أطلقت الحرية لقلمها وكتبت نصوصاً أدبيةً تنوّعت بين الشعر والرواية، مرتكزةً على الموسيقا كعصب أساسي، وتغنّت بالإنسان متنقلة بين اجتماعيته وإنسانيته، مستندةً على بوح كلمات غير مؤطره بقوالب، فكانت ومضات الأديبة "سهير زغبور".

لم تختار الأدب وإنما وكان هو من اختارها بحسب حديثها، حيث قالت في حديثها لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 1 تشرين الأول 2020: «بداياتي مع الأدب لا أستطيع تحديدها تماماً، وإنما أعرف أنه منذ الطفولة بدأ عالمه يجذبني ويتسلل إلى أعماقي، فيشدني إليه لتطفو بعده خواطر صغيرة لم أكن أتوانى عن كتابتها حتى في الحصص الدراسية والمعلمة تشرح الدرس، فاكتشفت أن الأدب هو من اختارني ولست أنا من اختاره».

بداياتي مع الأدب لا أستطيع تحديدها تماماً، وإنما أعرف أنه منذ الطفولة بدأ عالمه يجذبني ويتسلل إلى أعماقي، فيشدني إليه لتطفو بعده خواطر صغيرة لم أكن أتوانى عن كتابتها حتى في الحصص الدراسية والمعلمة تشرح الدرس، فاكتشفت أن الأدب هو من اختارني ولست أنا من اختاره

قدمت خلال مسيرتها الأدبية حتى الآن تنوعاً بين الرواية والنصوص الشعرية، وهذا كان مرده للحرية، وهنا قالت: «التنوع في إصداراتي بين الرواية والنصوص أعزوه إلى تلك الحرية الداخلية التي أطلقتها لقلمي دون أن أؤطره في قالب واحد، فبأي لبوس أتت الكلمة أرحب بها، لأنه ما من نمط أدبي يستطيع أن ينوب عن الآخر بالمطلق، فلكل وقعه وأثره وضرورته.

الأديبة سهير زغبور

حين أسال نفسي ما الذي يشدني إلى الكتابة لا أستطيع أن أجد جواباً، فربما هي زمرة دم قلمي أو تلك الطاقة من الرغبة في البوح التي لا أستطيع كبح جماحها، أو ربما علاقتي مع الحياة، لأنّنا نعجّ بالوقت وسطوته بكل ما فيه من يأس وأمل وحزن وفرح وخسارة وربح وفشل ونجاح، وكلانا على قيد الاستمرار».

وعن مرد نصوصها الاجتماعية والإنسانية التي بدت كطابع لها ولمن تكتبها، قالت: «مردها تلك العلاقة النورانية التي أراها بين الأدب والإنسان، واستشهد بقول "رسول حمزاتوف" (شكراً لك أيها الشعر، لأنك استوضحت الطريق لأكثر البيوت بؤساً وأعطيت الفقراء لغة مولودة من الشعلة المقدسة، شكراَ لك أيها الشعر)، فالأدب إن لم يتجول في الشوارع، وينصت إلى النوافذ ليسمع أنين المتألمين وضحكات الفرحين ويربت على كتف البائسين، ويصفق للمقبلين على الأمل سيكون فارغاً من محتواه، ولن يكون سوى مطية لشهرة إنسان أراد الكتابة لأناه فقط.

روايتها طين أزرق

لقد كتبت للإنسان كإنسان، لكن بعض القصائد جعلت لمشاعر الأنثى فرزاً دون قصد، ومع ذلك لم تنفصل بمشاعرها عما حولها، وكتبت في إحدى ومضاتي من ديواني "نايات": علمني كيف تصير القصيدة امرأة تتقن الحب، رجلاً بحجم الحياة وأكثر».

لقد تغنت في نصوصها الأدبية بالموسيقا، وكان لعملها الحياتي دور كبير في حبرها السائل دوماً، وهنا قالت: «الموسيقا هي عصب نصوصي الأدبية، حتى في الرواية لم أستطع أن أنحّيها جانباً، لأنها السلم الجمالي الذي يمكننا من الصعود نحو روحانية المعنى.

مجموعاتها النثرية

فعملي الأساسي مدرسة لغة عربية، وأنا مجازة باللغة العربية ودبلوم تأهيل تربوي، وهذا يسر لي سبل الكتابة من حيث وجود المخزون المعجمي واللغوي والنحوي على ما أعتقد، فكان بمنزلة بئر، كلما مددت إليها حبل القلم عاد محملاً بالكثير من الحبر».

البعض قال إنها تميزت بالجرأة، والبعض الآخر قال إنها تميزت بالحس الإنساني المرهف، وقد أوضحت ذلك بقولها: «في الحقيقة كلا القائلَين مصيب، فلا بدّ من بعض الجرأة في طرح الأفكار، مع الحرص على الخطوط الحمراء للمفردات والقيم والثوابت والمبادئ، وهنا علينا الفصل جيداً بين عدم جدوى تخفي المعنى وراء اللفظ، ومقولة يحق للشاعر ما لا يحق لغيره، وبين ضرورة الالتزام بضوابط الكتابة وقيمنا الإنسانية النقية».

وعن عناوين إصداراتها والتطورات التي بدت واضحة في كل منها، قالت: «لي أربع مجموعات مطبوعة ثلاثة دواوين ورواية صادرة عن دار "الغانم" للثقافة، وهي "طقوس الحب"، "نايات"، "تسكنني السماء"، وروايتي الصادرة حديثاً بعنوان "طين أزرق".

وبخصوص التطور فإنما يأتي من خلال التجربة واستثمار نتائجها لصالح تجارب قادمة، وذلك من خلال الابتعاد عن الهفوات التي وقعنا فيها، وتلافيها فيما سيأتي من أعمال لاحقة، وألا يصيبنا الغرور مهما كانت التجربة جيدة، فالغرور مقتل الإنسان بشكل عام، والكاتب بشكل خاص، ولعل أداة التطور المثلى للكاتب وأعماله هي القراءة الكثيرة، لأنها غذاء الروح، شريطة ألا نتحول إلى مقلدين أو نسخة عن غيرنا، فالخصوصية هي بصمة الكاتب والبصمة تبقى الفرادة المميزة له».

وفي ختام حديثها تحدثت عن دور البيئة وتوظيفها في حياتها الأدبية فقالت: «للبيئة التي نشأت فيها الدور الكبير في تجربتي الأدبية، فمنذ سن مبكرة زرعت أمي -رحمها الله- في أعماقي كلمات "جبران خليل جبران" حتى نمت مع قامتي، وعلمني أبي الذي يكتب الشعر كيف ترتسم القصيدة على هيئة إنسان، أما "دمشق" التي ولدتني وعشت طفولتي فيها، فما يزال ياسمينها يطوّق روحي بعبقه، و"حمص" التي درست في جامعتها بقيت تجوب شراييني بشوارعها حتى حضارة قلبي المتوقف على توقيت ساعتها، و"طرطوس" ببحرها الذي يمتد كل صباح إلى قريتي "بعيت" التي أسكنها اليوم، فيملأ قلمي حبراً يكتبني على شواطئ الأبجدية».

اخترنا قصيدة من ديوان "تسكنني السماء" بعنوان "اقرأني" جاء فيها:

«وقصيدتي تشبهني

اقرأها في وجه سمراء تبرجت بالكرز فاشتهاها الصيف بموسم وجديلة،

اقرأْها في عيني امرأة سافر الحزن فيها حين اختمار الليل وتنسك الذكرى

اقرأها كل يوم عند التقاء الروح بالأنثى حيث الوطن يغزر كل نبض

وكأن موعد الخلق في تلك المسافة الفاصلة بين الله والملكوت».

وفي لقاء مع الشاعر "غانم بوحمود" مدير دار "الغانم" للثقافة قال: «للأديبة "سهير" ثلاث مجموعات من قصيدة النثر ورواية، وقد تناولت فيها الهم الإنساني والمرأة والحب، وهي مطرزة بعواطف جياشة جداً ، ومكتوبة بمشاعر إنسانية راقية، وفي كل عبارة بوح شفيف، وبين كل جملة وجملة فضاءات وأبعاد لا نهائية، فهي تحسن توظيف الكلمة، كما تحسن اختيار الموضوع، لتأتينا بنفس مختلف يحملنا إلى مساحات وارفة الظلال من الحلم، وتسمعنا إيقاعات لا تشبه إلا نفسها.

وتكتب هكذا لأنها ابنة البيئة النظيفة، حيث تعمدت بماء الحب، ووصلت إلى مشارف اليقين، فلا تترك لنفسها الخروج من فضاءات الأمل والحب، لكأنها مولودة من رحم كريم معطاء.

ولم يغريها أو يوقف من طموحها أي تردد، انتقاد، غيرة، أو حسد، فهي واثقة من عزيمتها على المضي في اجتراح ما يصعب اجتراحه، وهي تقشر البرتقالة لتجعل من قشرها ضوءاً للقمر، وتمسك بجمرة ثلج لتجعلها شعاعاً للإخصاب، يالها من سيدة تعرف ما تريد وإلى أين هي ذاهبة».

يشار إلى أنّ الأديبة "سهير زغبور" من مواليد "دمشق" 1976 متزوجة ومقيمة في "طرطوس".