" القديمة، التي قمت بها بمساعدة متميزة من قبلهم، وقد استمرت بين عامي 2000-2008، وكل معرض كان يمثل طبيعةً متكاملةً. على سبيل المثال كنت أصمّم جبلاً بارتفاع عدّة أمتار، وعليه أوضّح بعض المعلومات التي تتعلّق بأنواع من النباتات والارتفاعات التي تتناسب معها، ودرجات الحرارة اللازمة لزراعتها ونموّها، ويقدّم طلابي شرحاً كاملاً عن محتوى المعرض للزائرين الذين كانت تتخطّى أعدادهم 400 زائر سنوياً، ومن ضمنهم أبرز الشخصيات على مستوى المحافظة.

مع زوجته يسرى رمضان

هدفي من هذه المعارض إيصال رسالتي بضرورة الحفاظ على البيئة، وقد أشرت من خلالها إلى الكثير من النقاط المهمة التي تسهم في دمارها، لقد صمّمت معملاً يحاكي تماماً معمل الإسمنت بأدقّ تفاصيله، وبينت التلوّث الهائل الذي يسببه لكل من مدينة "طرطوس" وريفها، وتأثيره في كل شيءٍ حيٍّ من حوله، أيضاً ضرر المبيدات والأدوية الكيميائية والبيوت البلاستيكية ومخاطر معاصر الزيتون، وتأثير هذا كلّه بالإنسان والتربة».

وضعه الصحي أجبره على ترك قريته والعيش إلى جانب البحر بعيداً عن جو الجبل وضغوط العمل القاسية، لكن هذا ما أسهم بتفتح بذور موهبة أدبية اكتُشفت متأخرةً، لكنه أبدع فيها، وعن إبداعه الأدبي يقول: «لم يكن لي بكتب الأدب أي صلة، ولم أقرأ الرواية والشعر إلا ما ندر، فاهتماماتي كانت تتجه بكل ما له علاقة بالعلوم، وقد عملت طوال حياتي على تكثيف معلوماتي وخبراتي بالجانب العلمي المتعلق باختصاصي، لكن بوجه عام، لم تخلُ مرحلة دراستي الجامعية من بعض محاولات كتابة الخواطر على أوراق ما زلت أحتفظ بها بين كتبي في تلك المرحلة، ومع بداية الحرب عام 2011، بدأت أنشر بعض الأشياء على صفحتي الشخصية على "فيسبوك"، كتابات نالت إعجاب الأصدقاء والمقرّبين الذين شجعوني على الخوض في هذا المجال، وبالفعل بدأت الجلوس والكتابة لعدة ساعات يوميّاً، حتى أنجزت روايتي الأولى التي أسميتها "الشاهدُ مَلَك"، وتمت طباعتها عام 2018، أحداثها تدور حول الأزمة السورية وأسبابها وأسباب استمرارها، وتناولت عدة مواضيع؛ منها الفلسفية والسياسية والبوليسية والعلمية، لقد قال عنها أحد أصدقائي إنها مكتبة متكاملة.

مع صديقه غسان علي

أما روايتي الثانية "المفترق"، فقد تمت طباعتها هذا العام 2019، كانت تدور أحداثها ضمن فترة الاحتلال العثماني، وقد ناقشت فيها بعض العادات والتقاليد والعقائد التي ما زالت تمارس حتى يومنا هذا، وهي أيضاً كسابقتها تحوي مواضيع متعددةً وجريئةً، مع ملاحظة أنّ غلافي الروايتين من تصميمي أنا، إضافة إلى روايتين قيد التدقيق، إحداهما تتحدث عن تجربتي العائلية، والأخرى تناولت فيها قضايا المرأة في مجتمعنا بأسلوب جريء».

زوجته "يسرى رمضان" قالت عنه: «لعائلته الكبيرة والصّغيرة تأثيرها الكبير في كل تفاصيل حياته، محبٌّ ومتفهمٌ للجميع، وحتى من هم أكبر منه سنّاً يعدّونه أباً روحياً لهم، من خلال حرصه الدائم ومحبته التي يحيطهم بها، وغيرته الدائمة عليهم. أصدقاؤه يشهدون له بوفائه وإخلاصه وتجاوزه لأي مشكلة أو سوء تفاهم فيما بينهم، وبعد رحلة حياة صاخبة ما بين التدريس والعمل، اليوم يقضي أيامه على هذا الشاطئ بكل هدوء، يدوّن على أوراقه كلّ تجربة مرّ بها، أو خبرة اكتسبها في هذه الحياة التي لم تكن سهلة يوماً».

من أعماله الروائية المطبوعة

ومن أصدقائه القدامى "غسان علي"، وعنه يقول: «في مجال الأدب بالتحديد، أذكر أنه كان يمتلك بذور هذه الموهبة منذ الصغر، فقد عرفته منذ أن كنّا على مقاعد الدّراسة، ولطالما كانت له إبداعاته في التّعبير الإنشائي على وجه الخصوص، وعلى الرّغم من ظروف العمل والحياة التي أبعدت كل منّا عن الآخر، عدت لألتقيه من جديد أباً مكافحاً، وصديقاً محباً أفتخر به، ورجل أعمال ناجحاً، وروائياً مبدعاً، استطاع على الرغم مما يعانيه من وضع صحي أن يترك بصمته في هذا العالم».

يذكر، أن الروائي "صلاح حبيب معلّا" من مواليد "طرطوس" عام 1956، متزوج ولديه ستة أولاد.