استطاعت خلال مدة قصيرة أن تثبت ذاتها وطريقها الأدبي المحفوف بالمخاطر؛ فاللغة لديها هي بصيص الضوء الذي يجب ضمه وجمعه ليرافق الشغف المحفوف بالفكرة، وينير خفايا الروح تاركاً للنبض اختيار الأجمل والأكثر جاذبية، فتختال قصائدها بالسحر والقوة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الشاعرة والقاصة "شذى كامل خليل"، في 7 تشرين الأول 2017، فتحدثت عن سبب بداياتها بالغوص في يم الحروف وزبد الكلمات بالقول: «مثل كل الشغوفين بالكتابة، بدأت قصتي معها منذ الصغر، غير أنني لم أكن أنتمي إلى جوّ ثقافي مشجع، في الواقع عانيت من جوّ عائلة مفككة، فاتجهت إلى الكتابة أملاً بتخطي حالات الكآبة المستمرة التي واجهتها وحدي، وكنت لا أمتلك أدوات كافية لتحويل نصوصي من مشاحنات نفسية إلى نصوص أدبية، كنت أكتفي باستثمار الكتابة للتنفيس عن ضغوطات العائلة والمجتمع والحالات الاقتصادية المتفاوتة التي كنا نعيش في ظلها، حالات تأرجحت بين الرضا في بعض الأوقات، والخذلان في أوقات أخرى».

أظنّ أن الكتابة هي علاقة مفتوحة مع الحياة تحتمل مرارة وحلاوة كل حلم؛ لذا رحت أكتبُ القصص القصيرة وأنشرها في الصحف والمواقع الإلكترونية، وقد نلت المرتبة الأولى عن فئة الكتاب العرب لعام 2017 في صحيفة "الوسط البحرينية"، ولدي عدة قصائد شعرية على وزن التفعيلة، ومجموعة قصص منفصلة

وتابعت: «بعد ذلك توجهت إلى القراءة، في البداية حاولت كتابة الشعر المقفى والموزون، لكن هذا الأمر أجهدني، ولم يكن يُلبي رغبتي بإخراج ما أريد أن أقوله للعلن، ثم بعد مدة زمنية قرأت كتاب "قلق التأثر" للكاتب "هارولد بلو"، وكنت متأكدة من أنني أستطيع أن أبدأ بمحاولة تقليد كاتب ما أحب أسلوبه ولغته؛ لذا كانت روايتي الأولى تُحاول بطريقة أو بأخرى تقليد أسلوب الكاتبة الجزائرية "أحلام مستغانمي"، وحملت عنوان: "نبراس في الذاكرة"، وتم نشرها في عام 2012، ثم سحبتها من التداول لاحقاً؛ لأنني لم أرضَ بالكامل عنها، ثم جاءت محاولة الانسلاخ عن "مستغانمي"، وكانت رحلة متعبة ومرهقة، لكنها أتت ثمارها لاحقاً حين استطعت اكتشاف أسلوبي وتوجهي الحقيقي في علم الأدب، فرحت أستشف لغتي الخاصة، وتعلّمت فن البوح بعيداً عن التقليد، وتمكّنت من الانصهار في ذاتي الخاصة مستخرجةً كل قدراتي لأعطي أفضل ما لدي في كل قصيدة».

إبراهيم حسو

أما عن محاولاتها الأدبية الأخرى، فقالت: «أظنّ أن الكتابة هي علاقة مفتوحة مع الحياة تحتمل مرارة وحلاوة كل حلم؛ لذا رحت أكتبُ القصص القصيرة وأنشرها في الصحف والمواقع الإلكترونية، وقد نلت المرتبة الأولى عن فئة الكتاب العرب لعام 2017 في صحيفة "الوسط البحرينية"، ولدي عدة قصائد شعرية على وزن التفعيلة، ومجموعة قصص منفصلة».

أما عن اختيارها للغة تمتاز بالسهولة والرقة في قصائدها، فقالت: «ما أنشره على مواقع التواصل من نصوص نثرية هو محاولات لتحدٍّ ذاتي لا أكثر، حيث أحاول التلاعب باللغة واختيار صور حياتية مختلفة ومتنوعة، واستخدامها بطرائق متنوعة لتجلب لي المعنى بطريقة ذكية، ويمثّل كل حدث بسيط واقعاً مغايراً لي، حيث تقع عيني أولاً على تفاصيل حياتية عادية مثل أي ربة منزل أصنع من الفوضى ترتيباً معيناً، ثم آخذ المشهد وأتخيله بنظرة أنثوية بحتة، وأعكس جملة من المشاعر المرهفة مع ملاحظة أدق التفاصيل، والكثير من الأعمال المنزلية والأنثوية. وأظن أنني حين أكتب عن أي عمل نسائي فإنني أبوح بوجهة نظر معظم النساء اللواتي يعايشن الواقع بصمت مع ملاحظة أدق التفاصيل، ومما جاء في قصيدتي "دالية العنب" أعكس رأياً واضحاً لحدث منزلي يحتاج إلى التدقيق والوقوف لديه:

نبراس في الذاكرة

"خلافنا بدأ

من تلك النظرة الغريبة نحو دالية العنب

أنت استثمرتها لتزيد منسوب الخمر في قبو منزلنا

وأنا استثمرتها لأزيد في ثلاجتنا، أوراق العنب

الآن يظهر كلانا على حقيقته

أنت رجل سكير

وأنا امرأة عادية"».

الكاتب والصحفي "إبراهيم حسو" تحدث عن تجربة "شذى خليل" الأدبية، حيث قال: «لا يمكن تصنيف كتابتها ضمن قالب إبداعي واحد، فهي تكتب الشعر بسردية ونثرية، وتقترب من القص الروائي، وتكتب الرواية بنفَس شعري تطغى عليه الرهافة الحسية إلى أبعد من الموسيقا الشعرية نفسها، كتابتها مجموعة أفكار ومذاقات مختلفة ومتناقضة، تتضمن مجموعة قضايا حياتية تبدو كأنها حياة كاملة لامرأة أربعينية تعيش حياتين متناقضتين، حياتها العادية أو كأي حياة تعيشها المرأة السورية الخارجة للتوّ من الحرب الدائرة بالقرب من مدينتها، حيث الخوف والموت والترقب والفقد، أحاسيس تتشابك وتتنافر في لحظات وحياة امرأة شاعرة ترى الوجود كله مجرد كلمات وأحاسيس وتأملات».

وتابع: «تمتلك عوالم تتراءى للوهلة كأنها مُتفلتة وطائشة، عندما يلتقي الحب والحرب وجهاً لوجه في قصيدة أو لوحة أدبية أو قطعة موسيقية، وكلها من مستلزمات القصيدة الصارمة التي تلغي الحدود والمسارات والاتجاهات للغة. وقد يغيب الشعر ويختنق أحياناً ويحضر النثر، فهي تفتح لغتها على مساحة واسعة من الأفكار التي تعيشها وتتخيلها، وتحوي أفكاراً لا تتحمل الانفلات البلاغي والثرثرة والتأويل المجاني، ولا حتى العجلة في نقل مشاعرها، فهي تحسب كل كلمة بدقتها ومعناها، وتحاول دائماً إقناع نفسها بما هي مُقدمة عليها، وإقناع القارئ بمشروعها الإبداعي المتضمن فكرة الإنسان والحب والوطن والحنين، وإن هذا المشروع هو حصيلة حياتين مقترحتين كتابةً وعيشاً. وقد برهنت صدقية مشروعها في قوة إقناعها لقارئ عاد للمكوث في النص».

بقي أن نذكر، أن "شذى كامل خليل" من مواليد "طرطوس"، عام 1982، خريجة جامعة "البعث" كلية التربية، قسم معلم صف، وتعمل مدرّسة في روضة أطفال تابعة لنقابة المعلمين.