تميّزت "سعاد سليمان" بفصاحتها وإتقانها للغة العربية منذ سنوات عمرها الأولى؛ وهو ما كان سبباً أساسياً في توجهها نحو الكتابة الأدبية وتقديمها قصصاً هادفة للأطفال، ومن ثم تخصصها في الكتابة الصحفية لتصبح مهنتها وكل حياتها.

في الصغر كانت الكاتبة والصحفية "سعاد سليمان" مسك الختام بالنسبة لمُدرّسة اللغة العربية، حيث لا بدّ من قراءة ما جادت به قبل قرع الجرس بلحظات؛ لأن مواضيعها جاذبة وتحمل الكثير من المعاني كما أخبرتها، وهذا على أغلب الظنّ كان سبباً أساسياً في توجهها نحو الكتابة فيما بعد ضمن التخصص الأدبي وبعده الصحفي، فمذكراتها ما تزال تشهد وتبوح بأنها قصص قصيرة بمعايير أدبية جيدة، كما قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تشرين الأول 2018، وتضيف: «ما بعد المرحلة الثانوية رغبت بدراسة الأدب العربي، لكن أهلي أجبروني على دراسة الأدب الفرنسي، ولم أستطع التمرّد على قرارهم، لكن فيما بعد اكتشفت جمال هذا التخصص الأكاديمي، وفي أول فرصة للكتابة الصحفية؛ وكانت في صحيفة "البعث"، كتبت عن الأساطير الإغريقية التي طالما شدتني في معانيها وأفكارها ومضامينها.

بعد أول مجموعة توقف قلمي الأدبي، وبتّ أقدم الزوايا النقدية والاجتماعية بموضوعية قريبة من المنطق والعقل، ولفتتني هنا كمية الخراب الخدمي والاجتماعي الموجودة في "طرطوس"، فبتّ أكتب هذا الوجع صحفياً وأدبياً، ووظّفته في لوحات تتحدث عن حياتي، وعنونته بمجموعة: "نور ونار" الجديدة التي تعكس واقع المجتمع وتخلف بعض الظواهر فيه. وقدمت أفكاري ببساطة من ناحية الألفاظ والتراكيب، وبأسلوب خالٍ من التعقيد؛ لأن من يعنيني في المجتمع عامة الناس وليس النخبة

وبعد انتقالي إلى محافظة "حمص" والعمل في صحيفة "العروبة" كمترجمة تبدل عملي نتيجة إيقاف قسم الترجمة، وبتّ أكتب في جميع الأجناس الصحفية، وبعدها قررت إنشاء صفحة متخصصة بالأطفال وكتابة القصص القصيرة فيها أسبوعياً، فوجد الأمر صدى جميلاً عند متابعي الصحيفة، وخاصة منهم الأدباء الذين شجعوني ووقفوا إلى جانبي، ومنها كانت أول مجموعة قصصية للأطفال طبعتها في "دار الإرشاد" بـ"حمص"، وحملت عنوان: "زين الطفل المدلل"، وشملت ثماني قصص لكل منها خصوصيتها بالصور والأفكار».

مجموعتها "نور ونار"

أدركت أن الكتابة الأدبية للأطفال ليست بالأمر السهل، وإنما تحتاج إلى خصوصية قالت عنها: «خلال كتابة قصص الأطفال كان همّي تقديم الجملة البسيطة الهادفة والقصيرة التي تحمل المفردات السهلة، ليتمكن الطفل من تلقيها بسلاسة ويسر، ولكوني أمّاً تمكنت من تقديم أفكار من عالم الأطفال أقرب إلى الواقع ومراحل الحياة اليومية لتكون جاذبة لهم، مع صور أقرب بتفاصيلها وجنسها إلى الكاريكاتورية.

ما قدمته من الكتابة الأدبية وبعدها الصحفية كان تخصصاً لا بدّ منه؛ لأن الطفل اللبنة الأساسية في المجتمع، وبقدر ما نستطيع قولبته نصل إلى المجتمعات النموذجية النشيطة، مخزوني من طريقة التعامل مع الأطفال كان نتيجة اطلاعي المستمر على جميع المجلات التي تعنى بالأطفال، كمجلة "أسامة"».

خلال توقيعها لمجموعتها الجديدة

وتتابع: «بعد أول مجموعة توقف قلمي الأدبي، وبتّ أقدم الزوايا النقدية والاجتماعية بموضوعية قريبة من المنطق والعقل، ولفتتني هنا كمية الخراب الخدمي والاجتماعي الموجودة في "طرطوس"، فبتّ أكتب هذا الوجع صحفياً وأدبياً، ووظّفته في لوحات تتحدث عن حياتي، وعنونته بمجموعة: "نور ونار" الجديدة التي تعكس واقع المجتمع وتخلف بعض الظواهر فيه.

وقدمت أفكاري ببساطة من ناحية الألفاظ والتراكيب، وبأسلوب خالٍ من التعقيد؛ لأن من يعنيني في المجتمع عامة الناس وليس النخبة».

الكاتبة والصحفية سعاد سليمان

وقد كان لطبيعة "سعاد" أثر فيما تكتب؛ فلا فرق عندها بين الكتابة الصحفية والكتابة الأدبية؛ لأنها تخلص إلى الفكرة والموضوع الذي ترغب العمل عليه، وتمنحه كامل الحقوق، وهذا يعمّم على كل ما تقوم به حتى ولو كان إعداد فنجان من القهوة، وعندما ترى في نفسها القدرة على القيام بالعمل تقوم به من دون تراجع؛ وهذا كان سبباً أساسياً لوصول إنتاجها الأدبي إلى نطاق واسع، كما قالت، وأضافت: «التنظيم يحتاج إلى جهد كبير وتعب، لكن النتيجة كانت مرضية بفعل حب العمل، والأهم أن الأمل يحكمني على الرغم من السوداوية العامة في المجتمع.

فمجموعتي "نور ونار" خير دليل، وهي مكونة من ثلاث وأربعين لوحة، كتبت وطبعت بطريقة غريبة، حيث كنت كل يوم أكتب لوحة وأرقّمها وأركنها جانباً، وفي إحدى الليالي تحدثت مع صاحب دار "أرواد" للنشر، وطلبت رأيه بما أكتب، فأشاد به وشجعني على طباعته، وعلى الفور تناقشنا بصورة الغلاف والعنوان والإهداء، وبعد عدة أيام أصبح جاهزاً».

وفي لقاء مع الكاتب والصحفي "بديع سليمان" من "حمص" المطلع على منتج الصحفية والأديبة "سعاد"، قال: «في قصصها الموجهة للأطفال نكتشف عندها لغة مقتضبة وسهلة بمواضيع متباينة الأطياف، كالتغني بالطبيعة وحب الوطن والعلم وبرّ الوالدين والتعاون وحبّ العمل، وتبثّ ثقافة الارتباط عبر مفاهيم الفكر ودمج القلب والعقل والروح البريئة، في سلوك وإيمان الطفل بأسلوب فني وتراكيب جمالية وصور مجازية ظريفة تتناسب وبيئة الطفل وفضاءات وجوده الأنقى.

وفي مجموعتها "نور ونار" تستخدم تكويناً فنياً مختلف الأجناس الأدبية، فلا يعرف القارئ أين يجدها بين سطور كلماتها، فهي ترصد فيها انعكاساتها الذاتية وتحولات وتداعيات حياتها مع البيئة والمجتمع، في رحلة البحث عن أسئلة كثيرة محيرة والجمال ومواطنه في الروح البشرية، ذاك الخفي بين الظلال والعتمة، الذي يشبه التبر المخبوء تحت أنقاض الزمن، بلوحات من حياة كاتبة إبداعية خلاقة، وقد استخدمت فيها الكلمات والجمل لتوصيف الحدث والحكاية بأسلوب الدهشة والصدمة والتأويل والفلسفة أحياناً، والاقتصاد اللفظي حدّ البلاغة».

يشار إلى أن الكاتبة والصحفية "سعاد محسن سليمان" من مواليد عام 1961 في قرية "ضهر المحشلة" التابعة لمدينة "الدريكيش"، وهي متزوجة ولديها ولدان.