شاعرة "حلب" الأولى وأخت العالم والطبيب والشاعر "فرنسيس مرّاش" وأول أديبة سورية كتبت في الصحف والمجلات العربية، وصالونها الأدبي هو الأول من نوعه في الشرق العربي، قبل صالون "مي زيادة" في وادي النيل.

eAleppo عرض صفحات ذاكرة الأدباء والمؤرخين مسلطاً الضوء على تاريخها الأدبي، فقد جاء في سطور مرجع "أدباء حلب ذوو الأثر" في القرن التاسع عشر لـ "قسطاكي الحمصي": «هي بنت "فتح الله" ولدت بحلب من عام /1848/ م، وتوفيت سنة /1919/ م، فكانت سليلة ببث العلم شعلة بالذكاء فصحية الخطاب ألمعية الجواب تحن إلى الألحان والطرب حنينها إلى الفضل والأدب رخيمة الصوت، دخلت مدرسة "راهبات مار يوسف" بـ "حلب" ودرست الفرنسية حتى صارت تكتب وتتكلم بها جيداً ثم درست مبادئ النحو والصرف على أخيها "فرنسيس المرّاش"».

منزلها كان بمثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء والنبهاء وكان من رواد صالونها نخبة من أدباء حلب يوم ذاك "قسطاكي الحمصي" و"جبرائيل دلال" و"كامل الغزي" و"رزق الله حسون" وغيرهم وباتت من موضع تقدير الأدباء والعلماء وأهل الفكر

ويتابع الكتاب: «فهي طيبة المعشر تميل إلى المزاح، عصبية المزاج، فقد تمكن منها الداء العصبي في آخر حياتها، أرادها كثيرون للزواج في أول صباها فأبت لأنها كانت تنوي أن تظل عازبة ثم أقنعها ذووها، وبالنسبة لشعرها فلم يجمع منه إلا القليل في كراسة عنوانها "بنت فكر"، وقد نسجت بضعة سطور هنأت بها "جميل باشا" بولاية "حلب" في سنة /1881/ م.

"قسطاكي الحمصي"

أفديه لا أفدي سواه جميلا / أولى المحب تعطفاً وجميلا

بدر عنه دول الجمال لحسنه/ فأبى لذا تمثاله التمثيلا

أول باب على يمين الصورة دار "مريانا المرّاش"

فإذا تحلى فوق عرش كماله/ تجثو له زهر النجوم مثولا

وإذا توارى في حجاب سنائه/ لا تبلغ الجوزا إليه وصولا.

صورة داخلية لبيت "مريانا المرّاش"

ونسجت أبيات أخرى طالبت أحد الرؤساء بإنجاز وعد:

ياذا الوفا والدين أنت وليه / وعلاء فضلك دونه الجوزاء

هل تذكر القول الذي سمحت به الـ/ نفس النفيسة واليد البيضاء

فالوعد عند الحر دين ثابت / وبوعد مثلك يحسن الإيفاء

أنجز به واقبل ثناي ودم على/ طول المدى تخضع لك البلغاء».

أما مؤرخ "حلب" "محمد رشيد مبيض" فعرض في الصفحة /1214/ من كتابه "مئة أوائل من حلب" أشار فيها: «منزلها كان بمثابة الفضلاء وملتقى الظرفاء والنبهاء وكان من رواد صالونها نخبة من أدباء حلب يوم ذاك "قسطاكي الحمصي" و"جبرائيل دلال" و"كامل الغزي" و"رزق الله حسون" وغيرهم وباتت من موضع تقدير الأدباء والعلماء وأهل الفكر».

كافحت الجهل وقاومت الظلم وتابعت سطور الكتاب قائلة: «ترجم لها صاحب تاريخ الصحافة العربية فقال "مريانا بنت فتح الله مرّاش" ولدت في "حلب" شهر "آب" سنة /1848/ م وترعرعت ترضع من لبان الأدب وتتغذى ثمار العلم فنشأت أديبة عالمة تجيد الإنشاء وتحسن الشعر وكان أبوها "فتح الله بن نصر الله بن بطرس مرّاش" رجلاً أديباً عني بالمطالعة واقتناء الكتب وجمع مكتبة نفيسة ورغب في الكتابة وتمرن عليها وله كتابات عديدة مختلفة لم تطبع وكانت أمها زكية عاقلة من آل "انطاكي" نسيبة "مطران حلبي" وأخواها "فرنسيس" و"عبد الله" مشهوران في عالم الأدب كان الأول شاعراً متفنناً ومنشئاً مجيداً والثاني كاتباً لوذعياً فتربت "مريانا" في هذا البيت الكريم على مهاد الذكاء والمعرفة».

واستطردت سطور الكتاب قائلة: «في المدرسة الإنجيلية بحلب درست فيها مبادئ اللغة العربية والحساب وبعض العلوم وفي الخامسة عشرة أخذ أباها يعلمها الصرف والنحو ثم العروض وعلمها اللغة الفرنسية التي أحسنتها فيما بعد على يد بعض المعلمين ودرست فن الموسيقا وأتقنته جيداً دون أستاذ بدأت بالكتابة والشعر في صباها وأول مقالة لها "شامة الجنان" نشرتها في مجلة "الجنان" في الجزء الخامس عشر لعامها الأول سنة /1870/ م وصدرتها بهذين البيتين لشاعر قديم:

بنفسي الخيال الزائري بعد هجعة/ وقولته لي بعدنا الغمض تطعم

سلام فلولا البخل والجبن عنده/ لقلت أبو حفص علينا المسلم.

وفي هذا المقال عرضت باستحسان قومه صفتي الجبن والبخل بالنساء ودعت قومها إلى إبدالها بالحرص والشجاعة مميزة بين الاقتحام والجرأة وانتقدت بمقالاتها هذه عادات معاصراتها وحضتهن على التزين بالعلم والتحلي بالأدب».

ويتابع "مبيض": «يقول الأديب الكبير "سامي الكيالي" كانت "مريانا مرّاش" تنتقد التقعر في أساليب الكتاب وتدعو بنات جنسها إلى معالجة الكتابة وإلى تحسين الإنشاء وتنويع الموضوعات والتفنن فيها وقد سافرت إلى أوروبا واطلعت على أخلاق الأوروبيين وعاداتهم عن كثب فاستفادت منهم كثيراً ثم عادت لوطنها لتبث بنات جنسها روح التمدن الحديث ويقول في مكان آخر: كانت "مريانا" لزمنها من الشاعرات المشهورات وهي أول أديبة سورية كتبت في الصحف ولاسيما بعد زيارتها لديار الغرب وظهور امرأة تكتب في الصحف وتنظم الشعر في تلك الفترة المظلمة له دلالته، وتاريخنا القريب يقول إن الذين يقرؤون ويكتبون من الرجال في تلك الفترة بالذات من الندرة بمكان لذلك كان ظهورها في خضم تلك الليالي المظلمة أشبه بالنجمة المضيئة في كبد "السماء"، إن ما خلد هذه الشاعرة في تاريخ أدب المرأة الحديث ليس ديوان شعرها بنت فكر فحسب والذي نشرته في سنة /1893/ بل صالونها الأدبي الذي يعتبر الوحيد من نوعه في الشرق قبل أن يكون صالون "مي زيادة" الذائع الشهرة في "وادي النيل"، كان روادها صالونها نخبة من أدباء "حلب" يحيون فيه كاسرة واحدة ويتطارحون الشعر كل واحد يلقي ما كتبه أو نظمه في فترة غيابه عن الصالون، أما "مريانا" الشاعرة فكانت تلف الجميع بأغمار الحب الدافئ والأنوثة الناعمة والمرح البريء وتوزع ببراعة فائقة ظرفها ورقة شمائلها حتى يخرجوا وهم يلهجون بلطفها وحسن معشرها مسحورين بأنغام قانونها العذبة وصوتها الساحر الجميل».

وتحدث "محمد خالد النائف" مدير دار الكتب الوطنية بحلب قائلاً: «عندما قام الأتراك بشد الخناق لبث الرعب والفوضى، وإشاعة الخوف في المواطنين الأتراك وخاصة ممن حملوا أقلامهم وأسهبوا في نفيهم أو سجنهم أو تقتيلهم فاضطروا إلى مغادرة البلاد ولعل سفرها إلى أوروبا واطلاعها على الحضارة الغربية ومعالمها، ومشاهدتها الكثير من أمثاله ند السيدات الغربيات كمدام "ديستايل" ومدام "دينواي" ومدام "دي سوفنييه" هو الذي شجعها على إقامة هذا الصالون الذي سبقت فيه، وأول من ألبس "مريانا مرّاش" تاج الريادة الصحفية، هو "الفيكونت فيليب دي طرازي" ـ أشهر مؤرخي الصحافة العربية على الإطلاق صاحب كتاب ـ "تاريخ الصحافة العربية" ـ المنشور عام /1913/ م لأنه أول من كتب ترجمة كاملة عن "مريانا مرّاش" في كتابه هذا، تحت عنوان "مريانا مرّاش" أوّل سيدة عربية كتبت في الصحف "السيارة" أي إنها الرائدة الحقيقية الأولى، وهذا العنوان توارثه كل من كتب عن "مريانا" وأثبته كل من كتب عن تاريخ الصحافة العربية، أو أشار إلى دور المرأة في مجال الصحافة العربية، وهكذا أصبحت ريادة "مريانا مراش" للصحافة العربية ثابتة راسخة لا ينازعها فيها أحد».

وختم بالقول: «لم يكن في وسعها أن تكون غير ذلك لأن الفترة التي عاشت فيها كانت تسيطر عليها نوعاً ما، وجعلتها تنحو منحى من تقدمها من الشعراء وتسير على خطاهم التي رسموها، بل لأن الجمود السياسي فرض عليها شيئاً على فكرها، تمكن منها مرض العصاب في أواخر حياتها، فلازمت بيتها بحالة يرثى لها إلى أن توفيت عام /1919/».

يذكر أن: دار "مريانا المرّاش" يقع حالياً في حارة "الحصرم" باتجاه اليسار من "ساحة فرحات" في منطقة "الجديدة" "بحلب" حيث تشغل تلك الحارة حالياً ثانوية "الأم" ويبعد الدار عن الثانوية حوالي عشرين متراً إلى الشرق.