الفنان الراحل "شريف محرّم" هو أحد الشخصيات الفنية الحلبية البارزة في المشهد التشكيلي السوري والعربي عموماً وصاحب البصمة الواضحة في تاريخ الفن التشكيلي السوري المعاصر من خلال تجربته الغنية وإرثه الفني الكبير الذي تركه لنا بعد رحيله.

حول شخصية المرحوم "شريف محرّم" وتجربته الفنية يقول الناقد الفني والفنان التشكيلي "محمود مكي": «ولد الفنان الراحل "شريف محرّم" في العام 1954 في قرية "عرب عزة" في محافظة "حلب"، وفي العام 1968 تخرج في مركز الفنون التشكيلية بحلب وأقام معرضه الأول في بيروت في العام 1972 والثاني في القاهرة والإسكندرية في العام 1973 والثالث في حلب في العام 1974 بعدها انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرج منها في العام 1981 بدرجة امتياز، وشارك في أغلب المعارض الرسمية ومعارض اتحاد الفنانين التشكيليين وأقام عدداً من المعارض الفردية المتميزة ونال عدة جوائز على أعماله، فقد كان الفنان الراحل متفرغاً لإنتاج العمل الفني ويكتسب منه وكان يكتب أحياناً في النقد الفني في بعض الصحف المحلية، توفي في مدينة "حلب" في 6/1/2009 بعد أن عانى الكثير بسبب ظروف الحياة القاسية وخاصّةً بعد وفاة زوجته التي تركت له طفلاً وحيداً».

التجارب الفنية للفنان الراحل "شريف محرّم" أصبح لها مدلولها الواسع في الثقافة الفنية ولغناها اللوني والفني والفكري مما يؤكد على مقدار أهميتها في منظومة المشهد التشكيلي السوري

ويضيف "مكي": «الفنان الراحل "شريف محرّم" حالة فنية إبداعية متنامية في مضمار الذائقة البصرية السورية فقد كان يبحث عن كل جديد في لوحته الاستثنائية التي كان يدهشنا بها في تجاربه الفنية المتعددة وكان الفن التشكيلي هاجسه الأساسي في حياته التي عاشها في مساراته الحياتية والفنية ضمن مفاهيمه التشكيلية ورؤيته الجمالية والفكرية».

الناقد الفني محمود مكي

وحول تجربة "محرّم" الفنية يقول: «إنّ الحديث عن تجربة الفنان "محرّم" يُعتبر في حد ذاته حديثاً عن فنان مشاغب في كل من الفن والحياة ربما لأنه باحث جدي فيهما ويعمل بكل حيوية رغم الصعوبات، فقد كان دائم البحث عن كل جديد في التراث العربي وأصالته الشرقية ويحاول التجديد في أساليبه الفنية وتقنياته الجديدة بغية إيجاد الفن العربي الخالص من شوائب مدارس الغرب الفنية ومزالقها وفي تجاربه المتعددة لم يكن يهمه الشكل كثيراً بقدر ما كان يهمه المضمون الفكري في اللوحة ولهذا تتكون لوحته من المضمون الذي يفرض عليه التقنية واللون والشكل الجديد في العمل الفني، وأهم عناصره في لوحاته المرأة الريفية الشرقية الفتية والممتلئة بالقوة والعطاء والحب والغنية بمفاتن الجمال الشرقي الواضح التي تأثر بها ورسمها في مجمل لوحاته ليدافع عن أنوثتها ويعلمنا منها حب الأرض الطاهرة والوطن الغالي وحاول أن يصونها من قسوة الظروف الحياتية.

بدأ الفنان "شريف محرّم" أسلوبه الفني واقعياً صارماً يرسم عناصر لوحته بأدق التفاصيل وأصغرها حجماً ثم ألحقها بالتعبيرية مضيفاً إليها في بعض الأوقات عناصره الرمزية، وفي مرحلة جديدة من مراحل تجاربه الفنية مزجاهما بالتأثيرية التي تنم عن عمل فنان متمكن من أدواته القوية ومفاهيمه الفنية الواسعة في مضمار الثقافة الفنية الحديثة فكانت أعماله غنية باللون والشكل والمضمون بحيث يدهش المتلقي العادي أكثر منا نحن الفنانين بما يقدمه في تجاربه الفنية المتجددة دائماً وبقدرته على التحرك ضمن إطار اللوحة البيضاء الصافية حتى إنه لا يترك فيها زاوية صغيرة خالية من لون أو شكل أو ضربة ريشة لها معنى محدد وذلك من خلال رؤيته الفنية والفكرية حيث كان يملؤها بنماذج من عناصر تراثية لها أثرها علينا /خلاخيل وحلي وأساور وجرار وقلادات وأبواب ونوافذ وبيوت متناثرة/ وهذه النماذج المتنوعة تضفي على العمل الفني ككل مسحة جمالية وفكرية خاصة بتجربته الفنية في التشكيل السوري ويتعامل معها بهاجسه المرهف الرقيق ضمن توليفة من الألوان الساطعة التي تعكس ضياء الشمس الشرقية التي لا تغرب عن أرضنا الطيبة والتي عاش عليها في طفولته يلعب مع أطفال قريته القابعة في دوامة الحياة الواسعة.

الباحث الفني طاهر البني

لم يركن الفنان المشاغب الراحل "شريف محرّم" في زنزانة الجمود الفني والزاوية المظلمة في الحياة كما يفعل غيره من فنانين اكتفوا بركونهم في برجهم العاجي يتغنون بالأمجاد السالفة بل كان يحاول دائماً الانطلاق والتحليق في سماء الحرية الفنية للبحث عن أساليب فنية جديدة تؤدي بصدق ووفاء لرؤيته الفكرية الجديدة في الفن والحياة.‏

إنّ العلاقة الديناميكية الكائنة ما بين العناصر التراثية المتنوعة في لوحاته وبين العنصر الإنساني هو ما يؤكد على مقدار ارتباطه الوثيق بالبيئة المحلية ويذكرنا بسحرها وجاذبيتها وجمالها الحي في حياتنا اليومية، وفي مرحلة لاحقة أضاف إلى لوحاته بعض الحروف العربية وأشعارها المعروفة والتي اعتمد عليها في الحوار الكائن ما بين المتلقي ومضمون اللوحة الداخلي رغم محافظته على شكل الحرف التقليدي وقواعده الذي برع في ممارسة كتابتها بقواعده التقليدية يوم كان يعمل مخرجاً في الصحافة العربية.

الفنان الراحل شريف محرم في مرسمه

وفي آخر مراحل تجاربه الفنية /معرضه في صالة الأسد للفنون/ حاول "شريف محرّم" الدخول بأعماله الفنية إلى مفاهيم الفن الحديث /التجريدية/ ليؤكد لنا فهمه الواسع للفن ومدى قدرته الفنية في الأداء بأساليب جديدة فقدّم أعمالاّ فنية ضمن مساحات لونية جديدة يتغنى فيها بألحان موسيقية جذّابة حيث يتناغم فيها مجموعاته اللونية مع الشكل في اللوحة الجميلة ضمن أسلوب تجريدي غرافيكي يتنامى فيه اللون جمالياً وتشكيلياً في توليفة من ألوان قزحية ساطعة بالنور الظاهر خلف مساحاته اللونية الساحرة فهو ما يزال البارع في أداء العمل الفني تقنياً ولونياً بحيث يثير مقداراً من الدهشة لتألّق انسجام العناصر اللونية الجديدة في لوحته يحاول أن يبرز من خلالها مفاهيم صوفية جديدة وروحية موحية بين الصخب والسكينة والصراخ والصمت بين تناقضات استطاع أن ينسجها غرافيكياً بانسجام وتوافق يؤدي إلى الحالة الشعورية والحس المرهف بأهمية التعبير باللون عن مكامن الروح وعالمها الصوفي والذي كانت غايته الفكرية في تجربته الفنية الجديدة».

ويختم "مكي" قائلاً: «التجارب الفنية للفنان الراحل "شريف محرّم" أصبح لها مدلولها الواسع في الثقافة الفنية ولغناها اللوني والفني والفكري مما يؤكد على مقدار أهميتها في منظومة المشهد التشكيلي السوري».‏

ويقول عنه الفنان "نبيه قطاية": «يحمل "شريف محرّم" بقايا صور من قريته وطفولته محفورة في ذاكرته كالوشم يستمد ألوانه من الطمي الفراتي والآجر المشوي والجرار المتكئة يرسم بيوتاً طينية متواضعة تنبعث الأصوات المكتومة من نوافذها وتتسرب الحكايات الضائعة من أبوابها».

ويضيف: «تعلق قلبه بريفية مليئة بالعافية ومحشوة بالأنوثة مستكينة لمصيرها فجعلها قديسة، تغنى بأقراطها وأساورها وخواتمها ومسح خده بثيابها الموشاة بخيوط الذهب خلّدها على ألواح خشبية لازالت عروق الحياة تنبض فيها، عشق الحياة بعنف وكبرياء فاحترق في أتونها وتحول إلى لوحات وصور، ذلك هو الفنان /الشريف/ وتلك هي نهاية الحب /المحرم/».

وأخيراً يقول الباحث الفني "طاهر البني": «بالرغم من المنحى الواقعي الذي انتهجه "شريف محرّم" إلا أننا نلمح في أعماله الفنية عناصر تعبيرية وتجريدية تتمثل في معالجته للموضوعات المستمدة من البيئة الريفية في شمال البلاد، حيث يضفي على المرأة الريفية إحساساً تعبيرياً مفعماً بالمشاعر الإنسانية السامية من خلال خطوط واهنة مسترسلة في صياغة الشكل وألوان متدفقة تتوضع على شكل ضربات قوية محدثة نبضاً حاراً يسري في خلايا اللوحة.

وفي أعماله الأخيرة يميل نحو التجريد الذي يستمد عناصره من بيئته أيضاً عبر تكوينات عفوية تشارك فيها بعض العبارات المكتوبة بخطوط واهنة تسهم في إعطاء اللوحة طابعاً رمزياً محلياً، بحيث لا يمكن أن نصنفه ضمن المدرسة الحروفية لأنه لا يعتمد على الكتابة بشكلها الجمالي بقدر اعتماده عليها كعنصر يسهم في إكساب اللوحة مضموناً فكرياً أو موقفاً اجتماعياً».