من مواد متوافرة في البيئة السورية؛ وبطريقة سهلة وآمنة وغير مكلفة تمكّنت الطالبتان "يارا القاضي" و"ليليان ناصر"، من تصنيع أغلفة غذائية رقيقة مضادة للميكروبات، بهدف إطالة مدة صلاحية المواد الغذائية إلى أطول مدة ممكنة، والحدّ من النشاط الميكروبي الضار بالغذاء؛ وذلك باستخدام مواد طبيعية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 29 تشرين الثاني 2018، مع المهندسة "ليليان ناصر" لتحدثنا عن مشروع الأغلفة الحيوية القابلة للأكل والمحضّرة من مواد نشاء البطاطا والغليسيرول ومستخلص الزعتر البري والسلحب كبديل للأغلفة البلاستيكية الضارة بالبيئة وغير القابلة للتحلل بسهولة، وعن فكرة المشروع وأهميته قالت: «بما أن المواد الغذائية تحوي موادَّ حيوية فإنها ستفقد بعضاً من قيمتها وجودتها الغذائية وستكون أكثر عرضة للتلف بعد مدة قصيرة، فكان لا بد من إيجاد وسيلة لحفظ هذه المواد لأطول مدة ممكنة، وإطالة عمرها بطريقة آمنة وبسيطة ومتوفرة بالبيئة السورية، وبأقل تكلفة ممكنة، وتستخدم كبديل للأغلفة البلاستيكة الضارة».

مشروع الأغلفة الغذائية القابلة للأكل ليس وليد اللحظة، وإنما عمره عشر سنوات، وقد تم نشر العديد منها في المقالات العالمية المحكمة

وعن آلية الاستخدام وميزات هذه الأغلفة، حدثتنا المشاركة بالمشروع المهندسة "يارا القاضي" قائلة: «قمنا بالعديد من التجارب على مدار العام تحت إشراف الدكتور "علي محمد علي" المهتم بموضوع الأغلفة الحيوية، الذي عمل مدة طويلة في هذا المجال، وهو من طرح فكرة المشروع علينا، وكطلاب تخرّج كنا نبحث عن فكرة من صلب دراستنا وتقدم فائدة للناس. رغبتنا بالعمل وتوديع المرحلة الجامعية بطريقة مختلفة جعلتنا متحمستين للمشروع، ولم نجد صعوبة بالبحث عن المكونات لتوافرها، وكانت الصعوبة بالمتابعة، حيث قمنا بالكثير من التجارب، علماً أننا كنا على يقين بأننا سنتوصل إلى نتائج جديدة؛ فالدكتور كان يعطينا نسباً دقيقة وواضحة».

اشتراكهم بمعرض الباسل للاختراع لهذا العام

تابعت "القاضي" حديثها عن طريقة الاستخدام، وقالت: «تمكّنّا من تصنيع غلاف رقيق جداً وشفاف ومرن قابل للالتواء ومتجانس وناعم الملمس لامع، ويمكن نزعه بسهولة من القالب، ويستخدم لتغليف المنتجات الغذائية بأنواعها، وبعدة تقنيات حديثة منها الرش أو البخ أو الغمر أو التغليف، وبعد أن تغلف المواد الغذائية بالمحلول المحضر تترك لتجف، فتتكوّن طبقة شفافة تأخذ شكل المنتج الغذائي وقوامه مع لمعة بسيطة لا ترى بوضوح، وتكون قابلة للتحلل، ويمكن إزالتها بالماء بسهولة، فتحافظ على سلامة وجودة وخصائص المنتج الغذائي من حجم وقوام ولون، وتحميه من التلف والفساد لأطول مدة ممكنة».

وللتأكد من سلامة وجودة المنتج تابعت "ناصر" حديثها: «أجري على الغلاف اختبار الإنماء البكتيري، ولمعرفة خصائص الغلاف المضادة للميكروبات تم تقسيم الغلاف إلى عدد من العينات، وتم وضعها في عبوات صغيرة، حيث وضعت مجموعة عينات في جو الغرفة العادي من دون إغلاقها، ومجموعة عينات أخرى في جو الغرفة العادي لكن مع إغلاقها، وتمت مراقبة العينات باستمرار لمدة شهر، وقد تبيّن أن هذه الأغلفة آمنة من الناحية الميكروبيولوجية وفعالة للاستخدام، حيث لم تظهر ميكروبات على عينات الغلاف، وقد أظهرت النتائج أن عينات الفواكه المطلية بمحاليل هذه الأغلفة احتفظت بخواصها من لون وقوام وحجم، وذلك بالمقارنة مع العينات التي بقيت من دون طلاء، وإن تم حفظها في الثلاجة بعد هذه العملية سيطول عمرها الزمني».

مع الدكتور المشرف علي علي بالمخبر

وأضافت "القاضي" عن جودة المشروع وفائدته الاقتصادية: «مشروعنا يخدم من يرغب بتصدير المواد الغذائية للخارج، وخاصة المنتجات القابلة للتلف السريع، حيث يحافظ عليها. المشروع فكرته جديدة فدمج مادتي النشاء والسحلب لم تكن مطروقة من قبل، وإنما وجد كل مكون وحده، والإضاءة الإعلامية من أفضل الطرائق للترويج للمشروع الذي سيعود بالفائدة الاقتصادية والصحية على البلد، ونعمل حالياً على تطوير المنتج للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة».

الدكتور "علي محمد علي" من قسم هندسة تقانة الأغذية بكلية الهندسة التقنية "بطرطوس"، قال: «مشروع الأغلفة الغذائية القابلة للأكل ليس وليد اللحظة، وإنما عمره عشر سنوات، وقد تم نشر العديد منها في المقالات العالمية المحكمة».

مادة غذائية خضعت للتجربة

وتابع: «وفقاً للخطة الدرسية يجب على طلاب السنة الخامسة إنجاز مشروع تخرجهم بوجود مشرف متخصص، ولحسن حظهم فإن هذا المشروع عملت فيه من عشر سنوات وكان بصورته النهائية، كما قمت بتدريبهم على صناعة بعض "الفورملات" الجاهزة من خلال المسح العلمي والتطبيقي وطريقة مناقشة النتائج والتطبيقات الملحقة بها، فاستطعنا أن نصل إلى نتائج جيدة خلال مدة محددة، وأقول إن ما تم نشره جزء بسيط لمشروع متكامل يحوي العديد من المفاجآت والإضافات العلمية الجديدة».

وعن تميز المشروع قال: «من النواحي الصحية يعدّ آمناً ويحافظ على البيئة، ويصل عمره الافتراضي إلى ستة أشهر من دون وجود تغير في تركيبته أو ضعف في خواصه الفيزيائية أو الميكانيكية أو التطهيرية بفضل المواد الطبيعية الموجودة ضمن التوليفة والمنتجة من البيئة النباتية السورية. يعدّ هذا الغلاف منافساً للعديد من الأغلفة الأوروبية؛ لأن كل المكونات رخيصة ومتوافرة في بيئتنا. يمكن تسويق واستثمار هذا المشروع والمشاريع الأخرى عن طريق إحداث مركز لتسويق المنتجات الهندسية والطبية والصيدلانية في الجامعة، ودعوة كل القطاعات الصناعية ذات الصلة إلى هذا السوق؛ فتلاقي هذه الفعاليات مع المنتجين سيحقق فرص الاستثمار».

وعن رأيه بالتطور المستقبلي للفكرة، قال: «يجب توطين تقانة الأغلفة القابلة للأكل والجودة الغذائية، والتحول من النظام المتقطع لإنتاج الأغلفة إلى مرحلة النظام المستمر باستخدام تقنيات "البثق" الرطب، وإنشاء مركز لإنتاج الأغلفة في كلية الهندسة التقنية بـ"طرطوس"، ودعم الباحثين وتحفيزهم من قبل إدارة الجامعات، فنقاط القوة لأي جامعة تعود أولاً إلى الجوائز العلمية التي يحققها الباحثون، ثم النشر في مجلات عالمية محكمة».

يذكر، أن "ليليان محمد ناصر" من مواليد "طرطوس" عام 1995، خريجة كلية الهندسة التقنية في جامعة "طرطوس"، قسم تقانة الأغذية. و"يارا محمود القاضي" من مواليد "طرطوس"، عام 1995. ويشار إلى أن المشروع شارك في معرض "الباسل" للإبداع والاختراع الأخير عام 2018، وحصل على شهادة تقدير.