الشيخ "بدر الدين النعساني"، عالم موسوعي الثقافة وشاعر مجيد وأديب ناقد، عمل طوال حياته في خدمة الثقافة العربية والإسلامية في مدينته "حلب" وفي العديد من الدول العربية والإسلامية التي تنقّل بينها مشتغلاً بالتدريس والتأليف وقد تميّز بغزارة إنتاجه الفكري والأدبي.

حول بعض جوانب شخصية الشيخ "بدر الدين النعساني" يتحدث الأستاذ "حسن بيضة" مؤلف كتاب /"حلب" بحوث وأعلام/ لموقع eAleppo بالقول: «هو "محمد بن مصطفى بن رسلان النعساني الحلبي أبو فراس بدر الدين" كاتب وأديب وله شعر، ولد في "محلة بانقوسا" بمدينة "حلب" في العام 1298 هجرية 1881 ميلادية، أقام في "الأزهر" ثماني سنوات بين عامي 1310 -1318 هجرية ثم قام برحلة إلى الهند في العام 1319 هجرية وعاد منها إلى مصر بعد عام ونصف حيث عمل في تصحيح بعض الكتب كمعجم البلدان وسواه ومن ثم رحل إلى تونس والجزائر وليبية ثم إلى الآستانة، بعد ذلك عاد إلى مدينة "حلب" ليعمل مدرساً للغة العربية في "المدرسة السلطانية".

درّس الشيخ "بدر الدين" اللغة العربية في مدرسة "اللاييك" بمدينة "حلب" أيضاً فكان مهيباً عند طلابه وبين زملائه ومحبوباً في صفه يملك شخصية قوية ونفساً سمحة وروحاً بارعة كما كان قوياً في مادته مطلعاً على أسرارها ومتعمقاً في آدابها

خلال الحرب العالمية الأولى عهدت إليه السلطة العسكرية العثمانية بإصدار جريدة /الحجاز/ في المدينة المنورة فذهب إليها وأصدر الجريدة في ستة أشهر ثم رجع إلى دمشق فكتب في جريدة /الشرق/، وبعد الحرب العالمية الأولى استقر في "حلب" محرراً لجريدتها الرسمية مدة قصيرة ومدرساً في مدرستها التجهيزية إلى يوم وفاته في 1362 هجرية 1943 ميلادية».

الأستاذ حسن بيضة

وأخيراً يقول "بيضة": «درّس الشيخ "بدر الدين" اللغة العربية في مدرسة "اللاييك" بمدينة "حلب" أيضاً فكان مهيباً عند طلابه وبين زملائه ومحبوباً في صفه يملك شخصية قوية ونفساً سمحة وروحاً بارعة كما كان قوياً في مادته مطلعاً على أسرارها ومتعمقاً في آدابها».

وحول شخصية الشيخ "بدر الدين النعساني" وحياته وأعماله ورد في كتاب /علماء من "حلب" في القرن الرابع عشر/ للأستاذ "محمد عدنان كاتبي" 2008 ما يلي: «نشأ وترعرع في كنف والده الشيخ "مصطفى" وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب الحي /"حي بانقوسا"/ وما أن أتم تعليمه في المدرسة الابتدائية حتى راح يحضر مجالس العلماء وحلقاتهم ويحفظ دواوين الشعراء القدماء وديوان المتنبي خاصّةً، ورأى فيه والده الذكاء والنباهة والاستعداد لمتابعة تحصيله العلمي فأرسله إلى القاهرة ليجاور في أزهرها ويتلقى العلم على يد شيوخه الكبار وفي مقدمتهم الشيخ "محمد عبده"، وأثناء دراسته في الأزهر بدأ يحرر المقالات في النقد الاجتماعي التي تقوم على تطهير المجتمع من الأدران والأوشاب وكان صاحب رسالة في تنقية جوهر الدين من الضلالات فكتب في جريدة /المؤيد/ و/المقطم/ وغيرها من الصحف القاهرية، كما عمل في ضبط وتصحيح بعض كتب التراث وأعدها للطباعة والإخراج باسمه.

كتاب /علماء من حلب في القرن الرابع عشر/

ثم سافر إلى الهند وراح يدرّس في مساجدها ويحاضر في منتدياتها مندداً بسياسة الانكليز الاستعمارية مما أثار غضبهم ونقمتهم عليه فحاولوا القبض عليه لكنه استطاع الفرار ليعود إلى مصر ومنها سافر إلى ليبيا والجزائر ليستقر أخيراً في تونس محاضراً في معاهدها العلمية ولا سيما في /جامع الزيتونة/ فاضحاً سياسة الفرنسيين الاستعمارية فأحبه التونسيون وأكرموا مثواه مما أزعج السلطات الفرنسية فألقت القبض عليه وسجنته مدة في تونس ثم رحلته إلى موطنه "حلب".

لقد كان الشيخ "بدر الدين" عثماني الهوى وكان يشيد بأشعاره بالمعارك التي كان العثمانيون يحققون بها الانتصارات على الانكليز والفرنسيين في جبهات القتال في الحرب العالمية الأولى، فعندما استطاعت إحدى الفرق العربية تحقيق بعض الانتصارات في الدردنيل توجه الشيخ "بدر الدين" مع مجموعة من وفود عربية إلى ساحة المعركة ليطلعوا على هذه الانتصارات وألقى أمام قائدها قصيدة أشاد فيها بالبطولات التي حققتها هذه الفرق».

الشيخ بدر الدين النعساني /الجالس/ -1938

وحول مؤلفاته يقول "كاتبي": «ترك الشيخ بعض المؤلفات التي تدل على غزارة علمه وثقافته بالإضافة إلى الكثير من كتب التراث التي صححها وشرح غريبها وأعدها للنشر فضلاً عن مقالاته الكثيرة الموزعة في الصحف والمجلات المحلية والعربية، فمن مؤلفاته: /الإرشاد والتعليم/ وهو مطبوع في مصر-/المقدمة النحوية/ وهو كتاب مدرسي طبع في مطبعة النهضة بحلب في العام 1923 -/الدروس الجلية في قواعد اللغة العربية/، جزآن مطبوع بمطبعة النهضة في العام 1923.

ومن الكتب التي قام بتصحيحها وإعدادها للطبع: /ديوان زهير بن أبي سلمى/ -/كتاب الحيوان/ للجاحظ -/كتاب البيان والتبيين/ للجاحظ -/كتاب أمالي السيد المرتضى/ -/كتاب نهاية الأرب في شرح معلقات العرب/ -/كتاب المفصل في النحو/ للزمخشري -/كتاب المجموع/ للفارابي -/كتاب الملل والنحل/ للشهرستاني -/كتاب العمدة في صناعة الشعر ونقده/ للقيرواني -/كتاب الإصابة في تمييز الصحابة/ لابن حجر العسقلاني، كما ترك الكثير من الأشعار المنددة بالمستعمرين الفرنسيين والانكليز والمنبهة لإخوانه العرب من واقعهم الأليم والداعية لهم للنهوض والتقدم، بالإضافة إلى قصائده في القادة العثمانيين وتخليد انتصاراتهم على قوى الحلفاء».

ويختم: «كان الشيخ "بدر الدين النعساني" غزير العلم قوي الحجة، ذكي وحاضر البديهة قوي الشخصية صاحب تأثير على مخاطبيه ومهيب الطلعة واضح القسمات مربوع القامة ذو لحية خفيفة يزين رأسه بعمامة بيضاء لُفت بإحكام فوق طربوش أحمر وقد ظل على أخلاقه هذه إلى أن أدركته المنية سنة 1362 هجرية الموافق 21/11/ 1942 وحزن عليه إخوانه ومحبوه وشيع بجنازة مهيبة إلى مثواه الأخير في مقبرة "كرزداده" في "قاضي عسكر"».