أربعة أحياء متباعدة نتيجة الطبيعة الجغرافية الصعبة، كوّنت قرية "العديمة" بعدما كانت "العدية" العاصية على المحتل التركي، عمل سكانها بالجهد العضلي، وكانوا من أوائل المنخرطين في تنوعه واستخدام تقنياته.

قرية "العديمة" قديمة جداً، يناهز عمرها بحسب حديث مختارها "خالد عبيد" 500 عام، أحاطت بها الجبال من مختلف الاتجاهات، وفسحت المجال أمامها للتوسع باتجاه البحر بمسافة 1.5 كيلومتر، وأخذ شكل خليج أمامها، وأضاف المختار لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 تشرين الأول 2017: «حيازاتنا الزراعية صغيرة جداً نتيجة الطبيعة الجغرافية الصعبة المحصورة بالجبال المرتفعة من مختلف الاتجاهات، ويوجد في القرية عدة ينابيع كانت أساس استمرار الحياة البشرية فيها في أوقات سابقة نتيجة الضغوط الاجتماعية زمن الاحتلال التركي، ومنها: "عين العديمة"، و"عين العطار"، و"الليمون"، و"عين الدوار"، و"عين الخريبة"».

القرية غارقة بالقدم، وما زال فيها الكثير من الدلائل على ذلك، منها المقابر الخمس التي وجدت في القرية، وشجرة "زيتون الميري"، والعائدة وفق الأحاديث إلى الضريبة التركية زمن الاحتلال، و"زيتونة الكسارة" المصنفة على مستوى الوطن العربي ضمن أقدم ثلاث أشجار زيتون

وبالنسبة لحدودها الجغرافية، قال معقّب المعاملات "مجد الدين رسلان" من أهالي القرية: «يحدّها من الجهة الشرقية قلعة "المرقب"، ومن الجهة الشمالية حقول قرية "المرقب" وقرية "بستان النجار"، ومن الجهة الغربية مفتوحة على البحر، ومن الجهة الجنوبية حقول قرية "البيضة".

من أحياء القرية

وفي القرية أربع عائلات أساسية، وهي: "آل عبيد"، وتعدّ من أكبر العائلات فيها، و"آل خدوج"، و"آل عكروش"، و"آل رسلان"، ويوجد أيضاً "آل أبش". وتنقسم القرية الحديثة إلى أربعة أحياء، وهي: "حي الباصية"، و"حي عين الخريبة"، و"الحي الجنوبي"، و"الحي الشمالي"».

وتابع فيما يخص خدمات القرية: «كتب على القرية الفقر والضعف حتى في الخدمات الاجتماعية، وأهمها الصرف الصحي والطرق الزراعية والتنظيمية غير المنفذة، والحفريات في الطرق البسيطة لدينا؛ وهذا انعكس على الواقع العام، فكثرت التعديات على مجاري الأنهار، علماً أن بعض أحياء القرية كتصنيف إداري مصنفة سياحية على الرغم من انعدام أبسط الخدمات السياحية».

مختار القرية خالد عبيد

المدرّسة "دهمة خدوج" من أهالي وسكان القرية، قالت عن نسبة التعليم في القرية ما بعد التعليم الإلزامي: «هي نسبة ضعيفة بالتوازي مع ضعف الإمكانيات المادية ومقارنة مع عدد السكان، فلدينا طبيب واحد وعدد قليل من المهندسين والمدرّسين، لكن الخريجين الجامعيين الجدد والدارسين أيضاً عددهم مقبول، لكنه ليس مرضياً.

علماً أن في مركز القرية القديمة مدرسة واحدة بدوامين؛ الأول من الصف الأول حتى الرابع، والدوام الثاني من الصف الخامس حتى التاسع، وفي الحي الغربي "الباصية" توجد مدرسة ثانية نتيجة العدد السكاني المتزايد باستمرار؛ بحكم موقعه وقربه من عدة مناطق على الأوتستراد الدولي (طرطوس - اللاذقية)، ووجود تجمّع للوافدين».

قرية العديمة ضمن المستطيل الملون وفق غوغل إيرث

مدير المدرسة السابق "جهاد عبيد"، قال: «أغلب المعمّرين في القرية أكبر من مواليدهم الأساسية وسجلوا بعد سنوات من ولادتهم؛ وذلك نتيجة الخوف من قرعة "السفر برلك" وجمع الشباب للقتال في صفوف الجيش التركي عند احتلالهم لبلادنا.

ومنازل القرية بالكامل كانت طينية، ومنها المدرسة القديمة؛ وهذا يدل على قدم الاستيطان البشري فيها مع توافر المياه».

وفيما يخص تسمية القرية التي كانت سابقاً "مشتى العدية"، قال المختار "خالد": «بحسب الروايات المتناقلة بالتواتر، فإن أغلب سكان القرية هم بالأساس من ساكني "قلعة المرقب" أيام الرخاء ووجود المزارعين لديهم لحماية أرزاقهم، فكان هؤلاء السكان يسكنون القلعة في الصيف، وينزلون إلى القرية في فصل الشتاء، حيث كانوا يطلقون عليها "مشتى العدية" لكونها محمية وعصية على مختلف عوامل الطقس الشتوي بحكم موقعها الجغرافي بين الجبال، ودفء أجوائها، لكن في زمن الاحتلال التركي عصت القرية بسكانها على الاحتلال وخرج منها الثوار، فغيروا اسمها من "العدية" إلى "العديمة" انتقاماً من أهلها؛ وهذا أجبر ذكورها من سن العاشرة وما فوق للقتال ضمن صفوف الجيش التركي في مختلف البلاد العربية، علماً أننا طالبنا مرات عديدة بتغيير اسمها والعودة إلى الاسم السابق».

موارد القرية محدودة وفق رأي المدرّس "جهاد"؛ وهو ما انعكس على حياة السكان وطبيعة أعمالهم، وهنا قال: «الموقع الجغرافي وضعف الحيازات الزراعية وغير الزراعية التي يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في مختلف الأعمال صغيرة جداً، وتكاد تكون معدومة بالنسبة لبعض الأهالي؛ وهو ما دفع أغلب الأهالي منذ القدم إلى الاعتماد بوجه أساسي على الجهد العضلي في معيشتهم، فعرفت القرية على مستوى محيطها برجالها الأشاوس، وأكثر من ذلك، معظمهم تخصصوا في العمل بالبناء والإسمنت، وأصبحوا ذوي سمعة ذائعة الصيت في هذا المجال، وكانوا من الرواد والسباقين لتطوير عملهم اليدوي إلى آلي عبر "جبّالات" آلية وفرت الجهد والوقت».

وبالعودة إلى حديث المختار "خالد"، قال: «القرية غارقة بالقدم، وما زال فيها الكثير من الدلائل على ذلك، منها المقابر الخمس التي وجدت في القرية، وشجرة "زيتون الميري"، والعائدة وفق الأحاديث إلى الضريبة التركية زمن الاحتلال، و"زيتونة الكسارة" المصنفة على مستوى الوطن العربي ضمن أقدم ثلاث أشجار زيتون».