على بعد ثماني عشرة كيلومترات شمالي شرقي مدينة "الدريكيش" في أجمل منطقة خضراء بين مجموعة من الينابيع العذبة، نقطة تحول بين عدة عصور تاريخية موغلة في القدم، يقف الكلام أمامها حائراً هل يُنطق على طبيعته أم ينطق شعراً جاهلياً بسيطاً عفوياً ونقياً يعطي هذه المغارة التي سميت على اسم القرية التي تقع ضمن حدودها وهي "بيت الوادي" ما تستحقه من تقدير واهتمام، لأن صواعدها ونوازلها ونبعها الغزير ومساحة فراغها الكبير من أجمل ما اكتشف في سورية حتى الآن.

eSyria زار مغارة "بيت الوادي" التابعة لمدينة "الدريكيش"، والتقى السيد "حسن سلوم" مدير أحد المطاعم في منطقة المغارة، حيث قال: «تقع مغارة "بيت الوادي" في أسفل سفحي جبلين في قرية "بيت الوادي" التابعة لبلدية "دوير رسلان" في "الدريكيش"، وتعتبر هذه المغارة مقصداً سياحياً مهماً لما تمتلكه من مزايا طبيعية فريدة في طبيعتها وتكويناتها رأيتها قبل أن تغلق المغارة بباب حديدي، فمن مدخلها الكبير تخرج مياه النبع الذي ينبع من داخلها ويروي أحدى عشر قرية منها "دوير رسلان" و"بشمشة" و"المحيلبة" و"بمنّة" و"عين بالوج"، وعند التقدم إلى الأمام ضمن المدخل بحوالي "200" متر نصل إلى مدخلين آخرين أحدهما تخرج منه مياه النبع، والآخر جاف، وعند السير في المدخل الجاف تظهر الصواعد والنوازل في كل جزء من المغارة وسط فسحة داخلية كبيرة يتخللها ممرات صغيرة منتشرة على الجوانب الداخلية، كما أنّ المغارة مكوّنة من طبقات، حيث يوجد تحتنا ممر له مدخله الخاص».

خلال جولتي في المغارة رأيت قطع فخّارية كثيرة متناثرة في كل أرجائها، إضافة إلى وجود ست صوامع مبنية بما يشبه الحجر الفخاري "الآجرّ" في التراب ولها فتحة قطرها حوالي سبعين سنتيمتر قد تكون استخدمت للتخزين، ويوجد على أحد القطع الفخّارية كتابات قديمة غير مفهومة

ويتابع: «في متابعة السير إلى الأمام نصل إلى منطقة صخرية زلقة يقطر الماء من سقفها، بعدها يظهر الوادي الكبير وهو تجويف ضخم جداً أرضيته مغطاة بسماكة حوالي نصف متر من الوحل وبقايا الخفافيش التي تسكنه، وباتجاه قاع الوادي توجد منطقة بطول ثمانية أمتار وعرض أربعة أمتار مبنية بالحجر بارتفاع حوالي ستين سنتيمترا تشبه بركة الماء وسطها فتحة صنعيه تصل إلى غرفة كبيرة مبنية من الحجر أيضاً، فيها ما يشبه المصاطب الترابية لوضع الأشياء عليها، وتقع ضمن طبقة سفلية في المغارة وهذه الطبقة موصولة مع أحد التفرعات في بداية المغارة».

السيد "حسن سلوم"

مضيفاً عما رآه من آثار لحياة بشرية سابقة، فيقول: «خلال جولتي في المغارة رأيت قطع فخّارية كثيرة متناثرة في كل أرجائها، إضافة إلى وجود ست صوامع مبنية بما يشبه الحجر الفخاري "الآجرّ" في التراب ولها فتحة قطرها حوالي سبعين سنتيمتر قد تكون استخدمت للتخزين، ويوجد على أحد القطع الفخّارية كتابات قديمة غير مفهومة».

وتقول المهندسة "رجاء زيدان" مديرة مديرية السياحة في "طرطوس": «تبلع مساحة المغارة من الداخل حوالي "7000" متر مربع، وغمق حوالي "500" متر، حيث تم تخديم المنطقة المحيطة بها بشبكة "الكهرباء" و"هاتف" و"مياه" و"طرق"، ويتم الوصول إليها من مدينة "الدريكيش" مباشرةً بطريق طوله حوالي ثمانية عشر كيلومترا ويصل عرضة في بعض النقاط إلى اثني عشر مترا، وتتوضع المغارة في جدار جرف صخري تكوّن عبر ملايين السنين نتيجة مرور نهر جليدي ضخم في تلك المنطقة، ولا تزال آثاره ظاهرة للعيان.

من داخل المغارة

وترتفع المغارة عن سطح البحر حوالي "540" مترا، وتجاور العديد من المناطق السياحية والأثرية منها مدينة "صافيتا" و"الدريكيش" و"مشتى الحلو" وقلعة "حصن سليمان"، وقد تعرضت المنطقة منذ ملايين السنين لزلزال قوي أدّى لانكشاف جيولوجي داخل المغارة، وتتصف المغارة بثبات درجة الحرارة فيها على ثماني عشرة درجة مئوية صيفاً وشتاءً».

وعن استثمارها سياحياً، تقول: «تم عرضها سابقاً في ملتقى الاستثمار السياحي كشريحة ثانية عام "2009"، حيث أن الدراسة المنجزة تتضمن إعادة تأهيل المغارة من الناحية الجمالية، لتشكل عامل جذب للسياح، إضافة إلى إعادة تأهيلها والكشف عليها من النواحي الأثرية والتاريخية والطبيعة الهيدرولوجية والتكوينية والبيئية والنباتية والحيوانية».

المهندسة "رجاء زيدان"

وتتابع: «أثناء القيام بالرفع الطبوغرافي للمغارة لوحظ وجود بقايا فخارية مكسرة تعود إلى عصور قديمة "العصر الكالكوليتي" أي "4500-3400" قبل الميلاد، كما لوحظ وجود بقايا عظام إنسانية منثورة في أماكن عدة من المغارة، ما يدل على أن الإنسان استعمل مغارة "بيت الوادي" لمدة طويلة بدءاً من العصر "الكالكوليتي" مروراً بالعصر "البرونزي" القديم الأول والحديث وصولاً للعصور "الوسطى"، كما تكثر الكتابات على الجدران والصخور في وسط الصالات، وخاصة في الصالة الكبرى منها، وهي غير مقروءة أو مفهومة، لذا تعتبر هذه المغارة محطة تاريخية هامة لأن هذه الكتابات قد تكون مصدر اهتمام علماء التاريخ والاجتماع ودليل للحقبات التاريخية التي توالت على المغارة».

وعن أهم العوامل الأساسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند استثمارها سياحياً، تقول: «وتتميز المغارة بوجود نبع ماء غزير يجري في المستوى السفلي للمغارة يستدعي الاستكشاف بواسطة تقنيات الغطس، أما من الناحية التكوينية فهناك وجود لكسور جيولوجية مميزة في الصالة الأخيرة، إضافة إلى بعض الموارد غير قابلة للتجدد، منها الترسبات الكلسية التي أخذت آلاف ومئات آلاف السنين خلال تكونها وتشكلها، ومن هذا المنطلق فإن الأعمال التحضيرية للاستثمار داخل وخارج المغارة يجب أن تحافظ قدر الإمكان على توازنها وتوازن العناصر الأساسية فيها منها "الرطوبة" و"الحرارة" و"التهوية" و"معدل ثاني أوكسيد الكربون"، لتدارك أي خلل قد يطرأ على نظام المغارة قبل حدوثه، وأن تتوافر فيها عوامل الأمان منها "تهوية كافية" ومنع تساقط الحجارة والانهيارات وحدوث الهواة، وبالنسب للبيئة الخارجية فإن أي استثمار للبيئة الخارجية يجب أن يعطى الأهمية نفسها من الداخل، لأنه يكمل العنصر الجمالي للمغارة، ولمنع حدوث أي تسرب تلوثي إلى طبقات المغارة السفلية والمياه الجوفية فيها».