ليس كلّ من يفترس مكروهاً أو من يتطفل غير مرغوب به، فذلك هو الحال في عالم الحيوان والنبات، ومنذ فترة قاربت ثلاثة عقود بدأ التنبه لأهمية استخدام الحشرات والطفيليات التي تتغذى على الآفات الزراعية للحصول على نتائج أفضل في عمليات المكافحة والحفاظ على النوعية المطلوبة من الإنتاج.

فما المكافحة الحيوية، وما وسائلها والفوائد التي يمكن أن تقدمها لمزارع الحمضيات أو الأشجار المثمرة أو حتى الزراعة المحمية؟ الإجابات كانت في عدة مخابر مختصة تعمل بالتنسيق مع الوحدات الإرشادية؛ وتبين لنا أنّ هذه الكائنات الحية تحظى بأهمية متزايدة، بعد أن أثبتت نجاحها وتفوقها على المبيدات الزراعية التي تترك آثارها السلبية بموادها السامة أو من خلال تأقلم الآفات معها وخلق أجيال مقاومة لها، وقضائها على الحشرات المقاومة للآفة.

توجد العديد من أنواع الحشرات القشرية التي تصيب الحمضيات وأهمها الحشرة القشرية الحمراء، الشمعية، الرخوة وحشرة الزيتون السوداء، وأكثرها ضرراً على الحمضيات الأخيرتين

في مركز البحوث الزراعية في محافظة "طرطوس" يشرح المهندس "محمود شعبان" عن أهم الآفات التي تساهم الطفيليات المنتشرة بشكل طبيعي في مكافحتها: «توجد العديد من أنواع الحشرات القشرية التي تصيب الحمضيات وأهمها الحشرة القشرية الحمراء، الشمعية، الرخوة وحشرة الزيتون السوداء، وأكثرها ضرراً على الحمضيات الأخيرتين».

المهندس "سليمان داغر"

لكنّ فعالية هذه الطفيليات متفاوتة كما يبين: «بالنسبة للأعداء الحيوية فهناك عدة أنواع مختصة بالحشرة القشرية الحمراء ونذكر أنّ فعالية الطفيليات تصل إلى حوالي أربعين بالمئة مما يساعد في إبقاء الحشرة تحت العتبة الاقتصادية، أما بقية أنواع الطفيليات المستخدمة لمكافحة أنواع الحشرات القشرية المتبقية فتكافح نسبة لا تتجاوز عشرة بالمئة بسبب استخدام نوع أو نوعين فقط من الأعداء الحيوية وعدم توافر الكفاءة المطلوبة، كما في مكافحة الحشرة الأرجوانية، حشرة التين الشمعية وحشرة الزيتون السوداء».

وبما أنّ بعض أنواع هذه الطفيليات غير فعالة بالحد الذي تستطيع به السيطرة على الآفة تتم مكافحة الحشرات القشرية بالزيت الصيفي بالتركيز والتوقيت المناسبين، لأنّ هذه الزيوت أمينة على الأعداء الحيوية وتدخل برنامج المكافحة المتكاملة، لكنّ حمايتها تتطلب المزيد من الجهود كما يوضح: «جميع هذه الأنواع الحيوية من الطفيليات موجودة في الطبيعة، ونطبق عليها برنامج المكافحة المتكاملة لزيادة أنواعها، حيث تقوم "وزارة الزراعة" بالعمل على حمايتها من خلال منع استخدام المبيدات الحشرية إلا في حالات الضرورة وفي مواقع محددة.

المهندس "صالح علي"

وهناك العديد من الأنواع الحيوية ذات طبيعة افتراسية عامة تتواجد على معظم الآفات الموجودة على الحمضيات وتخفف من أضرارها لكنها غير متخصصة مثل "الشبكيات البنية، بق الأنتي كوريد، البق المفترس، أسد المن"».

ومن الآفات التي تصيب الحمضيات، وما تزال تفتقر إلى مستوى أفضل من المكافحة الحيوية حتى الآن يذكر المهندس "محمود": «تسبب "فراشة أزهار الحامض" ضرراً اقتصادياً كبيراً على موسم الإزهار الصيفي وخاصة الأصناف الحساسة مثل "الحامض، اللايم، كومبافار وبوميلو"، وتوجد أعداء حيوية تطبق عليها لتقليل أضرارها لكنّ فعاليتها محدودة وتقارب عشرة بالمئة، لذلك تستخدم أنواع من البكتريا باسم Bacillus thuringiensis حيث أظهرت فعالية متوسطة.

المهندس "يونس سلوم"

من أهم الحشرات الاقتصادية التي تصيب الحمضيات أيضاً "ذبابة الفاكهة"، وقد تم تجريب عدو حيوي من أجلها من "فرنسا" لكنه لم يتأقلم مع الظروف البيئية المحلية».

أما المفترسات الأكثر شهرة في مجال المكافحة الطبيعية فهي أيضاً منتشرة بشكل طبيعي ويقول عنها: «تعد حشرات "أبو العيد" من أفضل المفترسات المعروفة لمكافحة "المن"، ومعظمها فعالة في كلا الطورين اليرقي والكامل، حيث تتغذى بشكل رئيسي على "المن" كما تتغذى أيضاً على العناكب، الحشرات الصغيرة وبيوض الحشرات.

وحشرات "أبو العيد" شرهة للغذاء عند توافره، حيث تحتاج "الخنفساء" إلى أن تأكل عدة حشرات من "المن" في اليوم حتى تستطيع وضع البيض، أما الحشرة الكاملة من "أبو العيد" ذات السبع نقاط فيمكن أن تستهلك عدة مئات من حشرات "المن" في اليوم وكل يرقة تأكل 200- 300 حشرة من "المن" لكي تنمو».

وفي مخبر مجاور مخصص لاستثمار أحد أهم أنواع الأعداء الحيوية شرح لنا المهندس "سليمان داغر" قائلاً: «يستخدم مفترس "الكريبتولاموس" لمكافحة حشرة "البق الدقيقي" على الحمضيات والتي تصيب أيضاً العديد من النباتات مثل الكرمة، الأشجار المثمرة، نباتات الخضار المحمية والزينة وغيرها».

وسائل إنتاج هذه الأحياء المتناهية الصغر والأكثر فعالية من العديد من المبيدات أصبحت متاحة كما يبين في حديثه: «تتم تربية هذا المفترس على ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى هي إنبات البطاطا وهي العائل البديل، وذلك على درجة حرارة ثلاث عشرة درجة مئوية ورطوبة من خمسين إلى ستين بالمئة، والمرحلة الثانية هي مرحلة العدوى بآفة "البق الدقيقي" حيث إنها الوسط الغذائي الوحيد لتكاثر المفترس، وتستمر من عشرين إلى خمسة وعشرين يوماً على درجة حرارة من خمس وعشرين إلى ست وعشرين درجة ورطوبة من ستين إلى خمسة وستين بالمئة».

وبعد انتهاء عملية إنتاج هذا العدو الحيوي يبدو أنّ فعاليته لا تعتمد على أعداده الكثيرة كما يبين المهندس "سليمان": «المرحلة الثالثة هي تربية المفترس على درنات البطاطا المعدات بالبق الدقيقي حيث يمر المفترس بعدة مراحل؛ بيضة، يرقة، عذراء ثم حشرة كاملة، وتعتبر اليرقة الطور الأساسي للافتراس، فبعد خروج الحشرات الكاملة من طور العذراء تجمع في علب بلاستيكية بعدد من أربعين إلى خمسين حشرة في كل علبة، وتوزع على المزارعين بشكل مجاني لتنشر في بؤر الإصابة حيث تكفي من خمس إلى عشر حشرات لكل شجرة مصابة».

وبحسب نتائج استخدامه في مناطق مختلفة وعلى عدة أنواع مثمرة فإنتاجه يستحق العناء كما يوضح: «أدخل هذا المفترس إلى سورية عامي 1994 و1995 من "تركيا وهولندا" حيث كانت تكلفة الحشرة دولاراً أميركياً، وتم بعد ذلك إنشاء مخابر في محافظتي "طرطوس واللاذقية" لتربيته محلياً ونشره في حقول المزارعين مجاناً، كما تم استخدامه بنجاح على الكرمة في محافظتي "حلب وحمص"، وتم إرسال خمسين ألف حشرة إلى لبنان عام 2004 لاستخدامها على الكرمة وأعطت نتائج جيدة».

وفي مخبر دراسة "حافرة أنفاق أوراق الحمضيات" يشرح المهندس "صالح علي" عن أهمية المكافحة الحيوية: «ظهرت هذه الحشرة في سورية سنة 1994 وتنحصر أضرارها بتغذية اليرقات على نسيج الأوراق الغضة مما يسبب تلفها وإضعاف الشجرة، وقد تم إجراء مسح شامل لمناطق الإصابة للعثور على أعداء حيوية محتملة فتم إيجاد عدة طفيليات وأرسلت إلى معهد التصنيف العالمي في "لندن" لتصنيفها وتعريفها».

وبعد سنتين من الدراسة والمتابعة تمت معرفة الحلول المناسبة بالوسائل الطبيعية: «تبين من خلال الدراسة في حقول مكتب حمضيات "طرطوس" أنّ تواجد الأعداء الحيوية المحلية منها والمدخلة يختلف من شهر إلى آخر وبحسب النوع، كما تبيّن وجود فعالية ممتازة للطفيلي المحلي Ratzeburgiola incomplete بنسبة 61,85 يليه الطفيلي الأسترالي Semielacher petiolatus بنسبة 33,99، في حين أنه لم توجد أية فعالية للطفيلي الآخر المدخل من "أستراليا" Ageniaspis citricola».

وبعيداً عن مركز البحوث يستمر العمل لإنتاج نوع حيوي هام لفعاليته الخاصة في مجال الزراعة المحمية وهو فطر "التريكوديرما"، يشرح عنه المهندس "سعيد محمد" من مخبر "دائرة الوقاية" قائلاً: «الغاية من الفطر الحيوي "تريكوديرما" هي إنتاج زراعي نظيف وخال من الأثر المتبقي للمبيدات وحماية المجموع الجذري للنبات وتحسين إنتاجية النبات والمحافظة على البيئة والتربة الزراعية، حيث يعمل الفطر كمبيد حيوي فعال في حماية المجموع الجذري للنبات من الإصابة بالأمراض الفطرية التي تعتبر مشكلة في مجال الزراعات المحمية نتيجة تعدد سنوات الزراعة في نفس الموقع، ويتم تطبيق الفطر منذ سنة 2004 في مدارس المزارعين الحقلية وتوزيعه بشكل مجاني للمزارعين المهتمين».

أما عملية إنتاجه الشبيهة بإنتاج مفترس "الكريبتولاموس" فتتضمن مرحلة إضافية تؤمن له الظروف الملائمة في أجهزة مخصصة كما يوضح: «مراحل إنتاج الفطر تبدأ بتجهيز البيئة الغذائية اللازمة للفطر وهي بيئة أكار البطاطا P.D.A، وتتم زراعته ضمن غرفة العزل، ثم يتم تحضين الفطر ضمن حاضنات على درجة حرارة ست وعشرين لعدة أيام، وبعد ذلك يتم توزيعها على المزارعين على شكل ثلاثة أطباق لكل بيت بلاستيكي لتتم إضافتها في مرحلة إنتاج الشتول».

إحدى أهم تجارب المكافحة الحيوية كان لها شأن الحد من الوباء وبشكل دائم كما يوضح المهندس "يونس سلوم" رئيس الوحدة الإرشادية في "دير حباش": «يعتمد استخدام أسلوب المكافحة الحيوية على نشر الأعداء الحيوية في الطبيعة للقضاء على الآفات والحشرات، ومن هذه الأعداء الحيوية "كالوس نواكي" الذي تم استقدامه من الخارج وقضى على الذبابة البيضاء الصوفية بعد توزيعه عام 1992، وأصبح موجوداً في الطبيعة بشكل دائم، وليس هناك أثر سلبي لهذه الذبابة على إنتاج الحمضيات حتى الآن».

وتبقى أهم القواعد التي يجب اتباعها للحفاظ على هذه الأنواع الاقتصادية الهامة عدم استخدام المبيدات الزراعية إلا في حالات الضرورة وعلى النباتات المصابة وبحسب توجيهات الإرشاد الزراعي لأنّ في وجودها توفيراً للجهد والمال وتخفيفاً من انتشار الآفة.