أحبتْ العملَ التَطوعيّ وخاضت غمار الأعمال الإنسانية منذ الصَغر، فتمكنت من وضع بصمتها الخاصَة في هذا المجال رغم صغر سنها، فاستطاعت الوصول رفقة فريقها "سيار طرطوس" إلى تحقيق نتائج كبيرة على الصعيد الإنساني.

مدونةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 تموز 2019 "ولاء أحمد" لتحدثنا عن الفكر التطوعي وبداياتها مع العمل الإنساني فقالت: «العمل الإنساني يحتاج في البداية وقبل كلّ شيء لتوظيف الإنسانية التي بداخلنا بشكلها الصحيح، إلا أنّه من الصعوبة أن يتمكنَ الشَخصُ من أن يجعل إنسانيته تطغى على كل تفاصيل الحياة، فيما إذا كان يفتقر إلى مجتمع تسود المحبة فيه، يعود الدور الأكبر في محبّة الإنسان لممارسة الأعمال التَطوعية إلى الأهل والمدرسة بشكل أساسي، ومنذ الصغر عائلتي لم تتوقف في يوم واحد عن تقديم كل أنواع الدعم لي للقيام بهذه الأعمال التي بدأت تترجم على أرض الواقع في المدرسة، حيث كان العمل الجماعي الذي يقتصر على تنظيف الحي والمدرسة بداية المشوار في العمل التطوعي الذي يظهر الجانب التطوعي البديهي عند الأطفال، ومروراً بالمراحل المدرسية، تطوّرت أعمالنا التطوّعية لتصل مرحلة متقدمة من العمل المتمثل بالمشاركة في معسكرات عمل تطوعيَة سواء في منظمة "شبيبة الثورة" أو غيرها من المعسكرات التَربوية التي رسّخت مفهوم التطوع أكثر وأكثر في داخلي».

الأطفال دائماً وأبداً هم نقطة ضعف عند الجميع، تتأثر بهم لا شعورياً، كما أنّهم يمتلكون من المواهب والقدرات الكثير، إلا أنّ ظروف الحرب وقساوتها ذهبت بهم بعيداً عن مسار الطفولة، فقد تجرَد الأطفال من براءتهم وحرمتهم الظروف الصَعبة من أبسط حقوقهم، ولعلّ الهدف الأهم لي ولكلّ متطوع ومؤمن بفكرة المشروع هي العودة بهؤلاء إلى أماكنهم الطَبيعية في المدرسة؛ يلعبون ويفرحون، ونكون العون لهم في تحقيق طموحاتهم وترجمة أحلامهم على أرض الواقع

وتابعت: «في عام 2013 هُجرنا من منطقة "برزة البلد" بـ "دمشق" متأثرين بتداعيات الأزمة التي عصفت بالبلاد، ومع انتقالنا إلى مكان السكن الجديد في إحدى ضواحي العاصمة "دمشق"، كان في الحي مجموعة من الأطفال والأشخاص الذين يحتاجون المساعدة، وهنا كانت الانطلاقة، فقد سعيت جاهدة للوقوف بجانبهم ومساعدتهم على تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ولا أستطيع وصف شعور الفرح الكبير الذي تولّد عندهم بعد أن استطاعوا تخطي هذه العقبة في حياتهم، والتغلب على التنمر الذي كانوا يتعرضون له من قبل أقرانهم في الحي».

ولاء مع رفاقها في إحدى فعاليات فريق سيار

وعن مسيرتها المنظمة داخل مؤسسات العمل الإنساني قالت: «تطوّعت في الأمانة السورية للتنمية عام 2014 في "دمشق"، وبدأ العمل على أرض الواقع، حيث كنا نجالس النّاس في الشوارع والأزقة، ونسمع همومهم ومشاكلهم، محاولين إيجاد الحلول المناسبة لها، فالعمل الإنساني لا ينتظر أحداً، وعليك أن تسير خلفه لتصنع الفرح والسعادة عند أولئك الأشخاص الذين أبكتهم قسوةُ الحياة، ومن ثمّ انخرطتُ ضمن برنامج "بادر" للأطفال، وعملت معهم فترةً من الزمن إلى أن حضرت ورشة عمل لمشروع "سيار" في أواخر عام 2017 العاملة مع الأطفال فاقدي الرعاية، والذين فقدوا أبسط حقوق الطفولة».

وأكملت: «الأطفال دائماً وأبداً هم نقطة ضعف عند الجميع، تتأثر بهم لا شعورياً، كما أنّهم يمتلكون من المواهب والقدرات الكثير، إلا أنّ ظروف الحرب وقساوتها ذهبت بهم بعيداً عن مسار الطفولة، فقد تجرَد الأطفال من براءتهم وحرمتهم الظروف الصَعبة من أبسط حقوقهم، ولعلّ الهدف الأهم لي ولكلّ متطوع ومؤمن بفكرة المشروع هي العودة بهؤلاء إلى أماكنهم الطَبيعية في المدرسة؛ يلعبون ويفرحون، ونكون العون لهم في تحقيق طموحاتهم وترجمة أحلامهم على أرض الواقع».

إيناس الحصيني

وعن الرسالة الإنسانيَة التي تعمل "ولاء" من أجل إيصالها وتحقيقها قالت: «لعلّ أكثر الأشياء التي أحبّ أن أوصلها للعالم هي أن نخرج من الصناديق الجامدة، ونحسّ بالآخرين، نتساعد ونساند بعضنا من دون أن ننتظر أيّ مقابل للعمل الذي نقوم به، فالمردود المعنوي في العمل التطوعي لا يقدّر بثمن، وعند رؤيتك وإحساسك بالنتائج الإيجابية من فرح وابتسامة وهدف تحقق وحياة أشخاص تغيرت نحو الأفضل؛ هنا يكون المقابل الكبير الذي لا يمكن تقديره بثمن، ولا يمكنني نسيان ما تعلمته في المدرسة عن "إيليا أبو ماضي" عندما قال:

(أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا... لولا شعور الناس كانوا كالدمى

محمد غجرية

أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيراً.... أبغض فيمسي الكون سجناً مظلماً)

المحبّة هي أسمى تجليات الإنسانية فينا وعلينا أن نحافظ على تواصلنا ومحبتنا وتعاوننا لنرتقي بأبناء وطننا وبأنفسنا وبأطفال اليوم الذين سيكونون شباب الوطن في المستقبل، بهم يكبر وينمو وعليهم تنعقد أمنياته».

"إيناس محمد الحصيني" منفذة تعليم في مشروع "سيار" ومساعدة بالعلاج بالفن تحدثت عن زميلتها في العمل التطوعي "ولاء أحمد" فقالت: «"سيار" بالنسبة لها عبارة عن أولوية يومية من حيث التحضير والتنسيق والاجتماعات وتنظيم العمل، وتفادي الوقوع بالأخطاء، وينصبّ اهتمامها أيضاً على شعور أطفال "سيار" والتركيز دائماً على رسم الفرح على وجوههم، تحاول دائماً ابتكار نشاطات جديدة تقدّم الفائدة والسعادة للأطفال في وقت واحد، أما كونها مسؤولة عن عمل الفريق ككل فنحن نشعر بقربها من الجميع؛ سواء متطوعين أو أطفال، دائماً تعطينا الدافع الكبير للتقدم بالعمل وتحقيق النتائج الإيجابية، وكسبت ثقة الأطفال بشكل كبير، فكثيراً ما يجالسونها ليحدثوها عن مجريات يومهم».

"محمد غجرية" زميل "ولاء" منذ الطفولة، تحدث عن تفاصيل أكثر عن حياة "ولاء" بالقول: «إنسانة حساسة، وملأى بالطفولة، شخصيتها ممزوجة بكثير من العطف وكثير من الشخصية القيادية، فهي مع الأطفال تبدو كطفلة تشاركهم ضحكاتهم وهمومهم وبكاءهم، وذلك لا يضعفها أبداً بل يعطيها دافعاً أكبر لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها، أما اجتماعياً فكل من يعرفها لا ينسى ضحكتها الطفولية وقلبها الذي لا يعرف الحقد، فهي لا تترك إلا انطباعاً خاصاً من المحبّة عند الجميع، وقد سخّرت نفسها للأعمال التطوعية منذ بداية الأزمة، فبدأت مع "الأمانة السورية للتنمية"، وانتقلت إلى مشروع "بادر"، وثمّ مشروع "سيار" الذي يُعنى بالأطفال المهمّشين فاقدي الرعاية في محافظة "طرطوس"، وبالكثير من الحبّ والإخلاص استطاعت أن تكسب قلوب كل الأطفال فكانت الأخت الكبيرة لهم والأمّ في الكثير من الأوقات، وتأثيرها الإيجابي لم يقتصر في الأطفال فقط بل أعطت الدافع والثقة لكلّ من يعمل معها لتغدو مثالاً يحتذى به».

يذكر أنّ "ولاء أحمد" من مواليد "دمشق" 1991، تعيش وتمارس عملها التطوعي في "طرطوس".