أنجبت مدينة "حلب" عبر تاريخها الطويل المئات من الرجال الذين كانوا أصحاب بصمات واضحة في مختلف مناحي الحياة في مدينة الشهباء وسورية وحتى في العالم وبذلك أصبحت "حلب" مفخرة لسورية والوطن العربي من خلال عطاءات أبنائها وإبداعاتهم اللامحدودة، ومن أولئك الرجال الذين مازال أهل "حلب" يتذكرهم بكل محبة واحترام الدكتور "إحسان الشيط".

حول بعض جوانب شخصية الدكتور "إحسان الشيط" تحدث الأستاذ "أنور حمامي" وهو أحد أصدقائه لموقع eAleppo بالقول: «لقد تعرفت على الدكتور "إحسان الشيط" منذ أيام الدراسة الابتدائية حيث درسنا معاً في مدرسة الملك فيصل وذلك في حوالي العام 1942 -1943 وحتى وصلنا إلى المرحلة الثانوية في مدرسة التجهيز الأولى /ثانوية المأمون لاحقاً/ حيث كان المرحوم من المتفوقين في دراسته بدء من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية وكان ينتمي إلى طبقة اجتماعية ذات دخل جيد وميسورة الحال باعتبار أن والده كان تاجر سجاد وله محل معروف في المدينة القديمة.

ناضل وقاتل ورفع صوته عالياً في وجه من أرادوا تشويه المدينة القديمة وآثارها العمرانية وتراثها الفني والحضاري وكان له بيت ذو طابقين العلوي للمنامة والسكن والأسفل للمقابلات

لقد كان والده واسمه "عبد الغني" حلبياً متديناً بينما كانت أمه تركية الأصل ومن القصص الطريفة التي روارها لي بأنّ والده قد أخذه ذات مرة إلى أحد خدّام الجامع الأموي ليفتح لسانه عندما سئم من عدم معرفة ابنه /أي الدكتور "إحسان"/ للغة العربية حيث قام الخادم بلف قطعة قماش على رأسه وشدها بواسطة مفتاح أملاً في فتح مخه وبالتالي ليكون قابلاً للفهم والاستيعاب.

الأستاذ أنور حمامي

الدكتور "إحسان" كان يساري النزعة ومثالياً في حياته اليومية فعندما كان طبيباً كان يقدم العلاج لأكثر من نصف زواره من المرضى بشكل مجاني بل كان يعطيهم الدواء من عنده ولكنه كان شديداً وقاسياً مع النسوة اللواتي كن يأتين إلى عيادته ومعهن أطفال صغار مرضى فلا يتوانى حينها عن توجيه التأنيب لأنّ الأطفال لا يمرضون غالباً إلا نتيجة إهمال الأمهات».

وختم الأستاذ "حمامي" حديثه عن المرحوم بالقول: «ناضل وقاتل ورفع صوته عالياً في وجه من أرادوا تشويه المدينة القديمة وآثارها العمرانية وتراثها الفني والحضاري وكان له بيت ذو طابقين العلوي للمنامة والسكن والأسفل للمقابلات».

الأستاذ محمد خالد النائف

المهندس "تميم قاسمو" رئيس اللجنة الثقافية في جمعية العاديات وأحد أصدقاء المرحوم يقول عنه: «لقد تعرفت على المرحوم خلال طلبه ضرورة العمل على إعادة طبع مجلة العاديات التي توقفت لأكثر من خمسين عاماً، لقد كان مرهف الأحاسيس وذو شخصية محببة إلى قلوب الناس وكان يضع على طاولة عيادته كتباً حول مختلف العلوم والمراجع الطبية وحاسوباً وهو من الأوائل الذين طالبوا ونبهوا الناس إلى ضرورة اكتساب الخبرة اللازمة في التعامل مع الكمبيوتر لأهميته في الحياة.

لقد كان لطيفاً مع مرضاه ويتحدث إليهم بكل هدوء ولطف وكلمة /لو سمحت/ لم تكن تغادر فمه مع مرضاه والناس عموماً ومن عاداته مع مرضاه أيضاً هو أنه كان يشرح لهم طريقة تناول الدواء وعدد المرات وكيفية استعماله وغير ذلك بشكل دقيق وإذا كان المريض فقيراً فقد كان يعطيه الدواء من عنده وكثيراً ما كان يعفي المريض من الأجر.

الدكتور إحسان الشيط مع ابنائه عامر وليلى

ومن صفاته الرائعة والتي ما زلت أتذكرها هو دفاعه عن الأدوية الوطنية حيث كان يشجع الناس على تناوله باستمرار.

بالإضافة إلى عمله كطبيب كان من المحبين للتراث ويدعو الناس باستمرار إلى ضرورة المحافظة عليه والحفاظ على أساطين الطرب الحلبي وقام خلال حياته بتوثيق الكثير من التراث الأثري في "حلب" وعموم المنطقة الشمالية من القطر».

ويتحدث الأستاذ "محمد خالد النائف" مدير دار الكتب الوطنية بحلب عن المرحوم بالقول: «ولد الدكتور "إحسان الشيط" في "حي العقبة" في مدينة "حلب" سنة 1933 درس الثانوية في مدرسة المأمون الحلبية ودرس الطب في الجامعة السورية حيث تخرج طبيباً في العام 1958 ثم سافر إلى فرنسا للتخصص وتخرج في العام 1966 حيث تعين في بداياته طبيباً عسكرياً في البادية السورية ومن ثم طبيباً للأطفال في مدينة "حلب" لمدة تزيد عن أربعين سنة، كما عمل في الميدان العام من خلال الجمعيات الثقافية وشغل منصب نائب رئيس جمعية العاديات لمدة ثماني سنوات وكان من قدامى الجمعية، وفي الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول من العام 2002 توفي الدكتور "إحسان" إثر نوبة قلبية إصابته».

وأخيراً يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض" في كتابه /مئة أوائل في "حلب"/: «إنّ قائمة العلاج المجاني في عيادته كانت تضم الأطباء ورجال الدين من كل الأديان والممرضين والصيادلة ومعارفه من أهل الغناء والثقافة والمصورين الفوتوغرافيين والرسامين، أما المعلمون والمهندسون والعمال فقد كان يكتفي بثلثي ثمن المعاينة».

ويضيف: «حينما كان يقول بأنه مصور فوتوغرافي ويسكت فهذا يعني أنه أقام أحد عشر معرضاً وثق فيها لحلب القديمة في صور هي لوحات ترقى بمستواها إلى أشهر لوحات المصورين الذين تزدحم بأعمالهم مجلات التصوير المعروفة في العالم وحين يقول بأنه هاو للتاريخ فهذا يعني بأنه كتب البحوث الطويلة والدراسات الهندسية عن العمارة الإسلامية وغير الإسلامية في "حلب" مع ابنته "ليلى" ساعده الأيمن في العمل أما عندما يذكر على عجل برامج التلفزيون والإذاعة فهذا يعني بأنه أعد بجهده الذاتي حلقات أسبوعية عن المدينة وتاريخها وأهلها».

ويختم: «كان الدكتور "إحسان الشيط" مسالماً إلى أبعد الحدود ومتواضعاً، وفي آخر مرة تخلى فيها عن مسالمته حين واجه لوحده المشروع الألماني لإحياء المدينة القديمة في "حلب" والذي أراد أصحابه تغيير النسيج الاجتماعي والعمراني للمدينة وقد زاره المشرفون على المشروع في بيته في محاولة إقناعه بوجهة نظرهم وقد وصل الطرفان الى طريق مسدود فلم يجد المرحوم إلا أن يقول بمرارة /هذا العالم الذي تريدون تخريبه ليس لنا غيره تراثاً تاريخياً فابتعدوا عنه واتقوا الله فينا وفيه/، طبعاً المشروع الألماني لم يتوقف ولم يتوقف "إحسان الشيط" هو الآخر حيث استمر في القفز من جدار حجري إلى قبة أيوبية منتظراً نصف ساعة قبل الغروب حتى يلتقط صورة عامرة بمحبة الحجر الحلبي فهو نابض بدم "جلال الدين الرومي" وقصيدة "البحتري" وقرع دفوف أهل "حلب" حين خرجوا بجموعهم منشدين اسق العطاش».