بدئ التفكير في العودة إلى نظم الزراعة النظيفة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما استشعر الناس الأضرار الناجمة من سوء استخدام المبيدات الزراعية على البيئة والصحة العامة، وصلاحية الغذاء للاستهلاك البشري، حيث ظهرت العديد من الأمراض مثل الفشل الكلوي والكبدي والسرطان، وقد أدى ذلك للبحث عن نظم وتطوير استراتيجيات زراعية جديدة صديقة للبيئة، أهمها تكنولوجيا الزراعة النظيفة أو الزراعة العضوية الحيوية.

لمعرفة المزيد حول الزراعة العضوية وأهميتها الصحية والبيئية والغذائية وآفاقها في سورية التقى موقع eAleppo في كلية الزراعة بجامعة حلب الدكتور "أحمد معروف" ليحدثنا عن ماهية الزراعة العضوية وأهميتها وضرورة الأخذ بتدابيرها.

  • في البداية ما تعريف الزراعة النظيفة؟
  • الرمان.. ينتظر تحويله إلى الزراعة العضوية

    ** تعرف الزراعة النظيفة بنظام إنتاجي اقتصادي اجتماعي بيئي متكامل يتماشى مع الأسس التاريخية التي اتبعها الإنسان في الزراعة على مر التاريخ وقد تأكد خلال التاريخ الطويل للزراعة على سطح الأرض أن هذا الأسلوب له صفة التواصل أو الاستدامة، كما تعرف بأنها الأسلوب من الإنتاج الزراعي الذي يتجنب فيه استخدام المواد الكيميائية وخاصة المبيدات، وقد يتصور الكثير أن أساليب الزراعة النظيفة أسلوب واحد لكن في الحقيقة لها العديد من الأساليب التي تقع جميعها تحت مفهوم تنمية النظم الطبيعية الحيوية.

    * والزراعة العضوية؟

    ** تعتبر الزراعة العضوية جزءاً لا يتجزأ من الزراعة النظيفة، وتعتمد على أسس علمية راسخة فيما يتعلق بالتوازن الطبيعي في الكون والحفاظ على الموارد الطبيعية من تربة ومياه وعناصر جوية لإنتاج مزروعات نظيفة، هذا إلى جانب عدد من العناصر يجب تكاتفها معاً واستغلالها الاستغلال الأمثل في وقاية المزروعات كالأعداء الحيوية، وكذلك الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها من التلوث.

    والزيتون...

  • لماذا الحاجة إلى الزراعة العضوية؟
  • ** نتيجة الأبحاث المختلفة وجد أن عينات كثيرة من المنتجات الغذائية تحتوي على بقايا من المبيدات بنسبة أعلى عن المسموح به ويشير العديد من الباحثين إلى تراكم هذه المواد في الجسم الحي على المدى الطويل وأن ذلك يؤدي لظواهر مرضية كثيرة من أهمها الأورام، لقد كانت أهم الانتقادات التي وجهت إلى الزراعة الحالية أنها أدت إلى تدهور التربة وتدهور البيئة الطبيعية وسببت أضراراً صحية نتيجة التراجع في جودة الغذاء والعكس من ذلك فإن الزراعة العضوية لها تأثير إيجابي لأنها تعتمد على المصادر الطبيعية المتاحة والمحافظة على التوازن البيئي عن طريق تطور العمليات البيولوجية للحد الأمثل. كما أن حماية البيئة والتربة من أساسيات المزارع العضوية وهناك دلائل عديدة للعلماء على أن الغذاء العضوي آمن وصحي مقارنة بالغذاء غير العضوي كما أن المستهلك يريد تحسين احتياجاته من العناصر المعدنية والفيتامينات عن طريق أخذها من مصادر عضوية عن تلك التي عرضت لبقايا المبيدات أو الإضافات الصناعية على الأغذية.

    الدكتور أحمد معروف

  • ما أهداف الزراعة النظيفة؟
  • ** تقليل التلوث البيئي الناتج عن استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية وتقليل المخاطر الصحية وخاصة لمستخدمي المبيدات وتحسين البيئة والأمن الغذائي والمحصول الناتج والمعد للتصدير والحفاظ على البيئة أي زراعة مستدامة أقل اعتمادا على المدخلات الخارجية وعدم فقد العناصر الغذائية من التربة الزراعية وتحسين خصوبة التربة وتوفير الطاقة وزيادة التنوع الحيوي.

    الزراعة العضوية هي نظام إدارة إنتاج شامل يحفز ويعزز السلامة البيئية والزراعية ويتضمن تعزيز التنوع الحيوي ودورات الحياة البيولوجية وتعزيز النشاط البيولوجي للتربة، إنها تؤكد ضرورة استخدام الممارسات التي تعتمد على المدخلات الطبيعية، فالزراعة العضوية لا يُستعمل فيها الأسمدة الكيماوية والمبيدات والهرمونات وكذلك التغيرات الجينية باستخدام الهندسة الوراثية (المحاصيل المعدلة وراثياً).

    وتراعي الزراعة العضوية المبادئ المتعارف عليها دولياً التي تطبق من ضمن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والجيومناخية والثقافة المحلية، وببساطة هي نظام إدارة متكامل يبدأ من ا لمزرعة وينطلق إلي الوحدات والمناطق الزراعية تحت إشراف الوزارة التي تقوم بالتوجيه وسن القوانين التي تشجع هذا التوجه ووضع التشريعات والمقاييس الخاصة بالزراعة العضوية التي بدورها تهدف إلى المحافظة على الصحة العامة والبيئة والتوازن الطبيعي.

  • ما مبادئ الزراعة العضوية العامة؟
  • ** تحسين وصيانة الأنظمة الزراعية البيئية والمناظر الطبيعية وتجنب الاستغلال المكثف وتلوث المصادر الطبيعية وإنتاج كميات كافية من الغذاء ذو النوعية العالية والقيمة الغذائية المفيدة وصيانة وتحسين خصوبة التربة على المستوى طويل الأمد والاعتماد على الأصناف النباتية والأنواع المحلية الملائمة للظروف المحلية وأخيراً وقاية النبات البيولوجية اعتماداً على الطرق الوقائية.

  • ما الممارسات التي تستند عليها الزراعة العضوية؟
  • ** استخدام مصادر طبيعية كالأسمدة العضوية في تغذية النبات وإدامة خصوبة التربة بإضافة مواد ذات مصدر عضوي مع المحافظة على الدورات الطبيعية للعناصر المغذية، حماية المحاصيل الزراعية من الحشرات والأمراض باتباع إدارة زراعية متكاملة وصيانة النظام البيئي دون الحاجة لاستخدام مواد كيميائية ضارة، حماية الأعداء الطبيعية للآفات واستخدام مواد طبيعية في عمليات المكافحة، الإدارة المعتمدة على استغلال المخلفات النباتية والحيوانية، إدامة الصحة الحيوانية باعتماد الصحة الوقائية بدلا من الأدوية والمضادات، الحد من استخدام المصادر غير المتجددة والمحافظة على البيئة والمجتمع وإقامة نظام زراعي مستدام، إعادة استخدام المخلفات النباتية وتدويرها.

  • بماذا تحدثنا عن الإنتاج العضوي؟ وما أهدافه؟
  • ** الإنتاج العضوي هو نظام حديث ومستمر لإنتاج الغذاء وفي نفس الوقت يحافظ على خصوبة التربة على المدى الطويل وكذلك الاستخدام الأمثل لمصادر الأرض المحدودة والمتاحة، الإنتاج العضوي ليس عودة إلى الوراء باستخدام طرق الزراعة التقليدية ولكنه متوافق مع التطور المستمر في علوم البيئة والكيمياء الحيوية وفسيولوجيا النبات وتربية النبات وتصميم الآلات. والإنتاج العضوي يعتمد أساساً على وضع خطة لدورة زراعية وإضافات السماد العضوي الكمبوست والاهتمام بإعادة تدوير العناصر المعدنية المحافظة على تركيب و خصوبة التربة واستخدام الطرق الطبيعية لمقاومة الآفات والأمراض.

    ويهدف إلى المحافظة على صحة الإنسان بإنتاج غذائي ذي جودة عالية وبكمية كافية والتعامل مع النظم والدورات الطبيعية بطرق بناءة تعزز نوعية الحياة وتشجيع وتعزيز الدورات البيولوجية داخل النظام الزراعي وهذا يشمل الكائنات الحية الدقيقة داخل التربة بالإضافة إلى النباتات والحيوانات، وكذلك تطوير نظام إيكولوجي بيئي مائي ومستدام والحفاظ على خصوبة التربة وزيادتها على المدى الطويل واستخدام الموارد المتجددة إلى أقصى درجة ممكنة في نظم الإنتاج المطبقة محليا وإيجاد توازن متناسق بين إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات توفير الظروف المناسبة لجميع المواشي والدواجن كي تمارس نشاطها الطبيعي مع الاهتمام المطلوب بالجوانب الأساسية لسلوكها الفطري، وأخيراً التقليل إلى أدنى حد من جميع أشكال التلوث.

  • أعطنا فكرة عن نظام ضبط الجودة العضوي؟
  • ** هو النظام الذي يضمن أن المنتج أنتج عضوياً ويعتمد هذا النظام على التفتيش والتوثيق /منح الشهادة/ والتصديق.

  • ماذا عن واقع الزراعة العضوية في سورية؟
  • ** دخلت الزراعة العضوية لبعض مزارع الزيتون والقطن والعنب في سورية بأعداد قليلة، وبقناعتي يمكن اعتبار الكثير من الزراعات مثل الزيتون في المناطق الجبلية لريف حلب وحلب ومراعي البادية من الزراعات النظيفة، كما أن وزارة الزراعة تقوم بتطبيق برامج المكافحة المتكاملة على محصول الحمضيات والزيتون للحد من استخدام المبيدات الزراعية وبالتالي الحصول على منتج نظيف من خلال نشر الأعداء الحيوية الطبيعية لآفات الحمضيات وتوزيع مصائد هرمونية وغذائية إضافة إلى الندوات الإرشادية واللقاءات مع الفلاحين لزيادة الوعي بهدف تخفيض الحقول المعاملة للمبيدات. وهنالك برنامج وطني للتطوير المؤسسي للزراعة العضوية السورية.

  • أهمية تطبيق برنامج الزراعة العضوية في سورية؟
  • ** بالنسبة للمزارعين يسهم البرنامج في تخفيض تكاليف مكافحة الآفات وأمراض النبات ثم إن المكافحة الحيوية مكافحة مستمرة وفعالة لأن الأعداء الحيوية تبقي بالمزرعة زيادة إنتاجية المحاصيل، الاستفادة من مخلفات المزارع من خلال تصنيعها كأسمدة عضوية يعاد استخدامها لتخصيب البساتين وبالتالي الحصول على مصدر دخل إضافي، الحصول على ثمار ذات مواصفات تسويقية ممتازة تنافس في الأسواق الأوروبية وبالتالي إن فتح أسواق التصدير تنعكس بزيادة الدخل للمزارع لأن المنتجات النباتية من الزراعة العضوية الطبيعية أغلى ثمناً. وبالنسبة لمنافع البرنامج للمواطنين عموما فهي الحصول على غذاء نظيف خال من السموم ومتكامل العناصر الغذائية وبالتالي على جسم قوي وصحة جيدة وزيادة الكفاءة الإنتاجية للإنسان.

    وبالنسبة للمنافع التي تعود على الدولة فهي توفير مئات الملايين من الدولارات التي تنفقها الدولة سنوياً على استيراد المبيدات والأسمدة الكيميائية أو على علاج حالات ميئوس منها صحياً قد تظهر نتيجة اختلال عمليات التسميد وخاصة زيادة معدلات التسميد الآزوتي للخضراوات الورقية كما تجني الدولة المليارات من الدولارات نتيجة فتح أسواق التصدير ونتيجة زيادة إنتاجية المواطنين لتناولهم غذاء سليم متكامل والمحافظة على صحة المواطنين لدواعي الاقتصاد والأمن القومي والحصول على أجيال قادمة قوية.

    كما يؤدي تطبيق برنامج الزراعة العضوية إلى توفير فائض كبير من المنتجات الزراعية في السوق، ووجود منتجات زراعية عضوية مع توافر الأسواق المحلية العضوية يساهم في تأمين أسواق تصريف جديدة للفائض ويحقق التوازن والاستقرار في الأسعار.

    إن توافر المنتجات العضوية في السوق المحلية يشجع ويزيد فرصة سورية في التصدير ويتيح اختراق أسواق عالمية جديدة، وتشكل البادية السورية النسبة الكبرى من أراضي الجمهورية العربية السورية، والتي تعتبر مصدراً جيداً لتربية قطعان المواشي (الأغنام)، والتي تعد عضوية لاعتمادها على التغذية من المصادر المتاحة في هذه البادية. يجب أن تنظر سورية إلى الزراعة العضوية على أنها حل للكثير من المشكلات الفنية والبيئية التي سببتها الزراعة التقليدية.

  • ما آفاق الزراعة العضوية في سورية؟
  • ** تمتلك سورية كثيراً من المؤهلات التي تسمح لها بالتحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية حيث تمتلك سورية تنوعاً كبيراً من الأصناف المحلية للأشجار المثمرة (االزيتون- التين- الكرمة- اللوز- المشمش- الرمان.. وغيرها) والخضار (الفليفلة- الباذنجان- البصل- البامياء- الكوسا.. وغيرها) والنباتات الطبية البرية، والتي تتميز بمواصفاتها الجيدة بتأقلمها مع الظروف المحلية ومقاومتها للعديد من الأمراض ما يستدعي إعادة دراسة هذه الأصناف المحلية وإمكانية الاستفادة منها ببرنامج التربية والتحسين الوراثي وتنقيتها لتكون مدخل الزراعة العضوية في سورية، كما تنتشر في سورية الكثير من الزراعات المؤهلة بسهولة للتحويل من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية كالزيتون والكرمة والحمضيات والخضار والمراعي الطبيعية والنباتات الطبية.

    تنتشر في سورية الكثير من الأصول البرية المقاومة لنقص العناصر الغذائية وللأمراض، التي يمكن تأهيلها واستعمالها كأصول تطعيم عليها لمقاومة أمراض التربة ونقص العناصر الغذائية.

    إنّ المزارع السوري يستعمل الأسمدة العضوية بشكل فطري ويتقبل العدول عن استخدام الأسمدة الكيماوية لإيمانه بضررها على التربة كما أن المزارع السوري يطبق الدورة الزراعية منذ القدم ما يعزز التنوع الحيوي ويخفف من الأمراض، وقد تبنت وزارة الزراعة سياسة التوجه نحو المكافحة الحيوية وتم تطبيق برنامج المكافحة المتكاملة على كل من الحمضيات والزيتون للحد من التلوث البيئي سواء في المنتج أو في التربة ويشجع التنوع الحيوي وهذا ييسر مبدأ التحول إلى الزراعة العضوية تقوم الدولة ممثلة بوزارة الزراعة على استصلاح أراضى جديدة وإدخالها بالزراعة ما يتيح تطبيق مبدأ الزراعة النظيفة.

  • أخيراً ما الخطوات التي يجب أن تقوم سورية بها للدخول في سوق المنتجات العضوية؟
  • ** العمل على إنشاء مجموعة عمل لتطوير الإستراتيجية والتشريعات وإنشاء جهة مانحة للشهادات بالتعاون مع جهة دولية وتنفيذ مشروع متكامل يتضمن التشريعات والأبحاث والإرشاد وغيرها والبدء بحملة تثقيفية للمستهلكين في سورية من اجل تشجيع إقامة السوق المحلية لهذه المنتجات كما في جميع أنحاء المدن الكبرى في العالم والاستفادة من تجارب تونس ومصر والمغرب في وضع تشريعات وإنشاء المراكز البحثية وتنفيذ الفعاليات التدريبية وإنشاء الجهات المانحة للشهادات بالتعاون مع الاتحاد الدولي للزراعة العضوية في هذا المجال.