محمية بالجبال الطبيعية، وترتفع عن سطح البحر نحو خمسة وعشرين متراً، نهض فيها أهل العلم باكراً، وتبعهم تجار جابوا شرق الأرض وغربها تصريفاً لمنتجاتهم التي باتت تميّز قرية "البساتين"؛ سلة المنطقة زراعياً.

ساعات طويلة تحدث بها أبناء قرية "البساتين أو "بساتين الأسد" بفخر لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 أيلول 2017، عن بيئتهم الزراعية والاجتماعية والحرفية، والبداية كانت مع مختار القرية "عمر حلوم"، حيث قال: «قريتنا من أوائل القرى المحدثة في ريف الساحل السوري، وقد شهدت نهضة علمية مبكرة منذ عام 1907 على يد الراحل "يوسف الباني" ضمن مدرسة خاصة عبارة عن غرفتين بجانب كنيسة القرية، التي تميزت منذ الوجود البشري فيها بتماهٍ كبير بين أبنائها المسيحيين والمسلمين، وبعدها أسست المدرسة الابتدائي عام 1921، وشيدت أول إعدادية وثانوية جمعت أبناء الريف القريب والبعيد عام 1974، حيث بات قطاع البلدة يضم نحو ثلاث عشرة مدرسة، وحالياً يتم فيها إنشاء جامعة خاصة.

كان العرس في قريتنا يستمر نحو أسبوع، تقام حلقات الدبكة فيه يومياً، ويشارك كل أبناء القرية فيه، وكان لدينا تنور على الحطب يختلف عن التنور المعروف بشكله، حيث إن له شكلاً أفقياً مسطحاً يستخدم للخبز والحلويات، وكذلك نصنع بأيدينا جميع المؤن الشتوية المنتجة موادها الأولية محلياً في القرية

يتوفر في القرية جميع الخدمات المؤسساتية، كالاتصالات والكهرباء والمياه والصحة منذ مطلع السبعينات؛ لأن الاستيطان البشري فيها قديم جداً، وأظنّ أنه يعود إلى ما قبل عام 1800 بدلالة الكنيسة ومنازل اللبن والطين، وبعض القبور المتراكمة بعضها فوق بعض مع تعاقب الأجيال».

المختار عمر حلوم

ويتابع عن خصوصية أرضها: «القرية غنية بالينابيع دائمة الجريان، وهذا انعكس على طبيعتها الزراعية إيجاباً، فزرعت فيها الفواكه وباتت تشتهر بزراعة المشمش والجارنك والتفاح البلدي، فكانت سلة مدينة "بانياس" منها، وعليه سميت باسم "البساتين"، الذي تم تعديله في السبعينات بطلب من الأهالي لتصبح "بساتين الأسد"، ومن أهم الينابيع فيها: نبع "عين الرجال"، و"عين النسوان"، و"عين السنديانة"، ولكل منها خصوصيته في الاستخدام والموقع».

للقرية طبيعة جغرافية وخصوصية اجتماعية ميزتها عن محيطها بألفة ومحبة كبيرة بين سكانها، حيث أضاف المختار: «التكوين المجتمعي في القرية متجانس جداً بين المسيحية والإسلام، حيث إن المسيحية فيها قائمة قبل الإسلام، فيها كنيسة قديمة جداً وثلاثة جوامع، وتتبع لقطاع البلدية عدة مزارع، منها: مزرعة "كوكب"، و"الدوير"، و"القرير"، و"المراح". وفي الحديث عن حدود القرية، يمكن القول إنه يحدها من الجهة الغربية "جبل حرف شبيب"، وكان عبارة عن مراعٍ للمواشي مساحته 137 دونماً، ومن الجهة الشرقية "جبل المصيف"، ويمتاز بارتفاعه وإطلالته وانحداره الشديد، أما من الجهة الشمالية، فيحدها "جبل قلعة المرقب"، ومن الجهة الجنوبية "جبل العجمي"، وفيه مقام ديني للشيخ "محمد العجمي"، وقد استقر عليه الشيخ "صالح العلي" عدة مرات خلال ثورته ضد الاحتلال الفرنسي».

القرية وفق غوغل إيرث

"إبراهيم طرابيه" من أهالي وسكان القرية، قال: «في مرحلة من مراحل حياة أبناء القرية تركوا الزراعة وتوجه قسم منهم إلى التحصيل العلمي، والقسم الآخر إلى الحرف اليدوية والصناعية التجارية، فكان منهم أشهر الأطباء والمهندسين والصناعيين، وأولهم في مدينة "بانياس"، وبقية المحافظات، فمثلاً أوائل نجاري المدينة جميعهم من قريتنا وكذلك الحرف الأخرى، ولدينا أطباء ومفكرون تقلدوا مناصب رفيعة في المؤسسات الحكومية ومازالوا».

المعمر "عبد القادر خليل" تحدث عن أبرز الحرف القديمة في القرية، فقال: «للقرية حكاية قديمة جداً، وهي حكاية غزل شعر الماعز الذي جمعه أبناء القرية التجار من مختلف المناطق الجبلية البعيدة، حيث تكثر تربية الماعز، وبذلك كانت القرية مقصد تجار الشعر المغزول كخيوط، ليصار إلى تصنيعها كبيوت شعر وحبال وغير ذلك، ومن أهم التجار "محمد عبد الحميد حلوم"، و"محمد عبد القادر محمود"، و"مصطفى قرا"، ومعظمهم عمل على تصدير الخيوط إلى بعض دول الجوار، كـ"تركيا" و"لبنان"، وعمليات النقل أتذكرها جيداً، حيث كانت تتم براً على ظهر المواشي القادرة على العمل والسفر. عمل الأهالي بتجارة فستق العبيد بعد جمعه من مناطق زراعته، واستقدموا كسارات خاصة به، حيث يصل إنتاجه في الموسم إلى مئات الأطنان التي تصدّر إلى مختلف المحافظات والدول المجاورة بتجارة رابحة».

إبراهيم طرابيه

أما ربة المنزل "صبرية محمود"، فقالت: «أغلب العائلات تعتمد حرفة شغل الصنارة لتأمين حاجياتها، وخاصة الشابات اللواتي لم يكملن دراستهن، وذلك رغبة منهن ليكن أصحاب دخل يقيهنّ الحاجة، حيث باتت هذه الحرفة ضمن ورشات منزلية ميزة من ميزات القرية يقصدها كبار التجار المحليين والعرب لتسويق منتجاتها، فيحيكون أطقم كاملة لغرف النوم وغرف الضيوف والصالونات الرئيسة بخيوط القطن الطبيعي.

وأيضاً لدينا حرفة صناعة علائق الزيتون الخاصة بالمكابس اليدوية لاستخراج الزيت، ونحن القرية الوحيدة التي تمتهن هذه الحرفة حتى الآن، وأنا أمارس هذا العمل لأكون منتجة كما بقية أبناء القرية، ومن أدواتها الصنارة الخشبية وخيوط الشعر المنتجة لدينا يدوياً».

أما عن التراثيات في القرية، فقالت: «كان العرس في قريتنا يستمر نحو أسبوع، تقام حلقات الدبكة فيه يومياً، ويشارك كل أبناء القرية فيه، وكان لدينا تنور على الحطب يختلف عن التنور المعروف بشكله، حيث إن له شكلاً أفقياً مسطحاً يستخدم للخبز والحلويات، وكذلك نصنع بأيدينا جميع المؤن الشتوية المنتجة موادها الأولية محلياً في القرية».