حينما تتحدث عن رواد الحركة التشكيلية في محافظة "حلب" لابد أن تذكر "غالب سالم" ذلك الفنان الذي سطع في سماء الفن التشكيلي الرحب. "غالب سالم" لم يكتف بأن يكون صرحاً فنياً كبيراً في عالم الفن بل أضاف لنفسه اسماً وعلماً وتاريخاً في سجلات الجامعة الإيطالية بـ "روما" حينما حصل على الشهادة العليا فيها.

ولم تزل بصماته على شفاه معظم الفنانين ومن بينهم الفنان "طاهر البني" حينما استرجع في ذاكرته بدايات الفنان "سالم" حيث قال: «إن التكلم عن الفنان "محمد غالب سالم" هو محاولة لتوثيق بدايات الحركة التشكيلية في "حلب" لأنه أول فنان حصل على شهادة عليا بالفنون الجميلة من "روما" عام /1936/.

إن التكلم عن الفنان "محمد غالب سالم" هو محاولة لتوثيق بدايات الحركة التشكيلية في "حلب" لأنه أول فنان حصل على شهادة عليا بالفنون الجميلة من "روما" عام /1936/. ولد "سالم" في مدينة "حلب" عام /1912/، وألف العديد من الكتب الفنية من بينها "موجز تاريخ الفن"، فكان "سالم" في طليعة الفنانين الرواد الذين أنتجوا لوحات تصويرية في هذا الاتجاه، وقد مضى على أثرهم عدد من الفنانين الذين توفرت لهم دراسة أكاديمية خارج البلاد وداخلها ومنهم "فتحي محمد قباوة"، "جبران هدايا"، "حيدر يازجي"، وغيرهم. كما برزت له مساهمات عديدة في المعـارض الرسمية التي أقامتها وزارة المعـارف ومديرية الآثار والمتاحف بدمشق منذ مطلع الخمسينيات بمشاركة عدد من الفنانين ممن شكلوا الطليعة الفنية في مدينة "حلب"

ولد "سالم" في مدينة "حلب" عام /1912/، وألف العديد من الكتب الفنية من بينها "موجز تاريخ الفن"، فكان "سالم" في طليعة الفنانين الرواد الذين أنتجوا لوحات تصويرية في هذا الاتجاه، وقد مضى على أثرهم عدد من الفنانين الذين توفرت لهم دراسة أكاديمية خارج البلاد وداخلها ومنهم "فتحي محمد قباوة"، "جبران هدايا"، "حيدر يازجي"، وغيرهم.

الفنان "طاهر البني"

كما برزت له مساهمات عديدة في المعـارض الرسمية التي أقامتها وزارة المعـارف ومديرية الآثار والمتاحف بدمشق منذ مطلع الخمسينيات بمشاركة عدد من الفنانين ممن شكلوا الطليعة الفنية في مدينة "حلب"».

وقدم الفنان "محمود مكي" عرضاً موجزاً عن حياة الفنان "سالم" مستفيضاً بكلامه قائلاً: «يعتبر أول ناقد فني في سورية، ظهرت موهبته الفنية بالرسم في بداية حياته التعليمية وخاصة في المرحلة الابتدائية وتتلمذ على يد الفنان المعروف "صبحي السراج" الذي شجعه على المتابعة والجد، ثم تتلمذ على يد الفنان الكبير "منيب النقشبندي" فقدم له كل العون وتوسط لدى "ابراهيم هنانو" لإرساله إلى "ايطاليا" والدراسة فيها، وتأثر "سالم" بأستاذه "النقشبندي" وخاصة في التأكيد على أهمية الفن في الحياة ونشره.

الاتجاهات الكلاسيكيّة والواقعيّة في عصره

في عام /1936/ عاد الفنان إلى وطنه كأول عربي سوري يحمل شهادة عليا بالفنون الجميلة من أكاديمية "روما" وقدم مشروع لوحته "قوس النصر" المحفورة باللينيوم المحفوظة لدى فرع نقابة الفنون بـ"حلب".

في بداية حياته ناضل ضد وجود الاستعمار الفرنسي وقد حاول الفرنسيون اعتقاله عدة مرات ولكنه كان يتوارى عن الأنظار ثم ليعود مرة أخرى لكن في النهاية طرده المستعمرون الفرنسيون من جميع وظائفه، كما علّم في جامعة "حلب" منذ بداية إنشاء كلية الهندسة فيها.

"محمود مكي"

ثم عين فيما بعد في منصب الموجه الاختصاصي في مديرية المعارف في زمن الوحدة "السورية- المصرية" وما بعدها لمادة التربية الفنية، تقاعد الفنان "سالم" من جميع الأعمال الوظيفية، وتفرغ للكتابة النقدية والتأليف، وقد نشر في هذه الأثناء بعض مقالاته الفنية عن فناني عصر النهضة في مجلة "الفيصل" السعودية المعروفة».

وأشار "مكي" حول الإنجازات الوطنية التي قام بها "سالم" أثناء الاستعمار الفرنسي قائلاً: «إن الفنان يعتبر مقلاً جداً في انتاج اللوحة الفنية فقد شغله عن هذا الإنتاج الفني في بداية حياته النضال القومي ضد وجود الاستعمار الفرنسي في سورية، وكتابة النقد الفني وتأليف الكتب الفنية، ثم وجوده في مناصب رسمية متعددة، وخاصة عمله الهام كخبير بصمات لدى المحاكم، وكموجه اختصاصي في مديرية التربية لفترة طويلة من حياته وفي الفترة الأخيرة من حياته انشغل عن الإنتاج الفني بالتأليف والكتابة بالإضافة إلى ظروفه الحياتية والمعيشية الصعبة ومتطلباتها المادية في ذلك الوقت، وخاصة بعد أن أصبح رب أسرة ولذلك فإن أي اعتبار نقدي مهما كانت مفاهيمه بأن الفنان "سالم" قد قدم فناً متميزاً فإنه ولا شك يعتبر بعيداً عن الموضوعية النقدية والصواب التاريخي في الحركة التشكيليلة السورية، فإنتاجه الفني لم يتجاوز أكثر من ثلاثين لوحة رسمها في مناسبات خاصة تساير في ذلك الوقت الأسلوب الواقعي الأكاديمي رغم بعض التأثيرات الخاصة بالألوان الترابية الحارة التي تعبر عن حرارة أرض بلادنا ومناخها الخاص، وحبه الشديد لها، ولكنها في واقع مفهوم النقد الحديث الشامل، تتميز أكثرها بأسلوب التقريرية والتسجيلية الأكاديمية والمشاهد اليومية العادية التي رصدها، وبإضافة إلى بعض المناظر الطبيعية، وبعض الأوابد التاريخية في "حلب" كقلعتها الشهيرة، معبراً عن حبه الكبير لهذه المدينة العريقة في التاريخ، يومها قال لي في لقاء خاص وبكل تأكيد لا يمكنني أن أعيش إلا بين أهلي وشعبي الكريم، إلا أن لوحته "ابراهيم هنانو" رفيق دربه التي رسمها إبان وفاته، وقدمها وفاءً للرجل العظيم في حفل تأبينه، تعتبر بحق خطوة متقدمة ومتميزة في الأسلوب الفني والتقني الجديد، ولوحته الأخرى "الشهيد" التي رسمها متأثراً بالواقع الاستعماري، تعتبر في حد ذاتها تعبيراً عن مفهومه الفني والتقني الحديثان في بناء اللوحة، ومفهوم الفنان لمهمته الحياتية في مجتمعه.

وقد رصد فيها الأحداث السياسية اليومية في ذلك الحين معياراً بها عن حسه القومي، وحاول أن يعطيها من أنفاسه الفنية وعواطفه الداخلية وقد ظهر كل ذلك في ضربات ريشته المركزة والسريعة وبألوان غنية وبإحساسها الفني المرهف الخاص به، ودسامتها اللونية التي توضح سرعتها في الأداء والتأثير النفسي المباشر، وعفويتها في العطاء الفني والفكري.

قدم الفنّان "سالم" عطاءات كثيرة للحركة التشكيلية السورية تتمثل في رفدها بمجموعة من الفنانين الذين أصبحوا فيما بعد أعمدة الفن السوري منهم "فاتح المدرس" فتحي محمد قباوة"، "طالب يازجي"، وحيد استانبول" و"حزقيال طوروس".

تابع "سالم" عطاءه عندما أحس بمقدار النقص الذي تعاني منه المكتبة العربية لكتب الفن، وساهم أيضاً في وضع المناهج الفنية للمدارس ولكلية الهندسة في جامعة "حلب"، كما قدم العديد من مقالاته التشكيلية في الصحف العربية، وخاصة في الصحافة "المصرية" كمجلة "الرسالة" ومجلة "الكاتب" المعروفتان في الوطن العربي الكبير على نطاق واسع.

إن كتابات الناقد والفنان الرائد "سالم" تعتبر في حينها رائدة في تاريخ النقد الفني السوري، ويعتبر أول من استعمل المصطلحات النقدية والفنية الجديدة في الكتابة عن الفن التشكيلي، لهذا فهو يعتبر أول ناقد فني حقيقي في سورية كتب النقد الفني بأسلوب ولغة عصرية، وقد كانت آخر كتاباته النقدية في مجلة "الفيصل" السعودية، وفي آخر حياته انعزل عن الناس جميعاً واستقر في بيته ليتفرغ للتأليف، وله مخطوط يبحث في مفردات اللغة العربية، وخاصة المفردات الفنية والألوان وما يدور حولها أسماه "زاد الكاتب" كما كتب في الأمثال الشعبية الحلبية، وله فيها مخطوط ضخم، وقد استعان به كل من المؤرخ "يوسف قوشقجي" في كتاباته التاريخية عن "حلب" والعلامة الأديب "خير الدين الأسدي" في موسوعته المقارنة عن حلب».

إن الطالب اليافع "غالب سالم" ناضل في الوقت نفسه ضمن مجموعة من الشبان المتحمسين الذين انخرطوا في حركة المقاومة ضد الوجود الفرنسي وأشاد بموقفه مؤرخ حلب "عامر مبيض" حينما روى رواية عنه فقال: «كان الزعيم "إبراهيم هنانو" راضياً عنه وعن رفاقه وحدث أن بعث "هنانو" بأحد أعوانه إلى قنصل ايطالياً بقصد تأمين منحة دراسية لهذا الطالب وسرعان ما تحقق الحلم على أن دراسة الفن التشكيلي في روما لم تكن مفروشة بالورود كان هذا الفنان الشرقي ربيب أسرة محافظة جدا وكان عليه منذ البداية في روما أن يواجه في قاعة امتحان القبول امراة تقف أمامه وقفة حواء في يوم الخليقة إنها النموذج الذي ينبغي رسمه ولم يكن هذا يسيراً على فتى غر خجول وما زاد الوضع صعوبة أن أساطين الفن التشكيلي العالمي في روما كانوا يتربعون كالملوك وقلما يعجبهم العجب.

لقد شق "غالب سالم" في روما دروب الدراسة الوعرة بأنامله الصابرة حتى حقق أمنيته وحين عاد إلى وطنه غانماً سالماً غدا رائد الفن التشكيلي في بلده وأول طالب عربي سوري من "حلب" يعود من "روما" حاملاً من أكاديميتها شهادة في الفن- دبلوم في فن التصوير- عام /1936/ على لوحته "قوس النصر" المحفورة، كما رسم "غالب سالم" ثلاثين لوحة تتميز بأسلوب التقريرية الأكاديمي والمشاهد اليومية التي رصدها فضلاً عن بعض المناظر الطبيعية والآثار».

أعطى مادة الرسم حقها وعمل على إرساء قواعدها وأصولها وفي عام /1958/ اختير مفتشاً اختصاصياً لمادة التربية الفنية في "حلب" وبين "مبيض" إمكاناته التعليمية حينما قال: «درّس في أكثر مدارس "حلب"، وأصبح مديراً في بعضها، وكان آخرها مدرسة "عبد الحميد الزهراوي"، فضلاً عن عمله خبيراً بالبصمات والخطوط لدى المحاكم ، تقاعد عام /1973/ وتابع عطاءه عندما أحس بمقدار النقص الذي تعاني منه المكتبة العربية لكتب الفن، فراح يرفدها بكتبه التي قدمها ويعد كتابه "الموجز في تاريخ الفنون" /1945/ أول كتاب من نوعه يبحث في هذا المجال في سورية وكتاب "رسالة في التصوير الزيتي" /1961/ الذي يبحث فيه الجانب التقني والتنفيذي لصناعة اللوحة بأسلوب علمي متطور غير معهود في تلك الفترة ولعل هذا الكتاب يعد الأول من نوعه في "سورية" أيضاً كما أسهم في وضع المناهج الفنية للمدارس ولكلية الهندسة في جامعة "حلب" ويعد الفنان "غالب سالم" أول من استعمل المصطلحات النقدية والفنية الجديدة في الكتابة عن الفن لهذا فهو يعد رائداً في النقد الفني في "سورية" وله مخطوطات يبحث في مفردات اللغة العربية ولاسيما المفردات الفنية والألوان وما يدور حولها، أسماه "زاد الكتاب" كما كتب في الأمثال الشعبية الحلبية وله فيها مخطوط وقد استعان به المؤرخ "يوسف قوشاقجي" والعلامة الأديب "خير الدين الأسدي" كرمته حلب على مدرج المكتبة الوطنية عام 1984 باعتباره من المبدعين».