بعد عهود طويلة من تدفق المفردات الدخيلة إلى لغتنا العربية أصبح الاهتمام بمكانتها التعليمية من أهم الأولويات، خاصة مع بقاء الكثير من الشوائب وظهور المزيد منها لتستخدم مع مفردات لغتنا الأصلية، ومن هنا قررنا أنّ مدرسي لغتنا العربية الذين يدركون واقعها من خلال عملهم هم أولى بتشخيص حالتها اليوم في المجتمع والمدارس.

مجموعة من الأدباء ومدرسي اللغة العربية في آن، اختارهم موقع eTartus في مطلع العام الدراسي الحالي ليصفوا لنا ما آلت إليه حالة أهم وسائل التواصل في المجتمع ولغة المدارس والعلم.

إن لغتنا العربية لغة حضارية استوعبت كل العلوم ولا يحق لنا إلا أن نكرّمها ونعتني بها ونحافظ على بنيانها من كل الشوائب التي لا تليق بكيانها السامق

يقول الأديب "محي الدين محمد" عن مكامن قوة لغتنا وواقعها الحالي: «اللغة العربية هي وجدان الأمة وذاكرة التاريخ، وهي القابعة في خزانة التراث دليلاً على حضارة الأمة وعلى عبقرية مبدعيها، ومن هنا كان الحرص عليها واجباً بل ضرورياً لكلّ مواطن يتحدث فيها.

الشاعر "محمد شمة"

وما تعانيه اللغة من أزمات في هذه الأيام هو استخدام اللهجات المحلية المتغلغلة في بطون الروايات والقصص وحتى المقالات الصحفية، ثم يأتي التلقيم عدو الإبداع الأول، ومن أسف أننا ندرب 200 مليون طفل عربي في هذه الأيام على التلقيم فلا ندع للأطفال مجالاً كي يفكروا ويبدعوا».

ويضيف: «يأتي أيضاً طوفان اللغات الأجنبية في الشوارع فنقرأ مثلاً كلمة (سنتر..) فلان وتعني بالعربية "شركة"، فلماذا هذه الكلمة بدلاً من اللغة العربية الأصيلة؟.

الشاعر "تاج الدين حبوس"

وثمة أوجاع أخرى تعصف بهذه اللغة العربية منها الدعوة إلى اللاتينية والعامية في الحديث اليومي بدلاً من الفصحى، وهذا بدوره يضعف هيبة اللغة ويؤثر سلباً على إنجازاتها الكثيرة.

أتذكّر في هذه المناسبة قصة "حي بن يقظان" (ابن طفيل) التي استفاد منها الأوروبيون في إبداعاتهم ومنهم (روبنسون كروزو) الذي تأثر بها في قصته المشهورة بالإنكليزية، وكذلك قصة "ألف ليلة وليلة" التي هي مرتع المخيلة العربية ومنظمة الذوق».

الأديبة "دعد إبراهيم"

تمكين اللغة العربية لدى طلاب المدارس هي ضرورة لا غنى عنها لكنّ الصعوبات هنا تبدأ لدى أصحاب الشأن، هذا هو رأي الشاعر "محمد شمة" الذي قال: «تعاني لغتنا العربية من الإهمال حتى من قبل المدرسين سواء للغة العربية أو غيرها ممن يقومون بشرح دروسهم باللغة العامية وهذا خطأ كبير، فيجب أن نعوّد الطالب على اللغة الفصحى أثناء حديثه وإجابته، وحتى الآن هناك إهمال من الأولياء بالنسبة للغة العربية من حيث الاهتمام باللغة الأجنبية منذ الصفوف الدنيا.

مناهج اللغة العربية في الصفوف الدنيا فيها بعض الصعوبة بالنسبة للطالب، فقد كانت أكثر مرونة، وأؤكد على ضرورة اهتمام مدرسي اللغة العربية بالطلاب بالدرجة الأولى وباللغة وتحبيبهم بها لأنها أساس كلّ العلوم».

وجهة نظر مشابهة تظهر في كلام الشاعر "تاج الدين حبوس" عن اللغة العربية كإحدى أهم المواد التعليمية، إذ يقول: «كشاعر وابن مدرسة، اللغة العربية تحتاج إلى من يعطيها حقها من قبل عامة المعنيين من المدرس والمدير والموجه، فهي لا تأخذ من حقها إلا القليل في هذه الأيام.

تحتاج اللغة العربية إلى احترامها والأخذ بأساسياتها وقواعدها بشكل أفضل، أما المنهاج الحالي في المرحلة الأساسية فلا أخذ عليه والأهم هو القائمين من الجهاز التدريسي».

أحياناً تكون المقارنة إحدى أفضل وسائل التقييم، فهي الطريقة التي عبرت بها الكاتبة "دعد إبراهيم" عن رأيها، داعيةً إلى عدم الإفراط في التفاؤل نحو بعض الإجراءات قبل إيجاد حلول متكاملة: «هناك ما يدعى روح اللغة، كنا نلاحظ أنّ الذين كانوا يذهبون إلى الكتّاب من الطلاب هم ذوي مستويات أفضل في اللغة العربية من الذين يتخرّجون حالياً من المدارس.

نلاحظ حالياً جهوداً تركز على الاهتمام باللغة، لكن من المهم أيضاً التركيز منذ البداية على احترام هذه اللغة أمام الطفل ليترسّخ ذلك في ذهنه وفي تقبّله لهذه اللغة».

وعن سؤالنا حول إمكانية استبعاد الكلمات الغريبة من لغتنا ومدى الاهتمام بمناهجها، يجيب الشاعر "وضاح الجبل" قائلاً: «إن لغتنا العربية لغة حضارية استوعبت كل العلوم ولا يحق لنا إلا أن نكرّمها ونعتني بها ونحافظ على بنيانها من كل الشوائب التي لا تليق بكيانها السامق».

تحديث المناهج عملية لا بد منها أيضاً، لكن ضمن معايير مناسبة على حد تعبيره: «وبالنسبة لمناهجنا بشكل عام لا بد من إعادة نظر وتصميمها بشكل يتماشى مع تطورات العصر وجمالية لغتنا التي هي لغة أهل الجنة.

من حيث إضافة لغات أجنبية إلى المناهج الدرسية يعطي إضافة ثقافية لأبنائنا شريطة أن تكون ممنهجة وبعيدة عن السكب الذي لا يرسخ علماً أو منهجاً».